العدسة – جلال إدريس

تحت زخات الرصاص وغارات الطائرات، ينظر الشعب اليمني المكلوم إلى المبعوث الأممي الجديد الذي بدأت مهامه مع بداية مارس الجاري، بنظرة يملأوها الأمل بوقف الحرب، والقلق من مصير مجهول، بات يحدق في البلاد التي تعاني ويلات الحرب منذ أكثر من ثلاثة أعوام.

اليمن التي يتقاتل فيها الحوثيون المدعومون من إيران، مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات، أصبحت شبه مهلهلة، فالحرب الضروس قضت على كل شيء في البلاد، مؤسسات ووزارات وهيئات وزراعة وصناعة وصحة وكل شيء.

ومع انتهاء فترة المبعوث الأممي السابق  في اليمن (الموريتاني  إسماعيل ولد الشيخ أحمد” وتسلم المبعوث الأممي الجديد البريطاني “مارتن جريفيث” مهامه، توجهت الأنظار صوب اليمن، وتزايدت التساؤلات، هل سينجح (جريفيث) فيما فشل فيه من سبقوه؟

ويأتي تعيين “جريفيث” بعد أربعة أعوام من الحرب الأهلية في اليمن، حيث يعد المبعوث الأممي الثالث على التوالي إلى البلاد، بعد فشل المبعوثين السابقين في الوصول إلى حل سلمي للأزمة اليمنية التي اندلعت مطلع العام 2015، عقب انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية، بدعم من الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، والسيطرة على المحافظات اليمنية.

أخطاء ولد الشيخ الكبيرة

وخلال مؤتمر صحفي عقد الأربعاء 28 مارس 2018، اعترف المبعوث الأممي المنتهية مدته إلى اليمن، “إسماعيل ولد الشيخ أحمد”، بارتكاب أخطاء كبيرة (لم يوضحها) في إدارة ملف الأزمة اليمنية، ملقيا بالمسؤولية على طرفي الصراع في البلاد، وذلك قبل انتهاء مهمته بيوم واحد.

وأدلى “ولد الشيخ” بتصريحاته عقب انتهاء جلسة مشاورات مغلقة لمجلس الأمن الدولي، استمع خلالها ممثلو الدول الأعضاء لآخر إفادة يقدمها المبعوث الأممي قبل تسليم ملف الأزمة اليمنية لخلفه “مارتن جريفيث”.

وقال “ولد الشيخ”، الذي انتهت مهامه بنهاية فبراير 2018: “خلال السنوات الثلاث التي قضيتها كمبعوث أممي كان هناك أصوات (لم يسمها) بين طرفي الصراع (التحالف العربي بقيادة السعودية وجماعة الحوثي) تعتقد بأن الحل العسكري ما زال ممكنًا”.

وحمل مسؤولية ما يجري لأطراف الأزمة، وأكد أنه لا يقول ذلك تهربًا من مسؤوليته، لكن “لا يمكن لأي مبعوث أن يحل الأزمة دون رغبة الأطراف المعنية”، غير أنه لم يوضح أية أمثلة للأخطاء الكبيرة التي ارتكبها خلال فترة مهمته التي امتدت لثلاث سنوات.

وقال إن ما ينقص تنفيذ خطة السلام التي تم الاتفاق عليها هو “التزام الأطراف بتقديم التنازلات وتغلّيب المصلحة الوطنية”، دون تفاصيل عن الخطة.

من هو المبعوث الجديد؟

يعتبر البريطاني “جريفيث” (مواليد 1951) واحداً من أهم الدبلوماسيين الأوروبيين -وفقاً للأمم المتحدة- وهو المدير التنفيذي للمعهد الأوروبي للسلام في بروكسل، ولديه خبرة واسعة في حل النزاعات والتفاوض والشؤون الإنسانية.

وكان “جريفيث” المدير المؤسس لمركز الحوار الإنساني في جنيف، والذي يتخصص في الحوار السياسي، استمر في ذلك المنصب من عام 1999 إلى عام 2010، كما عمل في السلك الدبلوماسي البريطاني ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) والمنظمة الخيرية (أنقذوا الأطفال)، عُين مديرًا للشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في جنيف في عام 1994، وأصبح منسق الإغاثة الطارئة لها في نيويورك عام 1998، وقام بدور دبلوماسي كبير في عملية نقل الوساطة في الأزمة السورية من الأخضر الإبراهيمي إلى ستيفان دي ميستورا، عندما كان رئيساً لمكتب الأمم المتحدة في دمشق، وهو أحد أهم الخبراء الدوليين في الشؤون العربية بشكل عام، ونال شهرة واسعة لخبرته بالشؤون العربية.

ويرى “جريفيث” أن الحرب في اليمن تختلف عنها في سوريا، لأن الحل وارد في سوريا، بعكس اليمن التي تتضاءل فيها الحلول، وتتفاقم الأزمة الإنسانية أكثر فأكثر، فهي أسوء من العراق وجنوب السودان.

آمال اليمنيين

ومع تغيير المبعوث الأممي يضع الشعب اليمني آماله في المبعوث الجديد لحل الأزمة اليمنية التي تبدو الأكثر تعقيدا على الإطلاق، بحسب دبلوماسيين غربيين، والذين أكدوا أنه لاتوجد أي مؤشرات لحل الأزمة اليمنية قبل عام 2022، بعد تفاقم الصراع المسلح بين جماعة الحوثي المدعومة ايرانيًّا وقوات الحكومة الشرعية، مسنودة بقوات التحالف العربي المشترك الذي تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرها من الدول العظمى لاستعادة السيطرة على الأراضي اليمنية، في وقت اعتبر الكثير من المحللين السياسيين الحرب في اليمن حربًا بالوكالة بين إيران والسعودية.

