يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يلقي بكل ثقله خلف قمة دولية تعقد يوم الجمعة في باريس حول ليبيا، بحضور نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، بهدف فرض “انتخابات أمر واقع”، تمت صياغة قوانينها من قبل عقيلة صالح رئيس مجلس النواب بدون اتفاق مع “شركائه” في المنطقة الغربية.
يسعى ماكرون إلى حشد أكبر تحالف دولي ممكن لدعم الانتخابات الليبية، حتى لو كان ذلك بدون أساس دستوري، أو في ظل عدم وجود قوانين انتخابية توافقية، أو حتى بتجاهل بنود الإعلان الدستوري، والنظام الداخلي للبرلمان، والاتفاق السياسي.
كما يهدف إلى عزل وشيطنة، وربما معاقبة الأحزاب الليبية التي تصر على إجراء الانتخابات في موعدها، ولكن وفق أسس دستورية وقوانين انتخابية متفق عليها، مثل المجلس الأعلى للدولة (برلمان استشاري)، وعشرات النواب ورؤساء بلديات وقادة عسكريون ووجهاء المنطقة الغربية.
وهؤلاء من أشارت إليهم الرئاسة الفرنسية، في معرض تقديمها لمؤتمر ليبيا، الثلاثاء، قائلة، “لكن المعطلين، هؤلاء الذين يريدون تعطيل الديناميكية الحالية، يتربصون بها (الانتخابات)، يحاولون إخراج العملية عن مسارها”، على حد قول قصر الإليزيه.
وأكثر من ذلك فإن الرئيس الفرنسي يريد تحصين نتائج الانتخابات -المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر- من أي طعن أمام الغرفة الدستورية بالمحكمة العليا وهو ما لجأ إليه المجلس الأعلى للدولة، لكن دون أي رد من القضاء حتى الآن.
إذ دعا الإليزيه، إلى “جعل العملية الانتخابية غير قابلة للطعن، ولا العودة عنها، وضمان احترام نتيجة الانتخابات”.
- تغيب أردوغان وتبون
وأشرك ماكرون في قمة باريس -وهي نسخة معدلة من مؤتمر برلين- إيطاليا وألمانيا، لتجنب المنافسة بين الدول الثلاث المعنية بالملف الليبي، رغم اختلاف وجهات نظرهم بشأن بعض النقاط.
وتحدثت وسائل إعلام غربية عن خلاف بين باريس وروما حول محتوى البيان الختامي. وأصر الإيطاليون على أن البيان يتضمن مادة تسمح للجميع بالترشح للانتخابات، بينما يلتزم الفرنسيون بالشروط المنصوص عليها في قانون الترشح الصادر عن المفوضية العليا للانتخابات، والتي تنص على توقف المرشح عن ممارسة وظيفته على الأقل قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات.
يمنع هذا البند رئيس الوزراء الليبي من الترشح للرئاسة المقبلة، وبينما تدعم إيطاليا الأخير في الترشح، تقف فرنسا إلى جانب حفتر، لمنع منافسيه الحقيقيين من تهديد فرصه في الفوز بالرئاسة.
كما يأتي بعد أسابيع من انعقاد “مؤتمر الاستقرار الليبي” في العاصمة طرابلس، والذي شهد مشاركة الدول المجاورة لجنوب ليبيا (السودان والنيجر وتشاد) لأول مرة، بعد غيابهم عن مؤتمري برلين؛ الأول والثاني، فيما دعا ماكرون أكبر عدد من القادة المعنيين بالوضع في هذا البلد المأزوم.
دعوة باريس لقادة إسرائيل واليونان وقبرص اليونانية إلى قمة باريس ستثير استياء العديد من الدول، أبرزها تركيا وليبيا والجزائر، حيث تحاول فرض تل أبيب كطرف في الأزمات الداخلية العربية.
قد لا يشارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذا المؤتمر، بحسب ما أوردته وسائل إعلام بعد عودته من قمة مجموعة العشرين،حيث صرح أنه أبلغ ماكرون أن “هناك دعوات لدول مثل اليونان وإسرائيل وإدارة قبرص الرومية، فنحن لا نشارك في مؤتمر تشارك فيه تلك الأطراف”.
ومن المتوقع أيضا أن تعترض ليبيا على الوجود الإسرائيلي، حيث نقل موقع “عين ليبيا” عن مصدر مقرب من رئيس وزراء حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، أن الأخير أبلغ ماكرون خلال لقائه على هامش قمة المناخ بإسكتلندا، رفض بلاده مشاركة إسرائيل واليونان وقبرص الرومية.
