العدسة -ياسين وجدي:
أعوام خمس ويزيد على انقلاب 2013 على الدكتور محمد مرسى أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في مصر ، تقترب معها الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير وسط أمنيات بالالتفاف حول مطالب ثورة يناير يرى البعض أن مطلب عودة “مرسي رئيسا” قد يعطلها وأنه لابد من التنازل عنه أو تحديده بفترة مؤقتة.
ولكن جاءت نتائج استطلاع الرأي الذي بثه معهد واشنطن والتي تؤكد دعم ثلث المصريين للإخوان ورفض الأغلبية لسياسات عبد الفتاح السيسي بالتزامن مع رفع الجماعة الإسلامية في مصر لمطالب المصالحة الوطنية بعد خروجها من تحالف دعم الشرعية ورفض الانقلاب ، لتقول أن المطلب يحتاج للحسم استعدادا لنداءات تتزايد باستكمال ثورة 25 يناير، وهو ما نتوقف عنده.
موقف “مرسي”!
“أرفض محاكمتي، والمحكمة غير مختصة، وأنا ما زلت رئيس الجمهورية” .. هذه الجملة الرئيسية التي تتصدر الصحفة الرسمية للدكتور محمد مرسي التي تحمل صفته “رئيس الجمهورية”، وتمتلئ بخطابات سربت له من محبسه في السنوات الخمس الماضية تؤكد إصراره على رفض ما جرى ، ودعوته للاصطفاف الوطني لإلغاء ما كان ومحاسبة المتورطين وإنقاذ مصر.
وشكلت مواقف الدكتور محمد مرسي بحسب المراقبين ثابتا واضحا منذ الانقلاب عليه في 3 يوليو 2013 ،وتجسدت المواقف بوضوح في آخر زيارة لأسرته له ، حيث بررت ثباته على موقفه بأن ” الرئيس يريد أن يحافظ على الثورة ومكتسباتها، ولهذا اتخذ الرئيس موقفه بألا يخضع أو يعترف بهذا الانقلاب العسكري والثورة المضادة حسبة لله، وحتى لا يخذل الشعب المصري في أول حاكم يختاره بإرادته”.
وبخروج الجماعة الإسلامية في مصر وحزبها البناء والتنمية من تحالف دعم الشرعية ورفض الانقلاب المساند لعودة الدكتور محمد مرسي رئيسا للبلاد بعد الإطاحة به في انقلاب 3 يوليو 2013 ، تعقد مشهد الخروج من الأزمة المصرية بشكل ما بحسب مراقبين، خاصة أنها ترى وفق تصريحات لأعضائها أن عودة “مرسي” للحكم غير منطقية.
الشيخ أسامة حافظ، رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، قال في بيان الخروج من التحالف أن الجماعة “تأمل في أن يكون لها دور في تفعيل مادة الدستور التي تحدثت عن إجراء المصالحة الوطنية، حيث يتضمن الدستور مادة برقم 241 للعدالة الانتقالية والمصالحة، والتي تستهدف معالجة ما طرأ على المجتمع عقب أحداث 30 يونيو 2013، التي مهدت للإطاحة بمرسي، غير أنها لم تُفعل حتى الآن.
ولكن جماعة الإخوان المسلمين واضحة للغاية في هذا البعد ، حيث أكدت في بيانات متكررة أنها ستستند إلى 6 مبادئ في تقييم أي مبادرة للاصطفاف، ومنها “التمسك بالشرعية وعودة الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي” فيما ترفض القوى السياسية المدنية مبدأ عودة مرسي للحكم.
حل الإشكالية !
وبحسب تقدير موقف حديث أصدره المعهد المصري للدراسات فإن “مطلب عودة الرئيس د. محمد مرسي من العوامل التي يمكن القول بأنها أحد العوامل الأساسية التي يتوقف عليها توسيع نطاق الاصطفاف في مصر اليوم، لأنها تؤثر على نطاق هذا الاصطفاف في الآونة الراهنة، كما يتوقع أن تؤثر على مستقبل الاصطفاف في أحلك اللحظات التي يكون أحوج ما يكون فيها لتماسك مكوناته، وهو ما يتطلب الانخراط في حوار جاد حول هذا المطلب”.
وتوقع تقدير الموقف أن للمطلب عدة سيناريوهات للتعاطي معه منها : سيناريو نجاح الإخوان في إقناع الدوائر الإصلاحية بين قوى 30 يونيو بجدوى المطلب، أو جدوى العودة المقتضبة التي طرحت من قبل، أو سيناريو نجاح القوى المدنية في إقناع الجماعة بعدم جدوى المطلب، أو سيناريو انتظار تغير الوضع في مصر بفعل حركة شعبية، أو بفعل الحراك المدني، حتى يمكن لأعضائه العودة لمصر ونظر الأمر، غير أن تقدير الموقف يرى أنه من المحتمل أن يتوافق الجميع في المستقبل على طرح هذا المطلب لنقاش جاد.
