العدسة_ موسى العتيبي

“مبادرة الملك سلمان بن عبد العزيز، بإنشاء مجمع للحديث النبوي تهدف لكشف المفاهيم المكذوبة عن الرسول عليه الصلاة والسلام”.

بتلك الكلمات وصف النائب العام السعودي، سعود بن عبد الله المعجب، الأمر الملكي الذي أصدره “سلمان” والقاضي بإنشاء مجمع باسم (مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للحديث النبوي الشريف).

وسيتخذ المجمع من المدينة المنورة مقرًا له، ومن المتوقع أن يمثل مجلسا علميًا يضم صفوة علماء الحديث الشريف في العالم، ويُعَيّن رئيسه وأعضاؤه بأمر ملكي، وتقرر اختيار الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ عضو هيئة كبار العلماء رئيسا للمجلس العلمي للمجمع.

توقيت الإعلان عن إنشاء الهيئة، والغرض الذي أنشئ من أجله، اعتبر مثيرًا للجدل وفقًا لعلماء ومراقبين، حيث إن السنة النبوية المطهرة، روجعت بالفعل عشرات المرات، عبر دراسات وأبحاث وكتب قامت بتخريج وتدقيق الأحاديث النبوية المشرفة.

كما أن السعودية قدمت نفسها على مدار عشرات السنوات على أنها حامية السنة النبوية، والمدافعة عنها، والمنقحة لأحاديثها عبر عشرات العلماء الذين قدّموا دراسات ومؤلفات مختلفة في هذا الشأن..

هذا الموقف بهذه الخلفيات أثار عددا من الأسئلة منها: لماذا تذكرها الملك سلمان الآن؟ وهل مجمع السنة النبوية سيعمل على تنقيحها وإخراج الضعيف والمكذوب فقط؟ أم أن للهيئة أهدافًا أخرى مستترة قد تكشف عنها الأيام القادم؟

Related image

نساء سعوديات فى احتفالات اليوم الوطني

تنقيح النصوص الكاذبة!

وفقا لما قاله النائب العام السعودي سعود بن عبد الله المعجب في تصريحات فإنّ من أهداف إنشاء مجمع خادم الحرمين الشريفين للحديث الشريف كشف المفاهيم المكذوبة عن الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال دراسة وتمحيص وتصحيح هذه المفاهيم على يدي جمع من العلماء البارزين، ونبذ ما يفترى عليه صلى الله عليه وسلم من أكاذيب وتلفيق لأحاديث باطلة ومنكرة وضعيفة.

المعجب أشار أيضًا إلى أن المجمع «سيسهم في نشر الفكر المعتدل في أوساط الشباب وتحصينهم من الغلو والأفكار المتطرفة، وتصحيح صورة الإسلام ونشر تعاليم الدين الصحيح، كما سيكون له دور في إحياء السنة النبوية الشريفة والدفاع عنها أمام هجمات الأعداء، وسيعزز من دور المملكة في ريادة العالم الإسلامي».

لكن النائب العام السعودي، ترك فكرة تنقيح السنة من النصوص الكاذبة مفتوحًا على مصراعيه، دون أن يحدد آليات هذا التنقيح وعلى ماذا سيستند العلماء العاملون بتلك الهيئة خلال عملية التنقيح.

بمعنى هل سيعتبرون ثوابت ما استقر عليه المنهج الوهابي مثلا في الأصول والفروع هو المعيار الذي ستوزن به متون تلك الاحاديث؟ بمعنى أوضح: في قضايا المرأة مثلا بداية من طبيعة ملبسها وانتهاء بتوليها الولاية العامة او الخاصة هل سيتعاملون مع النصوص بروح المنهج السلفي الوهابي المستقر منذ عقود في المملكة.. أم أن مقتضيات هيئة الترفيه مثلا ستكون لها كلمة في معايير تنقيح تلك الأحاديث؟

خلفيات العمل إذن وسياقه الذي يتحرك فيه هو الذي اقتضى تدافع تلك الأسئلة وغيرها العشرات حول تفاصيل هذا العمل ومخرجاته!!

Image result for ‫الشيخ بن باز‬‎

الشيخ بن باز

Related image

الشيخ بن عثيميين

محاربة التطرف

هدف آخر من أهداف السعودية لإنشاء تلك الهيئة، كشفته “وزارة الثقافة والإعلام السعودية” بشكل صريح ومعلن، وأكّده مراقبون، وهو ما يتمثل في محاربة التطرف من خلال إخراج الأحاديث التي تحضّ على العنف من وجهة نظر السلطة، خصوصًا مع تنامي ظاهرة الانتماء لتنظيم الدولة “داعش” والذين يعتمدون على نصوص نبوية معينة في محاربة السلطة.

