مع موجة الكراهية العنيفة التي تعرض لها الإسلام في فرنسا الأسابيع الماضية من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون وبعض داعميه، قامت بعض الدول العربية -كالسعودية والإمارات- بإدانة هذه التصرفات على استحياء، في تصرف لا يمكن وصفه إلا بالنفاق والجبن الأخلاقي.

العداء تجاه الإسلام من قبل إيمانويل ماكرون لم يكن مبني على أساس فكري أو أخلاقي، بل كان الهدف منه استقطاب اليمين المتطرف الذي يتحدى قيادته وقد يعرقل مسيرته في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وكذلك صرف الانتباه بعيدًا عن إخفاق حكومته في التعامل مع جائحة فيروس كوفيد-١٩، لذلك قاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجماهير العالمية حملة قمع واضحة للغاية ضد الإسلام والمسلمين – عددهم ستة ملايين مواطن- في البلاد.

بداية الشهر الماضي، صرح ماكرون بأن “الإسلام يعاني من أزمة في جميع أنحاء العالم”، مرددًا نفس العبارات المعادية للإسلام والتي تغلغلت في دوائر اليمين المتطرف على مدار العقدين الماضيين، كما اتهم الأقلية المسلمة في البلاد بالانخراط في مناهضة القومية والتطرف والانفصالية، وكشف النقاب عن خطته لتنظيم ممارسة الإسلام في فرنسا، وهي خطة تتضمن قمع التأثيرات الأجنبية في المجتمعات المسلمة، ومراقبة الحكومة للمساجد، وحظر المدارس الإسلامية.
والأكثر من ذلك، شجع ماكرون وتعهد بحماية أولئك الذين يرسمون ويظهرون علانية صورًا عنصرية ومعادية للإسلام للنبي محمد.

عنصرية ماكرون “المفضوحة” أثارت إدانة واسعة في جميع أنحاء العالم الإسلامي من قبل المنظمات الحقوقية والمدنية والنشطاء، وبعض رؤساء الدول، كالرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي طلب من ماكرون عمل “فحوصات نفسية وعقلية” للتأكد من سلامة عقله بسبب تصريحاته.
ووصفت منظمة التعاون الإسلامي (OIC) كلمات ماكرون وأفعاله بأنها “ضارة بالعلاقات الإسلامية الفرنسية” وشكل من أشكال “الترويج للكراهية” الذي يخدم فقط “المصالح السياسية الحزبية”.
أما المنظمات والشركات التجارية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وما وراءه قادوا حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية، وتعهدت تلك الشركات بتخزين أرفف المتاجر ببدائل غير فرنسية، وإرسال هاشتاغ #BoycottFrenchProducts على وسائل التواصل الاجتماعي على تويتر وإنستغرام وفيسبوك.

إلى هنا تبدو الأمور منطقية، اللامنطقي هو تعامل بعض الدول العربية مع انتهاكات فرنسا اللامتناهية مع المسلمين في الدول الأخرى، حيث يتم تجاهل الكوارث التي تسبب بها ماكرون وفرنسا للمسلمين بسبب غاراتها الجوية في ليبيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو، ودعمها المتواطئ لحملات حكومات بعض الدول الخليجية على تلك البلدان، وكذلك تشجيع فرنسا للإجراءات القمعية ضد المسلمين في فلسطين والصين وكشمير.

على سبيل المثال، أدانت المملكة العربية السعودية فرنسا وماكرون بشكل غير مباشر برفضها الرسوم الكاريكاتورية التي تسخر من النبي محمد والجهود المبذولة لربط الإسلام بالإرهاب، المملكة التي أدانت هذه التصرفات هي ذاتها التي شاركت في توقيع رسالة مع 36 دولة أخرى معظمها من الشرق الأوسط وأفريقيا لدعم جهود الصين ضد 15 مليون مسلم من الأويغور، بحجة دعم “إجراءات مكافحة الإرهاب والقضاء على التطرف”.

شاركت حكومات الإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت ومصر وسلطنة عمان وسوريا والعراق والسودان في التوقيع على الرسالة المُشار إليها، والتي تشيد بشكل أساسي بالصين لاحتجازها ملايين الأويغور المسلمين الأبرياء في عدد من معسكرات الاعتقال في جميع أنحاء شينجيانغ، وقد شهدت المنطقة منذ ذلك الحين اختفاء ما يصل إلى 80 في المائة من سكان الأويغور في السنوات الخمس الماضية في المدن والقرى، وفقًا لبحث أجرته مؤسسة جيمستاون.

