مع هدوء الوضع في ليبيا، واستلام حكومة الوحدة الوطنية، والمجلس الرئاسي المنتخبان لمهامهم، يتساءل كثيرون ممن يهمهم الشأن الليبي حول مجرم الحرب المسيطر على الشرق الليبي، خليفة حفتر. تقبل حفتر نتائج الانتخابات الماضية التي أسفرت عن القيادة الليبية الجديدة، وتعجب البعض من ذلك، حيث إن من المشهور عن حفتر وداعميه الانقلاب على أي سلطة منتخبة ديمقراطيًا. 

وبالطبع، فإن التعجب متَفهم في هذه الحالة، لكن قد يزول إذا أخذنا في الاعتبار حجم الضغط الدولي الذي مورس على الساحة الليبية لوقف الحرب، سواء كان هذا الضغط من الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي، وقبل ذلك الدعم التركي اللوجستي والعسكري لحكومة الوفاق الوطني، والذي مكنها من دحر الانقلابي حفتر وميليشياته من تخوم طرابلس وكامل الغرب الليبي.

الآن، بدأت الإدارة الليبية الجديدة – من جهة – عمل رحلات مكوكية حول العالم، تقابل فيها كل الأطراف المتداخلة على الساحة الليبية، كتركيا، وروسيا، والإمارات، ومصر، واليونان. وعين الإدارة الجديدة في كل هذه الرحلات منصبة على الوصول للانتخابات العامة أواخر العام الجاري (24 ديسمبر) بسلاسة ودون كثير عراقيل. 

حفتر يبدأ حملته الرئاسية..

من جهة أخرى، بدأ حفتر ما يبدو أنها حملته للاستعداد للانتخابات الرئاسية القادمة. فقبل أيام، وقّع حفتر على مخطط لبناء 3 مدن حول مدينة بنغازي، الواقعة في الشرق التي تسيطر عليه مليشياته، وكان حفتر في لباسه المدني حين التوقيع. علاوة على ذلك، استقبل حفتر وفدًا من مدينة الزنتان، التي تضم أكثر حلفائه ولاءً بالمنطقة الغربية الليبية، التي سيطرت عليها حكومة الوفاق سلميًا في يونيو/حزيران 2020.

وفي  أبريل/نيسان الجاري، جمع حفتر أُسَر قتلاه في قاعة بمدينة بنغازي، وخلال حديثه معهم وعدهم بسكن وعمل، والتكفل بمصاريف تدريس أبنائهم. الأمر الذي جعل الأسر التي جمعها تهتف له قائلة:  “الشعب يريد.. حفتر الرئيس”.

وبعيدًا عن الدلالة الواضحة لهذا الهتاف، فإن مجرد تجميع أسر القتلى في ميليشيات حفتر يدل على رغبته في تكوين جماهيرية تمكنه من لعب دور سياسي قادم على الساحة الليبية. فلطالما تظاهر عائلات القتلى والجرحى في الشرق الليبي للاحتجاج على إهمالهم والمطالبة بالتكفل بمصاريف علاجهم. 

أما وقد جمعهم حفتر أخيرًا، فإنه قد استشعر خطر هذه الفئة، خصوصًا بعد التوتر الذي أعقب اغتيال محمود الورفلي، القيادي بلواء الصاعقة، وأحد أشهر المجرمين في قوات حفتر. حيث خرج أفراد في الشرق الليبي في وقفة احتجاجية، للمطالبة بالتحقيق في قضية اغتيال الورفلي، وهددوا بإشعال حرب في بنغازي، خصوصًا وأن حفتر وأبنائه ضمن دائرة الاتهام الأولى.

لكن السؤال المهم هنا، هو أنى لحفتر بمثل هذه الأموال التي وعد بها أسر القتلى؟ أنى لحفتر بـ20 ألف سكن، بمعدل سكن لكل أسرة قتيل؟ وأي قوة استند عليها حفتر ليعد ببناء 3 مدن غرب وشرق وجنوب بنغازي، تتسع لـ12 مليون نسمة؟ والإجابة بكل تأكيد هي المال الإماراتي والسعودي الذي مكنه من الصمود حتى الآن.

