العدسة_ بسام الظاهر

في ظل ضبابية الموقف الأمريكي حيال التعامل مع الأزمة الخليجية وقرار دول (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) حصار قطر، لا يبدو أن هناك أفقًا للحل خلال الفترة القريبة.

ورغم دفع الكويت كل الأطراف للجلوس على طاولة المفاوضات باعتبارها طرفا وسيطا، إلا أن موقف الدول الأربعة مخيب للآمال لها، خاصة مع الإصرار على ضرورة موافقة الدوحة على قائمة المطالب الـ 13.

أمريكا بات لديها أزمات طرأت على السطح أهم من محاولة تحجيم الدول الأربعة النفوذ القطري في المنطقة، خاصة مع الاهتمام بشكل كبير بالتغلغل الروسي في الشرق الأوسط وأزمة الملف النووي لكوريا الشمالية.

ولكن تدفع أمريكا إلى استعادة دورها المفقود في الأزمة الخليجية، من خلال الضغط على السعودية للقبول بالوساطة الكويتية.

زيارة تيلرسون

وفي هذا المقام وصل وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى السعودية، مساء السبت، في جولة تضم أيضا قطر وباكستان والهند.

ومن المقرر أن يعقد تيلرسون جلسة مع نظيره السعودي عادل الجبير، من أجل بحث سبل حل الأزمة الخليجية وعدم إطالة أمد هذا الصراع، خاصة وأنه ينعكس على المصالح الأمريكية في المنطقة مع حلفائها.

ويتوجه وزير الخارجية الأمريكي مباشرة إلى قطر، للقاء المسؤولين هناك، ومن غير المعروف حتى الآن هل يلتقي أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني أم لا؟

ولكن هل هذه الجولة من المشاورات مع السعودية وقطر تؤدي لحل الأزمة؟.

تيلرسون حاول الإجابة على هذا السؤال، مبديا امتعاضه من استمرار الأزمة حتى الآن، إذ قال في حوار له مع وكالة “بلومبرج” الأمريكية، إنه يبقى على كل من قادة التحالف الرباعي اتخاذ قرار بالمشاركة في الحوار لحل الأزمة الخليجية.

وأكد أن قطر كانت واضحة، وأعربت عن رغبتها في الحوار، مقللا من فرص حل الأزمة في المستقبل القريب.

ولفت  إلى أن دور واشنطن هو أن تبقى خطوط الاتصال بين قطر ودول الحصار مفتوحة قدر الإمكان.

إذن فإن وزير الخارجية الأمريكي يرى أن حل الأزمة مرهون بموافقة دول الحصار على الحوار، وهو أمر ترفضه قبل تحقيق المطالب الـ 13.

وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وافق على دعوة أمير قطر للحوار، قبل تعليقه بدون سبب واضح، واشتراط تحقيق المطالب كاملة.

وبدا أن هناك طرفا في دول الحصار لا يرغب في حل الأزمة وإبقاء الضغط على الدوحة من هذا الباب، خاصة مع فشل كل الضغوط الاقتصادية والتحركات الدولية للتحريض على قطر.

” تيلرسون ” في زيارة لأمير الكويت

جولة بلا نتائج

جولة تيلرسون تعتبر الثانية من نوعها لبحث سبل حل الأزمة الخليجية، إذ زار قطر والكويت والسعودية خلال شهر يوليو الماضي.

ولم تخرج جولته إلى نتائج ملموسة حيال الأزمة خاصة مع تمسك الرباعي العربي بتحقيق قطر للمطالب.

ولكن ثمة تغير في تحرك وزير الخارجية خلال هذه الجولة، إذ تقتصر فقط دولته على السعودية وقطر دون التوجه للكويت مثلما حدث من قبل.

وربما هذا يعني عدم وجود ما يمكن التباحث حوله مع الكويت، خاصة مع معرفة تفاصيل الوساطة بين الطرفين، خلال زيارة أمير الكويت صباح الأحمد الصباح إلى واشنطن الشهر الماضي ولقاء الرئيس دونالد ترامب.

ولكن الأبرز أن تيلرسون لم يطلب عقد اجتماع مع وزراء خارجية الدول الأربعة مثلما حدث في المرة السابقة، بما يعني أن الحل لن يكون إلا عن طريق السعودية، وهو ما أشار إليه وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية في تصريحات سابقة.

ولكن ثمة دلالة أخرى، ربما جاءت باستثناء الحديث مع باقي دول الحصار، تتعلق بوجود خلافات شديدة بين الأطراف الثلاثة الأخرى وتحديدا الإمارات ومصر، وبالتالي فإنهما ربما يكونان مسؤولين عن أي تصعيد ضد الدوحة.