عندما تشيد الحكومات العربية الأفريقية بشبكة معسكرات الاعتقال الصينية، وقبولهم لعمليات الاحتجاز غير القانوني لما يزيد عن خمسة ملايين مسلم يتعرضون للتعذيب والاغتصاب الجماعي وغسيل المخ وبرامج التعقيم القسري والانفصال الأسري والعمل القسري، برامج حصاد الأعضاء، واختبار لقاح COVID-19 القسري، واختبار الأسلحة البيولوجية، والإعدام الفوري – كل ذلك تحت ذريعة مكافحة الإرهاب الإسلامي والانفصالية، وهي نفس الحجة التي طرحها الرئيس الفرنسي في خطابه العنصري ضد الإسلام.

إن لم نعتبر تعامل تلك الدول العربية مع هذه المواقف والانتهاكات بأنها تجسيد حي للجبن الأخلاقي والنفاق، فما هو توصيفه الحقيقي إذا؟دعونا أيضاً نضع في اعتبارنا حقيقة أن هذه الدول نفسها التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل بدون أي مقابل يحل محنة ملايين الفلسطينيين الذين يتم سحقهم تحت وطأة الاحتلال العسكري الإسرائيلي غير القانوني المستمر منذ 53 عامًا

كيف يمكن لأي شخص يتمتع بضمير حي أن يدين عداء فرنسا للإسلام والمسلمين بينما يعطي في الوقت نفسه موافقة ضمنية على هذا النوع من القسوة والإذلال الذي تمارسه إسرائيل على المسلمين في الضفة الغربية المحتلة وغزة والقدس الشرقية؟

الأكثر من ذلك، قدمت العديد من هذه الدول ذات الأغلبية المسلمة، ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الدعم إلى الحكومة الهندية برئاسة ناريندرا مودي، وإلى أجندتها القومية الهندوسية المتطرفة.
وكانت حكومة مودي قد أعلنت صراحة عن رغبتها في تخليص البلاد من الأقلية المسلمة، الذين وصفتهم بـ “الغزاة” و “الآفات” والإرهابيين “، وبالتالي أصبح مصير نحو 200 مليون من أتباع العقيدة الإسلامية على” شفا الإبادة الجماعية “، والدول العربية المسلمة تؤيد وتشجع.

وفي سياق متصل، أعربت أنظمة الخليج العربي هذه عن دعمها لإلغاء الهند للمادتين 370 و 35 أ في كشمير التي تحتلها الهند، حيث زعمت الإمارات العربية المتحدة “بصورة استفزازية” أن هذه الخطوة “ستحسن نظام العدالة الاجتماعية والأمن، وستزيد من الاستقرار والسلام”.
وبالمثل، قللت المملكة العربية السعودية من اهتمامها انتهاكات حقوق الإنسان في الهند باعتبارها “قضية داخلية”، في حين أن تجريد نيودلهي من الوضع شبه المستقل للأراضي المتنازع عليها يمثل بداية مشروع الهندوس الاستيطاني الاستعماري، وهو مشروع لا يختلف عن استعمار إسرائيل للضفة الغربية.

المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لم يكتفيا بدعمهما للأنظمة الغربية في اضطهادهم للمسلمين، بل أصبحتا من أهم مصادر الإسلاموفوبيا العالمية في أعقاب الربيع العربي، حيث تمول تلك الحكومات الجماعات والأفراد المنتمين لليمين المتطرف في أوروبا، بما في ذلك حزب الشعب الدنماركي، والحزب الاتحادي الديمقراطي في آيرلندا الشمالية والديمقراطيون السويديون.

في عام 2017، نشر موقع The Intercept رسائل بريد إلكتروني مسربة للسفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، يصف فيها أيديولوجية الإسلام السياسي بأنها “مشكلة يجب التعامل معها”، علاوة على ذلك، امتدح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باعتباره “شخصًا على استعداد لفعل ذلك”، مما يجعل هذه الكلمات لا يمكن تمييزها عن تلك التي نطق بها الرئيس الفرنسي علنًا.

في النهاية، فإن عداء الحكومة الفرنسية للإسلام والمسلمين يستدعي إدانة عالمية، ولكن للأسف قلة قليلة من الدول ذات الأغلبية المسلمة يمكنها فعل ذلك بعبارات حازمة وصريحة.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا