إبراهيم سمعان

أكد عبدالله العودة، زميل ما بعد الدكتوراه في كلية القانون في جامعة ييل والزميل البارز في مركز التفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورج تاون، أنَّ ولي العهد السعودي الأمير بن سلمان يعيد المملكة إلى العصور الوسطى في الوقت الذي يتحدَّث فيه عن نقلها إلى المستقبل.

وأوضح في مقال له بصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أنَّ ولي العهد السعودي يعيد المملكة إلى عصر ما قبل الحداثة، على خلاف أسلافه الذين وعدوا أو حاولوا تنفيذ نوعٍ ما من الآليات الديمقراطية.

 

وإلى نص المقال:

منذ تأسيس النظام الحالي في السعودية في الثلاثينيات، وعدت سلسلة من الملوك وأولياء العهد- أو حاولوا- بتنفيذ نوع ما من الآليات الديمقراطية.

مع ذلك، يبدو أن ولي العهد الحالي محمد بن سلمان عازم على إعادة المملكة إلى قواعد ما قبل الحداثة؛ حيث يعتمد نظامًا ملكيًا مطلقًا بمزيد من الصرامة والإصرار يفوق أسلافه.

وفي مقابلة مع مجلة “ذا أتلانتك”، قال بن سلمان: “إن الملكية المطلقة لا تشكِّل تهديدًا لأي دولة”. وأضاف: “إذا لم تكن هناك ملكية مطلقة، لما كانت هناك الولايات المتحدة. ساعد النظام الملكي المطلق في فرنسا على إنشاء الولايات المتحدة من خلال دعمها. الملكية المطلقة ليست عدوة للولايات المتحدة. إنها حليف لوقت طويل للغاية”.

فشل بن سلمان في ملاحظة أنَّ المستعمرات كانت تثور ضد الملكية المطلقة. بهذا الإعلان، تبنّى بن سلمان تمامًا موقف ما قبل الحداثة الذي تَمّ التخلي عنه تقريبًا من قبل جميع أسلافه، بما في ذلك جده، الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة العربية السعودية المعاصرة. في التبشير بالملكية المطلقة والتخلي عن مجرد وعد الديمقراطية، أصبح نهج بن سلمان تجاه الملكية باليًا أكثر من نهج جده.

في عام 1924، عندما غزا الملك عبد العزيز الحجاز، واحدة من أهم المناطق في شبه الجزيرة العربية حيث تقع مكة، وعد بمجلس منتخب، وسياسة تشاركية تقوم على مبدأ الشورى في الإسلام، والحرية المطلقة. وندد الملك عبد العزيز بالانتخابات المزيفة والبرلمان الأسمى والوعود التي لم يتم الوفاء بها للشعب. في المجلس المنتخب الذي اقترحه، سيكون للأعضاء المنتخبين السلطة لفحص الإجراءات التنفيذية، والموافقة على الميزانية واقتراح التشريعات. وفي عام 1926، صاغ الملك عبد العزيز وثيقة تشبه الدستور قدمت الإطار النظري لدرجة من المساءلة وتقاسم السلطة.

هذه البادرة نحو الدستورية لم تتحقق في نهاية المطاف، لكن الأمل والإطار النظري للديمقراطية ظلا قائمين. في عهد الملك سعود، الملك الأول بين أبناء عبد العزيز، تم تنفيذ اقتراح تحويل النظام إلى نظام ملكي دستوري. ونشر الأمير طلال بن عبد العزيز “رسالة إلى المواطن” احتوت على العناصر الأساسية للملكية الدستورية المقترحة التي كان من المقرر تنفيذها بحلول عام 1960. وفي الدستور المقترح، كان يجب حماية حقوق الإنسان والحريات العامة. كما يحمي الدستور المقترح الحق في تأسيس النقابات، وهو حق لم يدمج في أي تشريع سعودي لاحق. وعندما تم تنصيب الملك فيصل رسميًا عام 1964، تم إلغاء المشروع الدستوري.

 

وفي عام 1975، أكد ولي العهد حينها الأمير فهد على الأساس الديمقراطي للإسلام، وعندما أصبح ملكًا في عام 1982، وعد بمجلس يشبه البرلمان وبانتخابات شعبية. ولم يحدث شيء أبدًا. وكان شقيقه وولي العهد عبد الله، قد أحيا الوعود بالديمقراطية والملكية الدستورية في عام 2003، بعد أن وقع عدد من المفكرين والناشطين من جميع جوانب الطيف السياسي التماسًا موجهًا إليه بعنوان “رؤية لحاضر الأمة ومستقبلها”. وطالب الالتماس بالانتخابات وفصل السلطات وضمانات حقوق الإنسان ووضع حد للاعتقالات التعسفية في المملكة. وعندما التقى ممثلو المجموعة مع ولي العهد عبد الله، علق على عريضتهم قائلًا: “رؤيتكم هي رؤيتي، ومشروعكم مشروعي”.

وتبع ذلك عدة التماسات مماثلة. أكثرها شعبية هو التماس حمل عنوان “نحو دولة الحقوق والمؤسسات”، الذي قدَّمه الباحث البارز سلمان العودة (الذي مازال  في السجن منذ سبتمبر الماضي)، وبعض أصدقائه ووقعه عدة آلاف من المواطنين.

شكل الالتماس ذروة النشاط الشعبي في السعودية للملكية الدستورية والديمقراطية في المملكة، من المحتمل أن تكون هذه الظاهرة، التي يشار إليها عادة باسم الربيع العربي، بمثابة عامل محفز لشعبية العريضة. ومع ذلك، فإن عبد الله، الذي كان قد تولَّى العرش، لم يقدِّم وعدًا بالديمقراطية هذه المرة.

وعد بن سلمان البالغ من العمر 32 عامًا بفترة طويلة من الحكم الملكي المطلق وقبضة أقوى على السلطة، وبينما بشكل مثير للسخرية، وعد بمستقبل اقتصادي مشرق تجسده مبادرته لمدينة من القرن الحادي والعشرين (نيوم)، وعد أيضًا بنكوص ديني بما يعيد نفس الظروف التي أدَّت إلى أكثر الهجمات الإرهابية سيئة السمعة في البلاد في عام 1979.

لم يكن الملوك وولاة العهد السابقون متحمسين لاحتضان الديمقراطية، وربما لم يتحركوا بصدق حيالها، لكن مناورتهم بقبول الديمقراطية كنهاية سمحت بحدوث بعض التفاعل الصحي بين الناس والملوك.  مع مثل هذه التفاعلات، كانت هناك دائمًا فرصة عظيمة لإبرام عقد اجتماعي ذي معنًى بين الناس والعائلة المالكة من أجل تأسيس مستقبل أكثر ديمقراطية وثباتًا.
يشير تغير العقلية مع بن سلمان نحو تبنّي السلطة المطلقة الأبدية، إلى تحول دراماتيكي عن الوعود الديمقراطية السابقة التي قدمت بعض الأمل للمستقبل، على الرغم من أن أيًا منها لم يتحقق أبدًا. اكتسبت الإدارة السعودية الجديدة سمعة إيجابية في الصحافة بسبب خطابها المستقبلي، بما في ذلك الحديث عن مدينة مأهولة بالروبوت، والسماح للنساء بقيادة السيارات. لكن لا محالة، نحن نشهد عودة إلى ماضي السعودية. في التخلي عن وعد الديمقراطية، قد يكون ولي العهد في طريقه لجعل السعودية في العصور الوسطى أكثر من أي وقت مضى.