كتبه– موسى العتيبي
محاولات حثيثة وجادة يحاول من خلالها ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” إحياء التحالف العسكري الإسلامي الذي تشكل قبل عامين، لمحاربة ما يسميه بالتطرف والإرهاب بالعالم الإسلامي.
وفي العاصمة السعودية الرياض، اجتمع بالأمس تحت شعار “متحالفون ضد الإرهاب” وزراء دفاع 41 دولة ووفود دولية وبعثات رسمية، جميعهم من أعضاء التحالف العسكري الإسلامي، حيث افتتح الاجتماع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والذي تباهى بالجمع الكبير الذي حضر الاجتماع، معتبرا أن اجتماعهم بمثابة ضربة قوية للإرهاب في العالم وفقا لقوله.
خطاب “بن سلمان” بدا منه أن الرجل يريد إحياء تحالف لم يقدم على مدار عامين كاملين على إنشائه جديدا في ملف محاربة الإرهاب، كما لم يظهر تناغما ولا تعاونا كبيرا بين الدول المشاركة فيه، خصوصا في ظل الحرب الإعلامية المستعرة بين “إيران والسعودية”.
اجتماع “وزراء دفاع دول التحالف” في الرياض، جاء بعد أيام من اجتماع لـ”وزراء الخارجية العرب” في جامعة الدول العربية، والذي استهدف إصدار بيان موحد يستنكر محاولات إيران التدخل في شؤون الدول الخليجية، والإعلان عن التصدي لتلك المحاولات وبقوه.
الاجتماعان جاءا بدعوة سعودية، في محاولة مستمرة لخلق جبهة دولية قوية في مواجهة إيران، فهل تنجح السعودية في ذلك؟ وهل ينجح “بن سلمان” بالفعل في إحياء هذا التحالف؟ وهل سيستطيع من خلاله مواجهة إيران كما يريد؟ وهل كل دول التحالف يتفقون على تعريف موحد للإرهاب؟ وهل يتفق “بن سلمان” نفسه على كل السياسيات مع دول التحالف؟
اجتماع التحالف
ما هو التحالف؟
التحالف الإسلامي العسكري، أعلن الأمير محمد بن سلمان عندما كان وليا لولي العهد عن تأسيسه في العاصمة السعودية الرياض، في ديسمبر 2015، بغرض تشكيل جبهة موحدة لمواجهة الإرهاب، حيث أعلن “بن سلمان” أن هدف التحالف هو تنسيق الجهود ضد المتطرفين في العراق، وسوريا، وليبيا، ومصر، وأفغانستان، في حين أكد مراقبون أن الغرض الحقيقي للسعودية كان تشكيل جبهة موحدة لمواجهة إيران.
يتكون من 41 دولة، هي: السعودية، وأفغانستان، والإمارات العربية، والأردن، وأوغندا، وباكستان، والبحرين، وبروناي، وبنجلاديش، وبنين، وبوركينا فاسو، وتركيا، وتشاد، وتوجو، وتونس، وجيبوتي، وساحل العاج، والسنغال، والسودان، وسيراليون، والصومال، وسلطنة عمان، والغابون، وغامبيا، وغينيا، وغينيا بيساو، وفلسطين، وجزر القمر، والكويت، وقطر، ولبنان، وليبيا، والمالديف، ومالي، وماليزيا، ومصر، والمغرب، وموريتانيا، والنيجر، ونيجيريا، واليمن.
تم تأسيس مركز عمليات مشترك في الرياض لتنسيق ودعم العمليات العسكرية ضد “الإرهاب”، حسبما جاء في بيان مشترك للدول المنضوية في هذا التحالف، في 15 ديسمبر 2015.
الرؤية الإستراتيجية لدول التحالف: “تنسيق وتوحيد جهودها في المجال الفكري والإعلامي، محاربة تمويل الإرهاب، محاربة جميع أشكال الإرهاب والتطرف من الناحية العسكرية، والإسهام بفعالية مع الجهود الدولية الأخرى لحفظ السلم والأمن الدوليين”.
ماذا قدم التحالف خلال عامين؟
يرى مراقبون أن التحالف فشل في تحقيق أي نجاح يذكر له على مدار عامين كاملين، وذلك نتيجة لعدة أسباب، من بينها عدم التوافق بين كافة الدول على تعريف موحد للإرهاب، كما أن الدول الإسلامية تربطها علاقات مختلفة بإيران، الأمر الذي لم يجعل من وجوده جدوى لمواجهة إيران.
فمن جهة لم يتمكن التحالف من إنهاء حكم الانقلابيين الحوثيين في صنعاء، أو تحقيق تسوية سياسية في اليمن، بل على العكس تماما، لازالت الأمور متوترة في اليمن، وتشعر السعودية أنها متورطة بشكل كبير في تلك الحرب.
