في السياسة لا شيء مستحيل، وعدو الأمس قد يكون صديق اليوم، هذا ماتكشف عنه الأحداث السياسية التي تشهدها دول العالم بين الحين والآخر، ولا أدل على ذلك من حالة التفاهم وربما التناغم الكبير الذي باتت تشهده حركة المقاومة الإسلامية حماس، والنظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي في الوقت الحالي.

فحماس ونظام السيسي العدوان المتباعدان منذ اللحظة الأولى التي أطيح فيها بالرئيس محمد مرسي، قبل أربعة أعوام، باتا قريبين إلى حد كبير، وقام سفير السيسي لتل أبيب بزيارة القطاع في حضور رجال المخابرات المصرية، وأخذ الخصمانيتبادلان المديح والشكر عبر التصريحات الرسمية وشاشات التلفاز،وكأن لم تكن عداوة من قبل.

وبغض النظر عن أسباب هذا التقارب والثمن الذي ستدفعه الحركة، فإن تساؤلات عدة باتت مطروحة على الساحة السياسية تتعلق بإمكانية حدوث تقارب وصلح مشابه بين “نظام السيسي” وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وعن قدرة حركة حماس في لعب دور الوسيط في هذا الشأن.

إسماعيل هنية و الوزير خالد رمزي

والتساؤلات التي تطرح نفسهاهي: “هل تقبل حماس أصلا القيام بهذا الدور؟ وهل لو قبلت ستوافق الإخوان على الصلح مع نظام السيسي؟ ولو قبلت الجماعة ذلك، هل يقبل نظام السيسي نفسه التصالح مع الجماعة؟”.

حماس لن تورط نفسها

“حركة حماس لن تقبل أن تزج بنفسها في هذ المعترك، فهي ترى أن علاقتها بنظام السيسي قائمة على المصلحة المتشركة للقضية الفلسطينة، التي تنطلق منها الحركة وتتبناها، أما غير ذلك فهي ترى أنها قضايا داخلية مصرية، قد تعيد الحركة لنفس المأزق القديم”.

هكذا يرى خبراء ومراقبون موقف حماس المتوقع من مسألة توسطها لدى نظام السيسي لإجراء صلح مع الإخوان، خصوصاأن الشواهد السابقة للحركة تؤكد ذلك، لكونها دائما وأبدا تحاول أن تنأى بنفسها عن أي مشاكل داخلية للدول التي تتعامل معها”.

فعلى سبيل المثال ظلت “حماس” لسنوات طويلة على علاقة ممتازة ببشار الأسد في سوريا، ومن قبله حافظ الأسد، وكانت تلقى دعما منقطع النظير من “النظامين” في حين أن كلا النظاميكانا يعاقبان بالإعدام شنقا من يثبت انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، ويضيقان على الجماعة بكل الطرق والوسائل.

خالد مشعل و بشار الأسد

وبرغم ذلك، لم تفكر الحركة في القيام بدور الوسيط بين نظاميالأسد، وبين إخوان سوريا انطلاقا من قناعتها بعدم توريط نفسها وقضيتها، وليس هذا فقط، بل إن الحركة، حاولت البقاء على مسافة قريبة من النظام السوري، بعد انطلاق الثورة السورية وسقوط الكثير من الدماء، إلا أنها في نهاية الأمراضطرت لإعلان موقفها بشكل واضح من الثورة السورية، ونظام بشار الأسد، وهو ماترتب عليه إغلاق مكتب الحركة في سوريا، وإعلان الحرب على أنصار حماس هناك.

دليل آخر لكن هذه المرة من طهران، فحين كانت علاقة العرب بايران تزداد في التوتر، كانت حماس تتلقى إمدادات عسكرية ومادية ودعما سياسيا وماليا من إيران دون أن تتدخل حماس أو حتى تعلق على التدخل الإيراني في سوريا واليمن.

وفي مصر نفسها، كانت علاقة “حماس” في كثير من الفترات جيدة بالمخابرات المصرية، ومع ذلك لم تتبن الحركة، أو تسع لإحداث صلح أو تقارب بين نظام مبارك وجماعة الإخوان.

