العدسة – جلال إدريس

جدل واسع في مصر، بعدما تقدم عدد من أعضاء مجلس النواب البريطاني بخطاب للسفارة المصرية بـ”لندن” طالبوا فيه بالسماح لهم بزيارة الرئيس “محمد مرسي – أول رئيس مدني منتخب”، والتحقيق في ظروف سجنه، خصوصا بعد تلقيهم طلبا من أسرة الرئيس مرسي بتعرضه لإهمال طبي شديد أدى لتدهور حالته الصحية.

الطلب البريطاني قابلته مصر بحالة من السخط والغضب، إذ أعربت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب المصري، الأربعاء 7 مارس 2018،  عن استيائها، من الطلب البريطاني، معتبرة أنه يمثل تدخلا سافرا وغير مقبول في الشأن المصري.

لكن مراقبين ونشطاء سياسيين، أكدوا في المقابل أن أسرة “مرسي” لم تكن لتلجأ لمثل هذا الطلب من مجلس العموم البريطاني، إلا بعدما أغلقت في وجوههم كافة الطرق للاطمئنان على صحة “مرسي” المعتقل منذ 5 سنوات في ظروف بالغة الصعوبة دون أن يحرك البرلمان المصري ولا مجلس حقوق الإنسان ساكنا.

ماذا يحدث مع مرسي؟

بحسب نص رسالة “العموم البريطاني” للسفارة المصرية، فإن فريق الزيارة يسعى للتحقيق في مراجعة الادعاءات بأن مرسي لم يتلق الرعاية الكافية، وأنه حرم من العلاج على الرغم من إصابته بأمراض عدة، وأنه احتجز في زنزانة انفرادية لا يوجد فيها حتى سرير، وقد حرم من الزيارات بمحبسه على مدار أكثر من 3 سنوات.

ونشر الموقع، مقتطفات من نص الرسالة، جاء فيها: “لقد قيل لنا إن ظروف اعتقال الدكتور مرسي ومكان إقامته يمكن أن يكون لهما تأثير كبير على صحته، ويذكر أن سلطات داخل السجن قد وسعت حظرًا لمنع الدكتور مرسي من تلقي الأدوية والعلاج الطبي أو الطعام من خارج السجن”.

وأضافت الرسالة: “هناك مخاوف موثوقة من أن الظروف التي يحتجز فيها الدكتور مرسي قد تكون أقل بكثير من المعايير الدولية وفي مصر نفسها، ونقدم هذا الطلب إلى السلطات المصرية لرؤية وتقييم الظروف التي يحتجز فيها الدكتور مرسي”.

وللتأكد من الادعاءات الخاصة بظروف احتجاز الرئيس مرسي، فقد اجتمعت اللجنة من قبل مع عبدالله مرسي، نجل الرئيس السابق البالغ من العمر 20 عاما، من خلال مكتب محاماة “أي تي أن”، ومقره لندن قبل الانتخابات الرئاسية المصرية التي ستعقد خلال الفترة من 26 إلى 28 مارس.

وقال عبدالله: “هذا الشهر سيطلب من المصريين التصويت لانتخاب رئيسهم المقبل، والدي – أول رئيس منتخب ديمقراطيًّا في مصر – لا يزال مسجونًا في ظروف مروعة، وفي خرق للقوانين الدولية”.

منع من الزيارة لأكثر من 4 سنوات

وبحسب عبدالله مرسي، فإنه ومنذ أكثر من أربع سنوات، لم يسمح لعائلة الرئيس مرسي بزيارته  سوى مرتين فقط، وقد احتجز في عزلة تامة.

وأوضح قائلا: “أنا وعائلتي نشعر بقلق عميق إزاء الظروف التي يحتجز فيها، فضًلا عن خوفنا الشديد على صحته”.

وبحسب تقارير حقوقية، فإنه وخلال فترة احتجاز الرئيس مرسي في سجن طره، لم يكن لـ”مرسي” اتصال سوى مع حراس السجن، مع السماح بزيارتين فقط من الأسرة والمحامين خلال السنوات الثلاث الماضية، وكان الاجتماعان بحضور ضباط السجون.

