العدسة: محمد العربي
لم تكن حملة الأزهر الشريف التي أطلقها السبت 8 سبتمبر الجاري تحت عنوان “وعاشروهن بالمعروف” إلا جرس إنذار على أهم قضية يعيشها المجتمع المصري خلال السنوات الماضية ، وهي ارتفاع نسب الطلاق بشكل غير طبيعي مما رفع مصر لتحتل طوال السنوات الثلاث الماضية المركز الأول عالميا بين الدول الأعلى في نسبة الطلاق.
وطبقا لحملة الأزهر الشريف فإنها تسعى لتوضيح الأسس السليمة لبناء أسرة سعيدة ومتماسكة، وتسلط الضوء على أهم أسباب الطلاق وطرق علاجها بهدف الحد من ارتفاع معدلات الطلاق.
وذكرت الحملة أنه تم إطلاقها بناء على توجيهات شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب للبحث عن حلول ناجحة وواقعية للمشكلات المجتمعية، خاصة القضايا الملحة كما هو الحال بالنسبة لقضية ارتفاع معدلات الطلاق، خاصة بين حديثي الزواج.
طلاق متصاعد
وتشير تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر لارتفاع نسب الطلاق خلال الفترة من 2015 وحتي 2018 بنسبة عالية، مقابل انخفاض عقود الزواج، وكان ما أبرز ما جاء في تقرير الجهاز الحكومي أن معظم حالات الطلاق خلال عام 2017 كان عن طريق دعاوي الخلع، ما يعني أن المرأة لعبت عاملا كبيرا في ارتفاع نسب الطلاق، مقابل فشل الرجل في الدفاع عن استقرار اسرته.
وطبقا لتقرير الجهاز عن عام 2017 فإن أحكام الخلع التي أصدرتها المحاكم بلغت في هذا العام 9364 حكما مقابل 6305 عام 2016 بزيادة قدرها 48.5٪ من جملة أحكام الخلع.
وفي نفس الإطار كشف تقرير أصدره مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري أن تصنيف مصر يأتي في المرتبة الاولي عالمياً فى الطلاق بعد أن تزايدت نسبته من 7% إلى 40% في الخمسين عاماً الأخيرة، حيث وصل عدد حالات الطلاق لنحو 3 ملايين حالة خلال هذه السنوات.
وأكد المركز أن وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها “فيس بوك” و”تويتر”، جاءت كأحد أهم الأسباب وراء ارتفاع الطلاق بمصر، بينما أشارت تقارير رسمية أخري صادرة عن محاكم الأسرة والاجهزة المعنية بشئون الاسرة أن مصر تشهد حالة طلاق كل 4 دقائق، وتصل مجمل حالات الطلاق على مستوى اليوم الواحد 250 حالة، وبعضها يتم بعد عقد الزواج بعدة ساعات.
وقد تداولت المحاكم المصرية نحو 14 مليون قضية طلاق عام 2015، يمثل أطرافها 28 مليون شخص، أي نحو ربع تعداد المجتمع المصري، بينما وصلت قضايا “الخلع” وحدها عام 2015 لربع مليون حالة؛ بزيادة 89 ألف حالة عن عام 2014.
وكشفت الأمم المتحدة في عدد من إحصاءاتها السنوية أن نسب الطلاق ارتفعت في مصر من 7% إلى 40% خلال نصف القرن الماضي، ليصل إجمالي المطلقات في مصر إلى 4 ملايين مطلقة.
وتشير تقارير أخري أن نسبة الطلاق زادت ما بين عامى 1990 و2013 الى 145%، ورصدت البيانات تزايد معدلات الطلاق، حيث بلغت 87 الف حالة عام 2007، فيما بلغت 141 ألف و500 حالة عام 2009، وارتفعت إلى 149 الف و376 حالة عام 2010.
اسباب سياسية
وتشير العديد من الدراسات الأسرية أن نسب الطلاق زادت بشكل كبير بعد أحدث ثورة 25 يناير 2011، نتيجة الخلافات السياسية بين أنصار الثورة وفلول مبارك، وهو ما قفز بأعداد الطلاق إلي 220 ألف حالة عام 2011. و155 ألف حالة عام 2012، وهي الأرقام التي قفزت بشكل أكثر خطورة بعد انقلاب 3 يوليو 2013، حيث سجل عام 2017، أكثر من 700 ألف حالة طلاق طبقا للعديد من المختصين، بينما أكد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن الرقم يمثل مجمل حالات الطلاق خلال السنوات الأخيرة، بينما عام 2017 شهد 190 ألف حالة طلاق.
وتحتل محافظة القاهرة المركز الأول في نسب الطلاق بعدد 36.861 ألف حالة، تليها محافظة الجيزة بـ 23.696 الف حالة، ثم الاسكندرية بـ 17.257 الف حالة، بينما احتلت محافظتى جنوب سيناء والوادى الجديد ذيل القائمة من حيث عدد الحالات.