التعاطي مع المطلب بادر إليه إعلان إبراهيم منير، نائب مرشد الإخوان، في مقابلة مع قناة “الجزيرة مباشر” استعداد الجماعة للتفاوض مع النظام بشروط، وبحسب منير، تمثلت الشروط في أن يكون الحوار مع شخص “مسؤول وليس سفيرًا”، وأن يشمل الحوار جميع الرافضين للسيسي، وكذلك أن يسبق الحوار إطلاق سراح “السجناء السياسيين”، وبينهم مرسي.
وفي إطار الموقف من “مرسي” أكد القيادي بجماعة الإخوان المسلمين وأمين لجنة العلاقات الخارجية في حزب الحرية والعدالة محمد سودان أن كل النزاعات تنتهي غالبا على طاولة المفاوضات وأن ما تتفق عليه الجماعة مع آخرين اعتبار الرئيس مرسي جزء أساسي من الحل، وكذلك ضرورة إطلاق سراح جميع المعتقلين والمحكومين السياسيين قبل أي تفاوض، واعتبر كذلك مطالبة البعض للدكتور محمد مرسي بالاستقالة لفتح باب التفاوض، على أن يتبع ذلك انتخابات حرة نزيهة بإشراف دولي يسمح فيه لمرسي بالترشح مرة أخرى، كأحد خيارات الحل، “وجهة نظر واجتهاد” قابل للمناقشة، مؤكدا أن دراسة ذلك مرتبطة بتحقيق شرط إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين من كل الأطياف.
ذكرى يناير!
متغيرات كثيرة ظهرت في المشهد المصري في الفترة الأخيرة ، تساهم في تعزيز الاصطفاف في الفترات المقبلة بحسب مراقبين .
وتأتي ذكرى يناير الثامنة هذه المرة بالتزامن مع استطلاع رأي موثق كشفه موقع معهد واشنطن للدراسات في الشرق الأدنى المقرب من دوائر صنع القرار في البيت الأبيض ، أكد أنه لا يزال ثلث المصريين يميلون إلى جماعة الإخوان المسلمين بالتزامن مع رفض أغلبية المصريين للسياسيات الاقتصادية والاجتماعية الحالية وتصاعد الاستياء ضد عبد الفتاح السيسي رأس النظام الحالي ومدبر الانقلاب العسكري في العام 2013 .
المعهد في تقريره الذي نشره “العدسة ” قال بالنص :”تشير نقطة البيانات التي تسترعي الاهتمام الأكبر في هذا الاستطلاع إلى أن 33 في المائة من المصريين المسلمين لا يزالون يعربون عن رأي “إيجابي نوعًا ما” حيال “الإخوان المسلمين” (بمن فيهم 6 في المائة لديهم “رأي إيجابي جدًّا” حيالها) ” مضيفا أن هذه هي الحال حتى رغم حظر الجماعة باعتبارها منظمة “إرهابية” وخضعت للذم المستمرّ من وسائل الإعلام خلال السنوات الخمس الماضية. ولم تتغير النسبة تقريبًا منذ الاستطلاعين السابقين في 2015 و2017، وهو ما يعني بالضرورة وجود قناعة حول “مرسي” الرمز الأبرز للإخوان في المشهد العام.
يعزز أجواء يناير أن رموز الجميع خاصة من شاركوا في حراك 2011 رهن الاعتقال ، وكانت الشرارة الأولى لتحريك المياه الراكدة ، مبادرة ذكية للتضامن والاصطفاف خلف كل المعتقلين أطلقها د.محمد محسوب وزير الشئون القانونية والبرلمانية في حكومة د.هشام قنديل، وهو ما يعني بالأساس ضم الدكتور محمد مرسي كأحد المعتقلين في السجون.
ويرى البعض أن تمرير موقف واضح من الدكتور محمد مرسي قد يساهم في تعزيز الاصطفاف على قاعدة يناير، ومن هؤلاء يوسف ندا، المفوض السابق للعلاقات الدولية بجماعة الإخوان المسلمين، الذي دعا الإخوان في مارس الماضي إلى مطالبة محمد مرسي، بالتنازل عن “الشرعية”؛ لحل الأزمة بالبلاد، موضحا أنه إذا تنازل تبدأ مرحلة جديدة من الشرعية، وهي انتخابات حرة، فيما قال بوضوح :” في نظري أنا، وليس في نظر الإخوان، إذا كان مصلحة البلد في أن يتنازل مرسي، ممكن يبنى على تنازله شيء، ومن غير تنازله فالحق الشرعي والقانوني عنده”.
وجاءت آخر التصريحات الرسمية على لسان أمين عام الجماعة د.محمود حسين لشبكة “بي بي سي ” لتؤكد استمرار الوضع على ما هو عليه لكن استدرك ردا على سؤال حول التمسك بالسلطة قائلا :” نحن لا نسعى إلى سلطة، وسوف نتخلى لكن بأمر الشعب”، دون أن يوضح معنى التخلي.
هذه الإشكالية يبدو أنها ذات صدى لدى بعض القيادات في الخارج، التي تؤكد أن ثورة يناير تواجه معضلتين أساسيتين، هما: الاصطفاف الوطني الجامع، والمشروع المستقبلي، وهما ما افتقدتهما الانطلاقة الأولى للثورة في 25 يناير، موضحا أن الأمرين يعمل عليهما كثير من شرفاء مصر الآن.
اضف تعليقا