إهمال طبي وحبس انفرادي

نجل الرئيس مرسي أكد كذلك تعرض والده لإهمال طبي شديد داخل محبسه، حيث صرح قائلا: “نعتقد أنه لم يتلق أي علاج كاف لمرض السكري أو ضغط الدم، ولأنه لم يتلق أي علاج مناسب لمرض السكري، فقد الآن الرؤية بمعظم عينه اليسرى، وسيحتاج إلى جراحة عاجلة، لكن طلبه للحصول على علاج طبي عاجل خلال جلسة المحاكمة رفض، وهذا هو السبب في أننا طلبنا من هذه اللجنة المستقلة – ذات الخبرة القانونية والطبية والسياسة الخارجية – تقييم الوضع”.

وكانت تقارير عدة قد أكدت أن مرسي يعاني من ضغط الدم ويفقد الرؤية في عينه اليسرى، بسبب نقص الأنسولين، وإصابات الرقبة والعمود الفقري، نتيجة للنوم على الأرض الأسمنتية في الزنزانة، بالإضافة إلى تدهور وظائف الكبد بسبب سوء التغذية.

وعلى الرغم من هذه المخاوف، أصدر طبيب السجن شهادة صحية جيدة لمرسي، بعد فحص قالت أسرته إنه غير كاف.

كما يتعرض مرسي لحبس انفرادي دائم وعزلة تامة عن كل شيء، الأمر الذي يزيد المخاوف على صحته وتعرضه للمخاطر في أي وقت دون أن يشعر أحد.

حرمان من العلاج

أسرة مرسي أكدت أيضا أن “الرئيس مرسي” يحرم من العلاج خلال فترة سجنه، دون أي مبررات من إدارة السجن لتلك الإجراءات القاسية.

وأعربت أسرة مرسي عن مخاوفها من أن يكون حرمانه من العلاج “أمرًا ممنهجًا”، إذ تقول إنه لا يحصل على أية رعاية طبية، بصرف النظر عن ضغط الدم وفحص السكري.

وقال تقرير صادر عن “هيومن رايتس ووتش” في يوليو 2017، إن ظروف سجنه كانت غير قانونية ووصفت الأمر بأنه “انتقام قاس” ضد الرئيس وأسرته.

تشكيل اللجنة البريطانية

وتتشكل اللجنة البريطانية التي يفترض لها أن تزور مصر – إن سمح لها بذلك – من كل من عضو البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين كريسبين بلانت، رئيسًا، وعضو مجلس اللوردات عن حزب المحافظين، ووزير الدولة السابق لشؤون العدل، اللورد إدوارد فولكس (المحامي)، وعضو البرلمان البريطاني عن حزب العمال، والطبيب الشرعي بالمؤسسة الطبية لرعاية ضحايا التعذيب، بول وليام، عضوين، والمستشار القانوني فيم مولوني (المحامي).

وستتولى اللجنة التحقيق فيما إذا كانت ظروف احتجاز مرسي منذ اعتقاله في عام 2013 غير متوافقة مع القانون المصري أو الدولي.

وبحسب اللجنة فإنها خاطبت السفارة المصرية في لندن لطلب المساعدة في تنظيم زيارة إلى مصر، لزيارة مرسي في السجن، ومنحتهم 10 أيام للرد على طلبهم، ما يبرز المخاوف بشأن حالته الصحية.

مأزق حكومة السيسي

وفقا لمحمد الدماطي، رئيس لجنة فريق الدفاع مرسي، فإن الحكومة المصرية لن تستطيع رد طلب اللجنة البريطانية، لأنها موكلة من مجلس العموم البريطاني، ومن أقوى حزبين هناك وهما المحافظين والعموم، وبالتالي، هناك إجماع على تعرض مرسي للتنكيل، ومن ثم “فإن أي رفض للزيارة يمثل تأكيدًا لوجهة النظر السلبية”.