وعليه فإن سياسة الحركة دائما وأبدا هي “حمل القضية الفلسطينية وقضية المقاومة وحسب”دون أن تدخل في الشؤون الداخلية للأنظمة العربية أو الإسلامية، خصوصا أن ذلك قد يضر بمسار مقاومة المحتل، وربما يضر أكثر بالحركات والجماعات التي تتوسط لها الحركة أو تتحدث نيابة عنها.

فشل محاولات النهضة

كذلك لايغيب عن الأذهان أن فشل محاولات حركة النهضة التونسية (فرع الإخوان بتونس) في إجراء مصالحة بين نظام السيسي وإخوان مصر، قد يكون عاملا إضافيا من العوامل التي تمنع “حماس” من القيام بدور الوسيط بين الجماعة والسيسي.

راشد الغنوشي و عبد الفتاح مورو

فمن المعروف أن “راشد الغنوشي” رئيس حركة النهضة التونسية، حاول جاهدا أن يقوم بدور الوساطة بين الإخوان والسلطة في مصر، بل طلب من “السعودية” القيام بهذا الدور، وفقا لحوار له مع صحيفة “الخبر” الجزائرية، حسب “سبوتنيك”.

وقال الغنوشي وقتها:”طلبت من السعودية أن تتوسط انطلاقًا من استبعاد منطق الإقصاء، واعتبار أنَّه لا سلم ولا استقرار في مصر إلا باحترامكامل المكونات الأساسية واحترام مكانة الجيش، لأنه لا سياسة في مصر بعيدًا عن الجيش، واحترام المكون الإسلامي والمكون الإخواني، باعتباره مكونًا عريقًا لا يمكن استبعاده إلى جانب المكونات الأخرى”.

لكن جهود الغنوشي باءت بالفشل آنذاك، ولم يعرف وقتها من المسؤول عن فشل أو توقف تلك الوساطة، وهل يرتبط الأمر بموقف النظام المصري الرافض للتصالح مع الإخوان، أم برفض السعودية الوساطة، أم مرتبط بموقف الجماعة الذي يعاني الانقسام، ويتسمك بمعادلة صفرية مع نظام السيسي.

وعليه فمن المنطقي أن تتجنب “حماس” خوض غمار تجربة محكوم عليها بالفشل، حتى وإن كان البعض يحملها حاليا واجبا أخلاقيا بأن تسعى جاهدة لخطوات تصالحية بين الجماعة والنظام.

النظام قد يقبل تمهيدا لـ 2018

سيناريو آخر لا يستبعد حدوثه، وقد يكون مغايرا لكل ماسبق، ويتمثل هذا السيناريو في أن تتولد قناعة لدى نظام السيسي، وإخوان مصر، بأن انتخابات 2018 فرصة لكل منهما في التخلص من المأزق السياسي القائم في البلاد.

فالسيسي العازم على خوض انتخابات 2018، وفق المؤشرات والمعطيات الحالية، يرغب أن يدخل مدته الثانية، وقد تخلص من أعباء الصراع مع الجماعة، المستمر منذ 4 سنوات، ليتخلص من الضغط الدولي خصوصا في الجانب الحقوقي، كما أن الأجواء المحلية ستكون أكثر هدوءا بالنسبة له.

أما الجماعة فربما تجنح أخيرا لخيار طالما حاولت تجنبه واستبعاده رغم النصح به من قبل كثيرين خارجها وقليلين داخلها يتمثل في استحالة خروجها بأي مكسب ما ظلت المعركة صفرية مع نظام السيسي.

وربما يدفع الجماعة إلى ذلك أيضا التغير الكبير في المشهد الدولي، والعربي،فترى أن مقتضيات السياسة وما آلت إليه الأوضاع يتطلب شكلا آخر من التعاطي يعتمد المرونة والتنازل.

ومن هذا المنطلق، فقد يعرض نظام السيسي عرضا تصالحيا مع الإخوان من خلال الوسيط الحمساوي، وقد يحدث العكس، إذ يمكن للجماعة أن تعرض هي على نظام السيسي الوصول إلى نقاط تصالح مشتركة قبل مشهد انتخابات 2018.