تمهيد قانوني..

وكون حفتر عسكريًا، بالإضافة إلى كونه حاملًا للجنسية الأمريكية يمنعانه من الترشح للرئاسة. لكن أتباعه قد حاولوا تفصيل الأمر على مقاسه قانونيًا ليحق له الترشح للرئاسة. ففيما يخص كونه سياسيًا، ألغى مجلس نواب طبرق الشرط الذي وضعته مسودة الدستور الليبي، التي تم إنجازها في 2017. والتي تنص (المادة 111) فيه على أن العسكريين الراغبين في الترشح للرئاسة يجب أن يمر سنتان بحد أدنى على انتهاء خدمتهم العسكرية، قبل تاريخ الترشح. فقد ألغى مجلس نواب طبرق هذا البند من مسودة الدستور، هذا بعد أن عطلوا عرضها على الاستفتاء الشعبي.

وفيما يخص كونه حاملًا للجنسية الأمريكية، فقد تم تعديل شرط الجنسية الأجنبية، وتقليص مدة التنازل عنها من 5 سنوات قبل تاريخ فتح باب الترشح في مسودة 2016، إلى سنة واحدة فقط في المادة 99 من مسودة دستور 2017. 

لكن رغم تعديل هذا الشرط، فقد لا يستطيع أن يلتحق حفتر بالانتخابات كونه ما زال حاملًا للجنسية الأمريكية، حسبما أفادت إجراءات محاكمته في محكمة فرجينيا الأمريكية. حيث إنه من المقرر أن تعقَد الانتخابات الرئاسية الليبية بعد نحو 8 أشهر فقط. وعلى أي حال، فإن تعديل المادتين السابقتين بحيث يناسبان وضع حفتر هو دليل واضح على نيته الترشح للرئاسة.

صعوبات وتحديات..

كل ما سبق ذكره يدل دلالة واضحة على أن مجرم الحرب، خليفة حفتر، يطمح للوصول إلى كرسي الرئاسة في ليبيا. فالمؤتمرات والوعود التي قدمها، والتعديلات القانونية التي فصلها أتباعه في مجلس نواب طبرق على مقاسه تدل على أن طموح حفتر في لعب دور في ليبيا لم يخفت بعد.

ورغم ذلك، فإن مهمة حفتر – إن أعلن رسميًا عن ترشحه للرئاسة- ستكون صعبة من أكثر من ناحية. أولها هو الداخل الليبي، حيث إنه ليس بمقدور حفتر أن يذهب إلى الغرب الليبي للترويج لنفسه في الانتخابات بعد كل الجرائم التي ارتكبها بالشعب الليبي ككل، وخصوصًا في الغرب؛ حيث ما زالت السلطات الليبية الشرعية تكتشف مقابر جماعية حفرها حفتر لجنود الجيش الليبي أثناء المعارك التي تصدت فيها الحكومة الشرعية لانقلابه على الدستور والقانون. 

الأمر الثاني الذي قد يعيق ترشح مجرم الحرب حفتر للرئاسة هو الإرادة الدولية التي ترغب في تثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا، واستدامة الاستقرار. حيث إن حفتر قد يُدان بشكل رسمي في أي وقت بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين، الأمر الذي سيدخل ليبيا مرة ثانية في حالة عدم الاستقرار إذا فاز بالرئاسة.

والأمر الثالث والأهم، هو أن الشعب الليبي لن يقبل بأي حال أن يكون من عذبه وعطل التنمية فيه وأدخل البلد في آتون حرب لتحقيق أحلامه الشخصية، على رأس السلطة التنفيذية في البلاد.

اقرأ المزيد: فوز قائمة الثورة وخسارة داعم حفتر.. هل انتهت الحكاية؟