فجعت العاصمة اللبنانية بيروت أمس الثلاثاء بكارثة حقيقية إثر انفجار هائل أودي بحياة أكثر من 120 شخص وأكثر من 4 آلاف جريح، فضلا عن خسائر مادية فادحة حيث دُمّر 80% من مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت، الذي تمر عبره أغلب الصادرات والواردات، فيما بلغ حجم الخسائر الأولية المباشرة لانفجار مساء الثلاثاء نحو 100 مليون دولار، وسط تحذيرات من أزمة غذاء حادة على الأبواب.

وتضاربت الروايات الرسمية وغير الرسمية بشأن السبب الحقيقي وراء الحادث، فبينما تحدثت وسائل إعلام لبنانية عن كون الانفجار ناتج عن اشتعال مخزن للألعاب النارية، قال رئيس الوزراء اللبناني إن الانفجار ناجم عن اشتعال مواد متفجرة من نترات الأمونيوم كانت مصادرة منذ بضعة سنوات في العنبر 12 بمرفأ بيروت.

مدينة منكوبة

وفي إعلان يعبر عن حجم الفاجعة التي حلت بالعاصمة اللبنانية، أعلن مجلس الدفاع الأعلى اللبناني بعد اجتماع له أمس، أن العاصمة بيروت، مدينة “منكوبة” ، مع إعلانه حالة الطوارئ لمدة أسبوعين.

 وقال المجلس في بيان، إنه شكّل لجنة تحقيق في الانفجار ترفع تقريرها خلال خمسة أيام إلى المراجع القضائية المختصة.

بدوره، قال الرئيس اللبناني ميشال عون، في بداية اجتماع المجلس، إن “كارثة كبرى حلت بلبنان، مشدداً على “ضرورة التحقيق في ما حدث وتحديد المسؤوليات، ولا سيما أن تقارير أمنية كانت أشارت إلى وجود مواد قابلة للاشتعال والانفجار في العنبر المذكور (المستودع رقم 12 بمرفأ بيروت)”. كما أفاد بأن “اتصالات عدة وردت من رؤساء دول عربية وأجنبية للتضامن مع لبنان في محنته وتقديم المساعدات العاجلة في مختلف المجالات”.

من جهته توعد رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب، أمس الثلاثاء، المسؤولين عن كارثة مرفأ بيروت، من دون تسميتهم، قائلاً: “المسؤولون عن الكارثة سيدفعون الثمن، هذا التزام وطني”، موضحاً: “من غير المقبول أن تكون شحنة من “نيترات الأمونيوم” تقدّر بـ 2750 طناً موجودة منذ ست سنوات في مستودع من دون اتخاذ إجراءات وقائية، معرضة سلامة المواطنين للخطر”.

وقال خبراء في المعهد الأمريكي للجيوفيزياء، إن الانفجار الذي وقع أمس سجل قوة زالزالية تعادل 3.3 درجة على مقياس ريختر، لكن مرصد الزلازل الأردني أكد أن “انفجار بيروت يعادل طاقة زلزال بقوة 4.5 درجات على مقياس ريختر”، واصفا الطاقة المتحررة من التفجير بأنها “قوية جدا”.

وفي موقع الانفجار الذي شعر به السكان وصولا الى جزيرة قبرص على بعد 200 كلم من المكان، يبقى المشهد مأساويا. ففي مرفأ بيروت شوهدت جثث وأشلاء، وتحوّلت المستوعبات إلى ركام.

وتضررت من الانفجار ممتلكات عامة وخاصة، وأبنية وسيارات في أحياء عديدة، لا سيما قصر “بعبدا” الرئاسي، ومطار رفيق الحريري الدولي، إضافة إلى انهيار بناية من ثلاثة طوابق.

 ونقلت وكالة “رويترز” عن وزير الاقتصاد اللبناني، راؤول نعمة، قوله إن صومعة الحبوب في ميناء بيروت دُمرت بالانفجار، مؤكدا في المقابل أن البلاد تملك مخزونا كافيا، بجانب سفن في الطريق، مما سيغطي احتياجاتها.

وفي ظل مخاوف على انعكاسات مدمرة للاقتصاد المنهك، أفاد بيان لمصرف لبنان المركزي بأن البنوك ستعاود فتح أبوابها الخميس وأن حاكم المصرف سيجتمع بمجلس إدارة البنك لاتخاذ خطوات لمعالجة الكارثة الناجمة عن انفجار الثلاثاء.

أسباب مرجحة

وأثار انفجار نحو 2750 طنّا من نترات الأمونيوم، تساؤلات عديدة عن مصدرها، وكيفية وصولها إلى مرفأ بيروت، واللافت أن تقارير أكدت وصول هذه المواد قبل نحو ست سنوات.