وزارة الثقافة والإعلام السعودية قالت ذلك صراحة؛ حيث أكدت أن المملكة ستراقب من خلال تلك الهيئة تفسير أحاديث النبي محمد؛ لكيلا تستخدم في تبرير العنف أو الإرهاب، وأن هدف الهيئة هو “القضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة وأي نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام وتبرر ارتكاب الجرائم والقتل وأعمال الإرهاب”.

ووفقًا لمراقبين فإنّ “إعلان الدولة صراحة” لتنقيح السنة من أحاديث التطرف، قد يكون مدخلًا من مداخل الدولة، لحذف الأحاديث المتعلقة بالجهاد، وتوجيه الاتهامات لتلك الأحاديث بأنها مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، رغم ثبوت صحتها في كتب التراث الإسلامي.

وفي حال صعوبة تكذيب أحاديث نبوية ثابته في كتب “السنة” المعروفة كالبخاري وغيره، ربما ستلجأ تلك “الهيئة” إلى تفسير تلك الأحاديث بتفسيرات تختلف عن مضمون الجهاد أو القتال، خاصة وأنّ التوجه السعودي الحالي، هو تقديم نموذج مختلف للمفاهيم والقيم الإسلامية، وتغيير الصورة النمطية عن أساسيات الفكر الوهابي الذي تأسست عليه الدولة السعودية.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” لمحررة الشؤون الدينية هارييت شيرود، فإنّ مهمة هذا المجمع ستكون “تنقية الأحاديث النبوية، كوسيلة لمحاربة التفسير المتطرف للدين، خاصة وأن القيادة السعودية تهتم أكثر بصورتها والعلاقات العامة، وتريد بشكل عاجل معالجة التطرف لديها.

وأشار التقرير إلى أنّ السعودية، تسعى لتغيير الصور النمطية التي أخذت عنها بأنها، مصدرة للإرهاب والتطرف في العالم، حيث تتهم السعودية  بأنها رعت ما وصفته بالإرهاب منذ ستينيات القرن الماضي، وأنفقت جهودًا بملايين الدولارات؛ لتصدير الفكر الوهابي للعالم الإسلامي، بما فيها المجتمعات المسلمة في الغرب”.

وربما بحسب مراقبين تريد السعودية “احتكار السنة النبوية” من خلال تقديمها بصوره تراها هي، مجردة من كل الأحاديث التي لا ترغب فيها، السلطات الجديدة بقيادة “بن سلمان”، أو على الأقل يكون تفسيرات تلك الأحاديث مختلفة عما اصطلح وتعارف عليه منذ عشرات السنين.

Image result for ‫شعار هيئة الترفيه‬‎

هيئة الترفيه بالسعودية

التحولات الفكرية للمملكة

ربما تكون “هيئة السنة النبوية” الجديدة، هي أيضًا استمرارًا لعملية التحولات الفكرية التي تشهدها المملكة على يد “بن سلمان” فالدولة التي كانت تقدم نفسها كدولة، سنية، سلفية، تسير على المنهج النبوي، تتجه وبقوة تجاه العلمانية بقيادة الأمير الشاب والحالم بالملك “محمد بن سلمان”.

ويرى مراقبون أنَّ السعودية من أكثر دول العالم استغلالًا للسنة النبوية، حيث إنها حين أرادت أن تقدم نفسها كدولةٍ سنيةٍ، ادّعت أنها تطبق الشريعة وتدافع عن السنة، واستغلت في ذلك تراثا كبيرًا من أحاديث النبي الكريم، تُحرِّم الخروج على الحاكم وتفرض الالتزام والخضوع له.

وحين قررت “المملكة” الخروج من العباءة السلفية، والتقرب من الغرب، استغلت الأحاديث أيضًا استغلالًا واضًحا من خلال هيئة تنقح الأحاديث التي تحض على العنف والتطرف، وفقا لقولها.

ووفقا لمدير مشروع الإصلاح في العالم العربي والإسلامي بمعهد الأبحاث الإعلامية للشرق الأوسط منصور الحاج فإن إنشاء الهيئة “يصب في مصلحة التوجه الجديد” لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

ووعد ولي العهد السعودي بتنفيذ خطة إصلاحية يُطلق عليها اسم “رؤية 2030” تتضمن إصلاحات اقتصادية واجتماعية.

ويرى الحاج أن محمد بن سلمان “يهدف إلى التقرب من الغرب والتبرؤ من التراث السلفي الوهابي ليقدم نفسه قائدًا للتحديث”.

وعلى الرغم من اتفاق الحاج مع ضرورة مراجعة التراث الإسلامي، يرى أن بن سلمان يستخدم التراث ذاته للبقاء في السلطة.

ويذهب الحاج إلى أن السماح بحرية التعبير ضرورة من ضرورات إصلاح الفكر الديني، لكنه شكك في مدى فاعلية فرض الدولة لهذا الأمر.