ويشير علماء الاجتماع والتحليل السياسي أن الحالة التي شهدتها مصر بعد ثورة يناير 2011، كانت أقل في تأثيراتها على الاستقرار الأسري من الحالة التي شهدتها مصر بعد إنقلاب 3 يوليو 2013، مؤكدين أن الصدمات التي جرت بعد فض اعتصام رابعة وحالة الانقسام الشعبي التي عمقها الإعلام والحكم العسكري، كان سببا مؤثرا في زيادة نسب الطلاق خلال السنوات الخمس الماضية.
ويشير العلماء أن الضغوط الاقتصادية التي خلفتها السياسات التي اتبعها رئيس الإنقلاب عبد الفتاح السيسي، نتيجة تدخلات صندوق النقد الدولي’ وانفلات سعر الدولار أمام الجنيه، أدت لأزمات طاحنة في البيوت المصرية، ما كان من تأثيراتها تفضيل الانفصال وخاصة بين المتزوجين حديثا.
ويوضح المختصون أن زيادة عمليات القتل الأسري الجماعي سواء علي يد الأب أو الأم نتيجة الضغوط الاقتصادية تشير إلي أن تطور العنف لدي المجتمع المصري يمثل ظاهرة وليست مشكلة كما يردد النظام، ومع استمرار عمليات القمع السياسي وتردي الأوضاع الاقتصادية فإن التفكك الأسري مرشح لانفجار كبير داخل المجتمع المصري الذي تصنفه التقارير الدولية ضمن الشعوب الأكثر بئوسا.
تنظيم الـ “سترونج انديبندت ومان”
وطبقا لدراسات أجراها علماء اجتماع مصريين فإن انتشار ظاهرة الـ “سترونج انديبندت ومان” التي أصبحت أشبه بالموضة بين عدد كبير من الفتيات والنساء من أجل إثبات الاستقلال والقوة والقدرة على منافسة مجتمع الذكور، تمثل سببا مؤثرا في ارتفاع عمليات الطلاق، التي لم تعد تفرق بين مجتمع أصولي متدين وآخر ليبرالي منفتح، وهو ما يمثل نجاحا لبرامج منظمات الدفاع عن المرأة التي انتشرت خلال العشرين عاما الماضية، وظهرت بقوة خلال السنوات السبع المنصرمة.
وتشير الدراسات أن فقدان النموذج والقدوة داخل المجتمع المصري، وتزايد الضغوط الاقتصادية والسياسية، والفوضي الإعلامية والدرامية، أدت لظهور ظاهرة المرأة القوية والقادرة والمستقلة، وخاصة بين النساء العاملات اللاتي يشاركن في تيسير أمور حياتهن المادية مع أزواجهن، واللاتي يتعاملن بـ “تنمر” واضح مع الأزواج لإثبات أنهن قادرات وأن عصر سي السيد بات في الماضي.
وطبقا لمختصين نفسيين فإن منظمات الدفاع عن حقوق المرأة، تمثل سببا رئيسيا في تزايد نسب الطلاق، وخراب البيوت ولعل هذا ما دعا الأزهر الشريف لاطلاق حملتين في أقل من أربع أشهر الأولي بعنوان “لم الشمل” والثانية “وعاشروهن بالمعروف”، دون مشاركة أيا من المنظمات النسوية فيها، وهو ما يشير إلي أن الدور المجتمعي الرسمي للدولة للحد من انتشار الطلاق، غائبا وليس موجودا.
ويري هذا الفريق أن دعوة رئيس الإنقلاب قبل أشهر بعدم مشروعية الطلاق الشفهي ودعوته للأزهر ببحث الأمر، يمثل علاجا ظاهريا هشا للظاهرة، خاصة وأنه تعامل مع الموضوع في شكله الشرعي الذي يمثل ختاما لشكل العلاقة، ولم يعالج الظاهرة من داخلها، سواء ما هو متعلق بالأمور الاقتصادية أو الانغلاق السياسي الذي أدي لتصدع المجتمع المصري.
التكنولوجيا الحديثة
وتؤكد دراسات للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أن مواقع التواصل الأجتماعي والأعمال الدرامية والسينمائية، تعد أسباب بارزة في تفشي ظاهرة الطلاق، حيث أثرت هذه الوسائل في تكوين الأسرة وشكل علاقات أفرادها، كما أن توسع المشاركات الاجتماعية والأسرية على مواقع التواصل الإجتماعي أدي لنتائج عكسية على استقرار الأسرة والمجتمع الذي يشهد علاقة عكسية بين زيادة نسبة العنوسة والتى وصلت إلى 14 مليون عانس وعانسة ممن تخطوا سن 35 عاماً، وبين ارتفاع نسبة الطلاق من ناحية أخرى.
ويشير علماء الاجتماع أن تفشي ظاهرة الطلاق تشير لانهيار الطبقة الوسطي في المجتمع المصري، وهي الطبقة التي كانت تمثل عامل أمان واستقرار، لمحافظته على الأسس التربوية التي تقوم على القيم الدينية، وهي الطبقة التي كان يمثل الطلاق فيها حالات استثنائية وليس ظاهرة كما هو الحال خلال السنوات الماضية.
اضف تعليقا