قام الرئيس العراقي بتكليف مصطفى الكاظمي برئاسة الوزراء الخميس الماضي في وقت يعتبره الكثيرون أنه وقت حرج، ربما أكثر من أي وقت مضى منذ الغزو الأمريكي للعراق قبل 17 عاماً، فمن جهة تعاني العراق من التمزق الداخلي بسبب انقسام الجبهات المدعومة من جهات خارجية مختلفة، ومن جهة بسبب الانهيار الاقتصادي والنفطي، وأخيراً مع تفشي جائحة كورونا في العالم بأسره، ما زاد الأمور تعقيداً.

مصطفى الكاظمي - ويكيبيديا

فيروس كورونا يتفشى بصورة متسارعة في أنحاء الشرق الأوسط، وبالتالي يلاحق العراق، الأمر الذي تسبب في تراجع أسعار النفط بصورة كافية لدفع الاقتصاد نحو كارثة محققة، خاصة في ظل الحرب الداخلية التي تخوضها العراق ضد الميليشيات المدعومة من إيران، وكذلك الحراب الدائرة بين القوات الإيرانية والقوات العسكرية الأمريكية المتواجدة في العراق، بالإضافة إلى تواجد مقاتلو تنظيم الدولة، الذين لم يتم القضاء عليهم نهائياً، ويحاولون استغلال أي فرصة للعودة من جديد.

القراءات الأولى لمشهد ترشيح مصطفى الكاظمي منصبه تقول أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين العراقيين عليه، حيث حضر الحفل عدد من النخب السياسية أصحاب الانتماءات المختلفة، ما أظهر الوحدة للمرة الأولى منذ أن أطاحت الاحتجاجات الجماهيرية بحكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في الخريف، لتدخل العراق بعدها إلى أزمة جديدة، أسفرت عن إخفاق ترشيح العديد من رؤساء الوزراء بعد عبد المهدي، حيث يُعد الكاظمي ثالث رئيس وزراء مكلف بالبلاد في غضون 10 أسابيع.

في الوقت الذي تشن فيه الولايات المتحدة وإيران سيطرة عبر الشرق الأوسط، أصبح العراق ساحة المعركة الأكثر تقلبًا، حيث يتوقع المسؤولون والخبراء أن الكاظمي- أو ما يُسمى بعامل الغرف الخلفية الذي يتمتع بسمعة شجاعة بين التحالفات في واشنطن وطهران والمنطقة، من المرجح أن يتغلب على العقبات التي خسرها من قبله، ويرجع ذلك -إلى حد كبير- إلى ميزة ليست في أسلافه، وهي أنه مقبول لكل من الولايات المتحدة وإيران.

في تعليقها على اختيار الكاظمي، قالت راندا سليم- مديرة برنامج حل النزاعات والمسار الثاني في معهد الشرق الأوسط بواشنطن: “لقد تمكن من السير على هذا الخط الدقيق بين واشنطن وطهران”، وتابعت “قد لا يكون الخيار الأول لطهران، لكنه خيار مقبول لها”.

الخبراء والمحللون يرون أن اختيار الكاظمي جاء كنتيجة متوقعة بعد الأزمات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران على أرضها، ففي الأشهر التي تلت اغتيال اللواء الإيراني قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني بأوامر مباشرة من ترامب بعد استهدافه بهجوم أمريكي بطائرة بدون طيار خارج مطار بغداد الدولي، كثفت الفصائل السياسية المدعومة من إيران الضغط على القوات الأمريكية لمغادرة العراق، كما صعدت الميليشيات حملاتها من الهجمات الصاروخية التي استهدفت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وقتلت الجنود العراقيين في تبادل إطلاق النار.

في الوقت نفسه، تضغط واشنطن على الحكومة العراقية لتنأى بنفسها عن إيران، وتطلب من قوات الأمن العراقية ملاحقة المسؤولين عن الهجمات الصاروخية وزيادة الضغط على بغداد للحد من اعتمادها على صادرات الطاقة الإيرانية، التي تستهدفها العقوبات الأمريكية، وكتحفيز لها على ذلك، أجرت الحكومة الأمريكية إعفاءات قصيرة المدى للعراق تعتمد على التقدم الذي أحرزته في وضع الخطوط العريضة لخطط تنويع إمداداتها بعيدًا عن إيران.

ضغوط الطرفين على العراق شديدة

قالت كريستين فونتينروز، مديرة مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط في المجلس الأطلنطي ومسؤولة كبيرة سابقة في إدارة ترامب، إن “أول وظيفة كبيرة للكاظمي ستكون تحديد ما يمكن للعراق أن يطلبه من الإيران والولايات المتحدة وعرضهما”.