واعتبر “الدماطي” في تصريحات صحافية أن ما حدث هو بمثابة تطورات كبيرة إذ يعد الطلب البريطاني هو الأول من نوعه،  موضحا أنه ولأول مرة تتشكل لجنة دولية بهذه القوة، وننتظر تطورات كبرى بهذا الخصوص خلال الفترة المقبلة».

وتوقع أن يؤدي هذا «الطلب سيؤدي إلى رد العديد من الحقوق المسلوبة من الرئيس الأسبق، والمتعلقة بمكان احتجازه ومنع زيارته من قبل أسرته وفريق المحامين الموكل بالدفاع عنه».

في المقابل أعرب مجلس النواب في مصر عن استيائه، من طلب “العموم البريطاني واعتبره تدخلا سافرا وغير مقبول في الشأن المصري، ولا يبرره الادعاء بالدفاع عن حقوق الإنسان التي تنتهك في مختلف ربوع العالم، بما في ذلك المملكة المتحدة، دون أن يحرك النواب البريطانيون ساكنًا» وفقا لقوله.

وأبدى مجلس نواب السيسي قلقه من «علاقة بعض الشخصيات العامة البريطانية المرموقة، ومنها شخصيات برلمانية، بجماعة الإخوان المسلمين، وحرصها على دعمها ومد يد العون لها؛ الأمر الذي ستكون له آثاره السلبية، ليس فقط على العلاقات المصرية البريطانية بما فيها البرلمانية، ولكن أيضا على تفشي الإرهاب العالمي» بحسب البرلمان.

حياة المرشد في خطر

الحديث عن التضييقات التي يتعرض لها “مرسي” داخل محبسه، تزامن مع تضييقات مشابهة يتعرض لها المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، داخل محسبه أيضا، وذلك وفقا للمعلومات التي ذكرتها “ضحى محمد بديع” ابنة المرشد حول تدهور صحة والدها في محسبه.

وحمّلت جماعة «الإخوان المسلمين» في بيان لها الأسبوع الجاري، ما سمتها بـ«سلطة الانقلاب»، «المسؤولية كاملة عن حياة مرشد الجماعة، محمد بديع، وجميع المعتقلين، خاصة المرضى وكبار السن الذين يتعرضون لحملات قتل ممنهج».

وقالت الجماعة في بيان: إن «شيخًا كبيرًا جاوز الخامسة والسبعين من عمره يمثل قامة علمية عالمية، تم اختياره من بين أبرز مائة عالم على مستوى العالم العربي، ويقود أكبر جماعة دعوية تمتد في أنحاء العالم، لا يصدق عاقل أن يتم اعتقاله؛ ناهيك عن حرمانه من أبسط مقومات الحياة، بل وابتكار كافة الطرق لتعذيبه، فيتم تجريد زنزانته الانفرادية لينام عامًا كاملاً على الأرض، والآن ـ وبلا رحمة ـ ينزعون منه الغطاء والكرسي الوحيد الذي يجلس عليه، وهو المصاب بتآكل الغضروف، وكسر في القدم، ولا يقوى على الجلوس على الأرض».

وأوضحت أن الأساليب الإجرامية نفسها مورست مع المرشد العام السابق محمد مهدي عاكف، الذي توفي خلال فترة محبسه.

ووصفت الجماعة ما يجري بحق المرشد العام، ومن قبل مع عصام الحداد، ونجله المهندس جهاد الحداد، وجميع الأُسرى في سجون الانقلاب، بـ«الإجرام»، مناشدة جميع المنظمات الحقوقية ومنظمات حقوق الإنسان وكل ذوي الضمير الحي في العالم للتحرك الفوري، ووقف هذا القتل الممنهج بحق هؤلاء الأبرياء الشرفاء.

وبشكل عام فإن السجناء السياسيين في مصر يتعرضون لمضايقات وانتهاكات واسعة، أودت في نهاية المطاف إلى وفاة مئات المعتقلين داخل السجون إما بالتعذيب أو الإهمال الطبي.