ومن جهة أخرى لم تتفق الدول الإسلامية المشاركة في التحالف على رؤية واضحة بشأن قضايا “سوريا وليبيا” حيث إن التوتر لا يزال قائما في البلدين، وتغرد كل منهما بعيدا عن التحالف، فسوريا النظامية تسير في ركب “روسيا”، وسوريا المعارضة تتوزع بين السعودية ومصر وتركيا.
كذلك لم يتوصل التحالف إلى رؤية موحدة بشأن التعامل مع حركة “حماس” واعتبارها منظمة مقاومة، أم منظمة إرهابية كما تصنفها بعض الدول، فالحركة توسعت في علاقتها مع مصر، وأشرف نظام عبد الفتاح السيسي على ملف المصالحة، بينما تقف الإمارات والسعودية موقف الصامت بشأن الحركة في الوقت الراهن.
وعلى مستوى النظام الإيراني، لم يقدم التحالف أي رؤية سياسية أو عسكرية بشأن التعامل مع إيران، التي تتهمها السعودية بالتدخل في شؤونها وشؤون بعض الدول الخليجية الأخرى، كما تتهم بالوقوف وراء الصاروخ البالستي الأخير الذي انطلق من اليمن ووصل إلى العاصمة السعودية “الرياض”.
فتركيا ترى من إيران حليفا استراتيجيا لها، وتتعامل معها من منطلق المصالح المشتركة، ومصر ترفض شن عمل عسكري ضد إيران، وترى ضرورة الحل السياسي، والمغرب وتونس والسودان أيضا لا ترى أبدا شن عمل عسكري أو اتخاذ مواقف عدائية مباشرة من إيران.
وهكذا تتباين الرؤى الخاصة لتحالف “بن سلمان” الذي يحاول إحياءه تحت شعار “محتالفون ضد الإرهاب”.
فالتحالف لم يقدم جديدا في كل القضايا التي أعلن عن تشكيله من أجلها، كما لم يشهد اجتماعات دورية سوى اجتماعين فقط عقدهما على مدار عامين الأول في مارس الماضي، حين اجتمع رؤساء أركان دول التحالف في الرياض، والثاني اجتماع وزراء الدفاع في الرياض خلال الشهر الجاري.
أمير قطر تميم بن حمد
قطر والإخوان
من جهة أخرى فإن التحالف شهد هذا الغياب لـ”دولة قطر”، وهي الدولة الخليجية التي كانت من أوائل الدول التي شاركت في إنشاء التحالف العام قبل الماضي.
ويأتي الغياب، وسط توقعات بعدم توجيه السعودية الدعوة لها من الأساس، وذلك على خلفية الأزمة الخليجية المندلعة قبل 6 أشهر، حيث تشارك كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، في حصار محكم على دولة قطر، منذ يونيو الماضي، بزعم أن قطر ترعى الإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة بشدة، وتؤكد أن الحصار وراءه أهداف سياسية أخرى.
كما أن قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية قد أعلنت في 5 يونيو الماضي إنهاء مشاركة دولة قطر في التحالف الذي يشن ضربات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن منذ نحو عامين.
ليس غياب قطر هو ما كان ملاحظا ومثيرا للجدل في اجتماع وزراء دفاع التحالف الإسلامي بالرياض، لكن الاختلاف على تعريف الإرهاب وتوصيفه كان واضحا وبشدة، وتسبب في خروج البيان الختامي للاجتماع باهتا بلا قيمة أو معنى واضح.
وربما يكون سبب ذلك بالأساس هو أن أهداف التحالف عند تأسيسه لم تكن واضحة، كما لم يتم تعريف ما هو الإرهاب “فالسعودية مثلا تعتبر حركة حماس إرهابية، لكن تركيا لا تعتبرها كذلك”.
وأيضا فإن كلًّا من الإمارات ومصر والسعودية تعتبر “جماعة الإخوان المسلمين” كيانا إرهابيا، بينما لا تعتبرها باقي دول التحالف الإسلامي كذلك، فالإخوان لا يزالون كيانا سياسيا معترفا به في الكويت والأردن وتونس والسودان والمغرب وقطر وغيرهم”.
بن سلمان
إطار سياسي للفتى الطائش
مما سبق يتضح أن فكرة “التحالف الإسلامي” ليست فكرة ناضجة أو ذات أهمية، طالما أنها لم تحدد أهدافا واضحة تسعى لتحقيقها.
ويرى مراقبون أن التحالف بوضعه الحالي ليس إلا إطارا سياسيا لخدمة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتحسين صورة المملكة التي خاضت العديد من المعارك الخاسرة.
ولا يتوقع المراقبون أن يحقق التحالف إنجازات عملية؛ لأنه لا توجد لديه خطة عمل واضحة، ولا تعريف واضح لديه لماهية الإرهاب، ولا فصل واضح بين الإرهاب والمقاومة.
اضف تعليقا