وقد يكون تيلرسون رأى أنه من الأفضل التحدث بشكل منفرد مع السعودية حيال الأمر، دون أي تدخلات قد تؤثر على سير هذه المشاورات.

قادة ” مجلس التعاون الخليجي “

تفكك مجلس التعاون

وقبل جولة تيلرسون للمنطقة بأيام قليلة، بدأت الكويت في محاولات لإحياء الوساطة مجددا بين السعودية وقطر، في محاولة لإنقاذ قمة مجلس التعاون الخليجي التي تستضيفها الكويت شهر ديسمبر المقبل.

أمير الكويت توجه إلى السعودية والتقى الملك سلمان بن عبد العزيز، لتحريك ملف الوساطة بعد أن توقف لفترة، من أجل إنهاء الأزمة حتى لا تؤثر على مجلس التعاون.

وبدا أن الكويت ترغب في تجنب التأثيرات السلبية على مصلحة دول الخليج، لأن القطيعة وتأجيل أو إلغاء القمة المرتقبة يهدد بتفكك المجلس بما يمثل أزمة لكل الدول ومصالحها لصالح قوى أخرى مثل إيران.

ولكى يتم انعقاد القمة لا بد من حضور الدول الستة في الكويت، ولا يسمح النظام الأساسي لمجلس التعاون نقل القمة إلى الرياض كما تردد أو حتى عدم دعوة قطر.

وطرحت عدة سيناريوهات لانعقاد القمة الخليجية، والتي تراوحت بين التأجيل والإلغاء أو تسريع الحوار والوصول لحلول وسط بين الطرفين.

ولكن يظل الأمر معلقا حتى الآن، على الرغم من استقبال أمير قطر لوزير الخارجية الكويتي قبل يومين من زيارة تيلرسون.

ويأمل وزير الخارجية الأمريكية في دفع عملية الوساطة الكويتية خلال الفترة المقبلة، والضغط على كل الأطراف لتقديم تنازلات.

معوقات

ولكن جهود وزير الخارجية الأمريكية تصطدم بعدة معوقات إلا إذا كان سيطرح الموقف الأمريكي ويضع خارطة طريق لحل الأزمة.

أولا: رفض سعودي:

الرفض السعودي المستمر لتدخلات أي أطراف خارجية للوساطة وحل الأزمة، يهدد بفشل جولة تيلرسون الحالية.

وترغب السعودية ودول الحصار في إبقاء الأزمة في يدها والتحكم بمجريات التصعيد دون تدخلات دولية، حتى يكون من السهل الضغط بشدة على قطر للقبول بقائمة المطالب الـ 13 وتطويع نظام الحكم حسب أهواء الدول الأربعة.

” تيلرسون ” في زيارة للسعودية

ثانيا: خلاف الإدارة الأمريكية:

كما أن الخلاف داخل الإدارة الأمريكية حيال التعامل مع الأزمة يصب في صالح دول الحصار، خاصة وأن ترامب بدا منحازا إلى السعودية بعدما عقد صفقات واتفاقيات تقدر قيمتها بما يزيد عن 400 مليار دولار خلال زيارته للرياض مايو الماضي.

في المقابل ترى المؤسسات الأمريكية وتحديدا “الخارجية والدفاع” ضرورة حل الأزمة للحفاظ عن تماسك الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا دول الخليج، لذلك كانوا أكثر ميلا لقطر.

ثالثا: عدم تنازل قطر

ويعقّد من الأزمة إصرار قطر على الحفاظ عن سيادتها واستقلالها في اتخاذ القرار، من خلال رفض المطالب الـ 13، التي تتعلق بالسيادة.

ولكن الدوحة رحبت بالحوار وهو ما يشير إلى إمكانية تقديم تنازلات وتحقيق بعض المطالب ولكن ليس في صورة الخضوع لدول الحصار، خاصة وأنها تمكنت من تفادي ردة الفعل الدولية ولكن على العكس بدت أكثر تماسكا وتحركا على المستوى الدولي لصالحها.

” بوتين ” و الأمير ” تميم بن حمد “

رابعا: اللعب بورقة روسيا:

كما أن السعودية بدأت تلعب بالورقة الروسية في وجه أمريكا، بما يهدد النفوذ الأمريكي في الخليج وتحديدا الرياض، خاصة بعد زيارة الملك سلمان إلى موسكو ولقاء الرئيس فلاديمير بوتين والاتفاق على صفقات أسلحة بمليارات الدولارات.

وهذا الأمر يقلق أمريكا ليس لناحية التحول الجذري السعودي إلى روسيا، ولكن مع الوقت يمكن أن تفقد السيطرة الكاملة في تلك المنطقة، وبالتالي فإن التحرك الأمريكي ليس ضاغطا بشدة على السعودية.