وبحسب الأمم المتحدة، فإن 60% من سكان اليمن (17 مليونًا) أصبحوا في حاجة إلى الغذاء، وسبعة ملايين منهم يواجهون خطر المجاعة، فضلا عن قتل وإصابة الآلاف  نتيجة الحرب، وإصابة نحو مليون طفل بالكوليرا.

ويقول الناشط السياسي مبارك الراعي أنه يأمل أن يجد المبعوث الأممي الجديد مارتن جريفيث، حلا سياسيا للأزمة اليمنية، للحد من موجات القتل والموت التي أحاطت باليمنيين على مر الأيام السابقة، وأضاف مبارك ل”العرب اليوم” أن سبب فشل “ولد الشيخ” في حل الأزمة اليمنية هو تمسك أطراف الصراع بشروطهم المطروحة، وعدم تقديم أي تنازلات من أجل الوصول إلى حل سياسي.

وأعلن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، المبعوث الأممي إلى اليمن، أن خليفته “سيجد خريطة طريق مبلورة وواضحة، وهي مبنية على أسس محددة”، وأضاف “ولد الشيخ” أن المبعوث المقبل “سيقوم بالتحضير لجولة جديدة من المحادثات تبدأ بلقاءات ومشاورات جديدة بين (الحوثيين) و”حزب المؤتمر الشعبي العام” الذي كان يتزعمه الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وتستضيفها سلطنة عمان، مع التأكيد على الحل السلمي والسياسي بين الأطراف، وضرورة تقديم تنازلات من الطرفين للوصول إلى تسوية سلمية، موجهًا دعوته للشعب اليمني وكافة الأطراف للحل السلمي والرجوع لطاولة المباحثات” الجارية هناك.

تعنت إيران والحوثيين

وبالرغم من تعنت “الإيرانيين والحوثيين” في المشهد اليمني، إلا أن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، صرح أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد لحل أزمتي اليمن وسوريا.

جاء ذلك في مؤتمر صحفي مشترك، مع نظيرته الكرواتية ماريا بيجينوفيتش بوريتش، عقب لقائهما في العاصمة زغرب.

وأضاف “ظريف”: “ينبغي إيقاف الهجمات في اليمن وسوريا، والأزمتان في هذين البلدين نعتقد أن الطريق الوحيد لحلهما، هو الحل السياسي”.

وفي الوقت الذي يدعي فيه “ظريف” أن الحل في اليمن يجب أن يكون سياسيا، عزَت الحكومة اليمنية السبب الوحيد لفشل “ولد الشيخ” في إحلال السلام إلى تعنت الحوثيين.

وأفاد الناطق باسم الحكومة الشرعية “راجح بادي” في تصريحات صحفية، أن “الشرعية اليمنية قدمت كل التسهيلات والتنازلات لإنجاح مهمة إسماعيل ولد الشيخ” وأوضح أن “تعنت الحوثيين منع “ولد الشيخ” من إحراز أي تقدم في حل الأزمة اليمنية”.

وكانت جماعة الحوثيين قد تراجعت عن  إجراء أية مفاوضات مع الأمم المتحدة، حتى انتهاء فترة المبعوث الأممي الحالي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، رغم موافقتها السابقة على ذلك، بهدف إحياء مشاورات السلام اليمنية.

جرائم التحالف

وفقا لتقرير لجنة الخبراء التابع للأمم المتحدة، الخميس الماضي، فإنه وبعد قرابة ثلاث سنوات من النزاع، يكاد يكون اليمن قد ولى عن الوجود، وأفاد التقرير أنه “بدلاً من دولة واحدة، هناك دويلات متحاربة”، وأكد التقرير أن الحوثيين أحكموا قبضتهم على صنعاء وشمال اليمن، بعد مواجهات استمرت عدة أيام أعدموا في نهايتها حليفهم صالح.

واتهم التقرير جميع الأطراف في اليمن، طوال ٢٠١٧ بانتهاكات على نطاق واسع للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان”، وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (أوشا)، فإن حوالي 22.2 مليون يمني (76% من السكان) بحاجة لمساعدة، في حين يواجه 8.4 مليونًا خطر المجاعة، وتوفي أكثر من 2200 شخص بسبب وباء الكوليرا الذي يضرب اليمن منذ أبريل/نيسان 2017، بحسب منظمة الصحة العالمية.

ويواجَه التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية بارتكاب انتهاكات حقوقية جسيمة على يد ميليشا تابعة للإمارات والسعودية، فضلا عن قتل مدنيين، وهدم مؤسسات حكومية، وإنشاء سجون سرية في اليمن.

وفي جنوب اليمن، تعاني حكومة الرئيس “هادي” من ضعف جراء انشقاق عدد من المحافظين وانضمامهم إلى المجلس الانتقالي الذي شكل مؤخرًا ويدعو إلى إنشاء “جنوب يمني مستقل” بتدبير من الإمارات.

وأشار التقرير “الأممي” إلى أن الحكومة تواجه تحديًا، وهو وجود قوات تعمل بالوكالة، تسلحها وتمولها الدول الأعضاء بالتحالف الذي تقوده السعودية، وتسعى إلى تحقيق أهداف خاصة بها في الميدان، وقال: “مما يزيد ديناميات المعركة تعقيدًا هو وجود جماعات إرهابية، كتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية و”داعش”، وكلاهما يوجهان ضربات بصورة روتينية ضد أهداف حوثية وحكومية وأهداف تابعة للتحالف الذي تقوده السعودية.