كما أفادت وسائل إعلام فرنسية أن باريس وجهت دعوتين إلى رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، في ظل خلاف حول الصلاحيات المتعلقة بالسياسة الخارجية، ما أدى إلى قرار المجلس الرئاسي تعليق مهام وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، وإحالتها إلى التحقيق، الأمر الذي اعترضت عليه حكومة الوحدة.
ومن المتوقع أن تعترض الجزائر وتونس على مشاركة إسرائيل في مؤتمر باريس، على الرغم من أن وزيري خارجية البلدين، برفقة نظيرتهما الليبية نجلاء المنقوش، ألمحا إلى مشاركة بلديهما في هذا المؤتمر، في بيان مشترك. وطالبوا فيه بدور رئيسي للسلطات الليبية خلال المؤتمر.
فيما تأكد غياب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن مؤتمر باريس، في ظل أزمة مع فرنسا خلفتها تصريحات ماكرون، التي نفى فيها وجود أمة جزائرية، قبل أن يتراجع ويعبر عن احترامه الكبير للجزائر وللأمة الجزائرية وتاريخها وسيادتها.
وتمنى ماكرون أن يحضر تبون مؤتمر باريس، لكن تراجعه عن تصريحاته لم يكن كافيا لتهدئة العلاقات بين البلدين.
إذ أن مشاركة تبون في مؤتمر باريس كان من شأنها تعزيز موقف ماكرون في المؤتمر، واللعب بهذه الورقة أيضا في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، من خلال الحصول على دعم الناخبين من أصول جزائرية.
- قواعد اللعبة المصممة على المقاس
ووفق هذا المنطق، يكون عقيلة صالح، قد نجح في وضع قواعد اللعبة الانتخابية، على مقاس مرشح واحد رئيسي هو خليفة حفتر، الذي تسيطر مليشياته على المنطقتين الشرقية والجنوبية، والذي يرفض الخضوع لأي سلطة مدنية، لكنه يسعى للفوز بكرسي الرئاسة عبر المناورة السياسية بعد فشله في الحصول عليه عبر القوة العسكرية.
هذا هو الهدف الذي يريد ماكرون الوصول إليه، من خلال تمهيد الطريق أمام حفتر للاستيلاء على السلطة تحت غطاء دولي، حتى مع انتخابات غير شفافة أو نزيهة، وتفتقر إلى الأسس القانونية والدستورية، مما يجعلها عرضة لأي تحد أمام القضاء.
لذلك، تحاول باريس والقوى الداعمة لحفتر تحصين هذه الانتخابات من أي طعون، والضغط على القوى الليبية الرافضة للقوانين التي أصدرها رئيس مجلس النواب.
وأوضح منتدى جمع نواب وأعضاء المجلس الأعلى للدولة أن “من يرفض الانتخابات الرئاسية والتشريعية هو الذي أصدر القوانين التي تعرقلها”.
اللافت أن النائب جلال الشويهدي تحدث عن قانون انتخاب رئيس الجمهورية الذي أصدره رئيس مجلس النواب، وليس عن مجلس النواب بدون تصويت وبطريقة غير شرعية ومفصل لحجم شخصيات معينة، محاولاً إقصاء شخصيات أخرى من دخول الانتخابات.
والأهم من ذلك، كشف أنهم (نواب وأعضاء مجلس الدولة) توجهوا إلى القضاء للطعن في قانون الانتخابات، لكن حتى يومنا هذا لم يتم النظر فيه، مبيناً أن الدائرة الدستورية (في المحكمة العليا) ليست مفعلة كذلك.
ويعتبر تصريح الشويهدي اعترافا غير رسمي باستحالة اللجوء للقضاء في ظل عدم تفعيل الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا.
في غضون ذلك، دعا رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، إلى مقاطعة الانتخابات وتنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر مفوضية الانتخابات، وكذلك أمام مقر البعثة الأممية بطرابلس، معتبرا أن السماح للمجرمين بالترشح لمنصب هو نفس السماح للنازية بالعمل في ألمانيا.
لكن من جهة أخرى، المقاطعة ستمهد الطريق أمام حفتر للفوز بالرئاسة، بعد إزاحة منافسيه الأبرز، ولا تهم نسبة المشاركة بعد ذلك، مما يرجح استمرار الانقسام حتى لو أجريت الانتخابات.
فسيناريو وصول حفتر إلى الرئاسة، عبر قوانين انتخابات على المقاس، يُعدها رئيس مجلس النواب، ويتبناها رئيس مفوضية الانتخابات، وتدعمها الدول الغربية الكبرى، ويتجاهلها القضاء، وتصمت عنها البعثة الأممية، كل ذلك أصبح جاهزا، ولم يبق سوى إجراء الانتخابات، والتلويح بالعقوبات الدولية، عبر مؤتمر باريس، ضد من يعترض على عدم نزاهتها.
اضف تعليقا