وأكدت فونتينروز إن “العبء الآن يقع على النخب السياسية العراقية لتأجيل جداول الأعمال الشخصية والإسراع في تشكيل حكومة جيدة بما يكفي للعمل في الحكومة، لأن ذلك قد يكون الشيء الوحيد الذي يمكن أن يمنع العراق من أن يصبح منطقة حرب مرة أخرى”.

يأتي تعيين الكاظمي بعد أسبوع من زيارة اللواء الإيراني “إسماعيل قاني” لبغداد، وهو اللواء الذي حل محل سليماني، وقد قال مسؤولون عراقيون إن الجنرال الإيراني أشار في الاجتماعات التي عقدها في العراق إلى أن إيران والحرس الثوري لا يريدان مرشح واشنطن المفضل عدنان الزرفي رئيسا للوزراء.

في سياق متصل، صرح مسؤولون عراقيون -رفضوا الإفصاح عن هويتهم- مطلعون على صفقات الغرف الخلفية التي أدت إلى ترشيح الكاظمي، إنه وافق على عدم التدخل في شؤون ميليشيات البلاد، التي يرتبط بعضها بإيران، مقابل دعم الكتل السياسية الشيعية التي أعاقت ترشيح اثنين من رؤساء الوزراء السابقين. وتحدث المسؤولون بشرط عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية الموقف.

يُذكر أن الزرفي كان من أشد المعادين للميليشيات، ونتيجة لذلك، لم يحصل على الدعم المطلوب كي يحظى بمنصب رئيس الوزراء، وهو الدعم الذي لم يحصل عليه أحد مثل الكاظمي.

في تعليقه على ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء وتكليفه بتشكيل حكومة جديدة، غرد الكاظمي عبر تويتر قائلاً “بعد تفويضي لقيادة الحكومة العراقية، أتعهد لأبناء بلدي الكرام بالعمل على تشكيل حكومة تضع تطلعات ومطالب العراقيين على رأس أولوياتهم”.

وقال مسؤول عراقي مطلع على موقف الميليشيات إن الكاظمي حصل على قبول وتوافق بسبب علاقاته بواشنطن، حيث تظن الميليشيات أو بمعنى آخر إيران، أنه يمكن إقناع واشنطن بمواصلة الإعفاءات من العقوبات حيث أن انهيار أسعار النفط العالمية يقلل من قدرة الدولة على تمويل نفسها.

وأضاف المسؤول “إنهم ]الميليشيات[ لا يثقون في الكاظمي بالكامل ولكنهم يرونه أيضا كشخص يمكنهم التعامل معه”.

من الجدير بالذكر أن هادي العامري زعيم شبكة الميليشيات العراقية حضر ترشيح الكاظمي، ومع ذلك أثار تصرفه غضب كتائب حزب الله، وهي إحدى الميليشيات المؤثرة في المشهد، واصفة ترشيح رئيس المخابرات ]الكاظمي[ بأنه “إعلان حرب ضد الشعب العراقي”، كما اتهمته، بالتواطؤ في مقتل قاسم سليماني.

تحديات أكثر تشابكاً وشمولاً

مع عمل الأطباء لساعات إضافية لاحتواء أزمة انتشار فيروس كورونا، يجب على المسؤولين الحكوميين معرفة كيفية توجيه الاقتصاد بعيدًا عن الكارثة المالية التي يمكن أن تثير احتجاجات أكبر وأكثر غضبًا من تلك التي أسقطت عبد المهدي.

تعليقاً على ذلك قال ريناد منصور، زميلة أبحاث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس: “شكلت أزمة الفيروس وأسعار النفط خوفاً كبيراً على المؤسسة السياسية العراقية”، مؤكدة أن الاتفاق على الكاظمي كان السبيل الوحيد للمضي قدما، واصفة إياه بأنه الرجل “الذي يعد باللعب بموجب قواعد اللعبة”.

يعتمد العراق على مبيعات النفط في 90٪ من عائداته وليس لديه خطة واضحة للتعويض عن النقص في مليارات الدولارات التي من المرجح أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار العالمية، ومن بين أمور أخرى، سيجعل ذلك من المستحيل على الحكومة تغطية فاتورة الأجور لحوالي 3 ملايين موظف.

في إحدى المقابلات الأخيرة التي أجراها قبل تنحيه، وصف الزرفي المشكلة بأشد العبارات يأساً، وقال للتلفزيون العراقي “الشهر المقبل لن نتمكن من تأمين نصف الرواتب.. سوف نواجه معاناة حقيقية”.

للاطلاع على المحتوى الأصلي من المصدر اضغط هنا

 

اقرأ أيضًا: صحيفة فرنسية: تداعيات كورونا قد تؤدي إلى “مذابح” في سوريا والعراق واليمن