 فبحسب موقع “Shiparrested” المختص بمتابعة أخبار حركة السفن، والعوائق التي تواجهها حول العالم، فإن السفينة التي كانت تحمل هذه المواد، توجهت من مرفأ باتومي بجورجيا إلى مرفأ بيرا في موزمبيق قبل نحو سبع سنوات، وتحديدا في 23 أيلول/ سبتمبر 2013، إلا أنها توقفت في بيروت نتيجة لعطل فني.

ووفق الموقع أن المشكلة التي حصلت حينها، هي أن السلطات اللبنانية فتّشت السفينة التي كانت ترفع العلم المولدوفي، وعند فحصها لهذه المواد المتفجرة، منعتها من مواصلة الرحلة، ما دفع طاقمها للتخلي عنها والمغادرة، علما بأن مالك السفينة روسي الجنسية.

بعد ذلك بشهور، أفرغت سلطات مرفأ بيروت حمولة السفينة ونقلتها إلى العنبر 12، وبقيت منذ ذلك الحين دون أي تدخل أو محاولة لإزالتها، قبل وقوع الكارثة.

ونوّه موقع “Shiparrested” في تقريره الصادر في تشرين أول/ أكتوبر 2015، إلى أن السلطات اللبنانية كانت تحتجز أفرادا من طاقم السفينة، قبل أن تسمح لهم بالمغادرة، وأوضح الموقع أن قضايا عدة رفعت ضد السفينة من قبل الدائنين، ونظرا لعدم السماح لها بالمواصلة نحو هدفها في موزمبيق فقد منيت بخسائر كبيرة دفعت جميع من له علاقة بها إلى التخلي عنها. 

ومنذ 2015، قال الموقع إن على السلطات اللبنانية القيام بإحدى أمرين للتخلص من هذه المواد الخطيرة، الأول عرضها في المزاد العلني، والثاني إتلافها بالطرق السليمة. 

 في غضون ذلك، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ الانفجارين القويّين اللذين هزّا العاصمة اللبنانيّة بيروت يبدو كأنّهما “اعتداء رهيب”، مشيراً إلى أنّ خبراء عسكريّين أميركيّين أبلغوه بأنّ الأمر يتعلّق بقنبلة. 

وقال للصحافيّين: “لدينا علاقة جيّدة جدّاً مع شعب لبنان، وسنكون هناك للمساعدة. يبدو كأنّه اعتداء رهيب”. وأضاف: “قابلتُ جنرالاتنا، ويبدو أنّه لم يكن حادثاً صناعيّاً. يبدو، وفقاً لهم، أنّه كان اعتداءً. كان قنبلة ما، نعم”.

إسرائيل وحزب الله

وفي حين لم يتم بعدُ الجزم بالسبب الحقيقي للانفجار؛ إلا أن خبراء لم يستبعدوا تورط “حزب الله” اللبناني في الحادث بسبب نشاطاته المتعلقة بما يجري في الميناء الحساس، وما كان يجري تخزينه هناك.

وقالت مصادر لبنانية إن معظم العمليات في الميناء كانت تحت سيطرة “غير رسمية” لحزب الله، وظهرت مؤشرات على اندلاع حريق في مستودع للمتفجرات داخل المنشأة. ، وأن الانفجار قد يكون شَمِلَ “حاويات متعددة”، حيث تعددت الاتهامات بأن حزب الله يمد نفوذه لمرفأ بيروت.

.وحسب هذه الاتهامات فإنه بفعل الحصار على إيران، فقد حزب الله الكثير من القوة والدعم المالي، لذلك لجأ الحزب، إلى توسيع دائرة التهريب واستباحة مرفأ ومطار بيروت الدولي، وتبييض الأموال والتجارة بالمخدرات.

ويوجه للحزب اتهامات بأنه يحمي شبكة من تجار المخدرات والتهريب، والتهرب الضريبي وتبيض الأموال والسيطرة على مرفأ بيروت والمطار.

كما صدرت هذه الاتهامات من إسرائيل، حيث سبق أن اتهم مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون إيران بأنها تنقل معدات إلى حزب الله بحراً عن طريق مرفأ بيروت كما تنقلها جواً من مطار دمشق إلى مطار بيروت.

سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة قال إنه في عامي 2018 و2019 “وجدت إسرائيل أن إيران وفيلق القدس شرعا في التحرك لاستغلال القنوات البحرية المدنية لا سيما ميناء بيروت”. وقال إن “ميناء بيروت أصبح الآن ميناء حزب الله”.

الأمر الذي استدعى رداً من الحزب إذ سبق ونفى أمين عام حزب الله حسن نصر الله اليوم اتهامات إسرائيلية بأنه يستخدم مرفأ بيروت ومطارها لنقل السلاح، وقال نصر الله “أنا أنفي نفياً قاطعاً ادعاء المندوب الإسرائيلي في مجلس الأمن أن حزب الله يستخدم مرفأ بيروت لنقل سلاح أو مكونات سلاح إلى لبنان”.