“تدفقوا إلى الشوارع من المنازل والمقاهي، وارتفعت هتافاتهم فوق أصوات الألعاب النارية وإطلاق النار الاحتفالي”… هكذا كان منظر اليمنيون وهم يحتفلون بفوز منتخب الشباب لكرة القدم على غريمه السعودي، الذين كانوا يضيئون أضواء هواتفهم المحمولة – في بعض المحافظات – وهم يشاهدون بث المباراة النهائية لكرة القدم للناشئين في غرب آسيا بين اليمن والسعودية يوم 13 ديسمبر/كانون الأول.
بعد سبع سنوات من الانقسام، توحد اليمنيون يوم الإثنين بعد “خبر سار نادر” في بلد مزقته حرب أهلية دامية، حيث فاز فريق كرة القدم للشباب تحت سن 15 عامًا ببطولة غرب آسيا لكرة القدم للناشئين، وهزم المملكة العربية السعودية في نهائي البطولة وفاز باللقب.
فجر الفوز مشاعر الفخر الوطني في جميع أنحاء البلاد، من الشمال – حيث يسيطر الحوثيون المدعومون من إيران – إلى الجنوب، الذي لا يزال تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، المدعومة من الرياض.
في المدن التي هزتها الغارات الجوية والتفجيرات والقصف في السنوات الأخيرة، نزل الناس إلى الشوارع للاحتفال، واغتنموا الفرصة للاستمتاع – ولو للحظة – بالطعم المنسي للفرح غير المقيد.
تصاعدت الاحتفالات بشكل كبير لدرجة أن وزارة الصحة التابعة للحوثيين أصدرت تحذيرًا للسكان بالبقاء في منازلهم وتجنب الأماكن المفتوحة بسبب خطر الرصاص الطائش الذي أطلقه الأهالي احتفالاً باللقب.
قال علاء حسين محمد، 30 عاما، الذي شاهد المباراة مع أصدقائه في مدينة عدن الجنوبية، حيث يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي الذي ينافس الحكومة على الحكم، “كانت الشوارع مزدحمة والجميع يهتفون (بالروح والدم نفديك يا اليمن)”
وتابع “لم يكن هناك مكان للسياسة… كنا جميعًا واحدًا: في الشمال، في الجنوب، في كل مكان “.
تغلب فريق الشباب على عقبات ضخمة ليحقق الفوز، هؤلاء اللاعبون الذين لم يتجاوزا الخامسة عشر من عمرهم عاشوا نصف حياتهم في بلد يعاني من كل معاني القسوة والحرمان والعنف.
اليمن غارق في الحرب منذ حوالي سبع سنوات، سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء عام 2014، مما أجبر الحكومة المعترف بها دوليًا على الانتقال إلى عدن، ثم تدخل تحالف عسكري تقوده السعودية في عام 2015، لتزداد الحرب ضراوة تحول بعدها اليمن إلى أفقر بلد في العالم، وبحسب الأمم المتحدة، قُتل أو شُوه أكثر من 10 آلاف طفل يمني منذ عام 2015.
في العام الماضي، تصاعد القتال بشكل كبير في محافظة مأرب الغنية بالغاز، وهي معقل مهم للحكومة في الشمال حيث يتنافس الحوثيون الآن على السيطرة عليها.
نزح الملايين من المدنيين، وحذرت الأمم المتحدة هذا العام من أن حوالي 16 مليونًا “في طريقهم نحو المجاعة”، في بعض أجزاء البلاد، يعيش المدنيون بالفعل في ظروف شبيهة بالمجاعة.
قدم فوز مساء الاثنين للمدنيين الإغاثة التي هم بأمس الحاجة إليها من مصاعب الحياة اليومية في منطقة حرب.
شاهدت أسيل عبد الله العبسي، 23 عامًا، طالبة طب أسنان في تعز، المدينة اليمنية القديمة التي ابتليت بالعنف لسنوات، المباراة مع أصدقائها، بعد الفوز، هرعوا إلى شارع جمال، أحد الطرق الرئيسية في تعز، “وتبادلنا فرحتنا مع الناس”.
تابعت “كان الشارع مليئًا بالسيارات… كنا نطير من السعادة”.
بسام حسن القحطاني، 24 عاما، صيدلاني في صنعاء، توجه إلى ملعب مع العشرات من أصدقائه لمشاهدة المباراة التي أقيمت في السعودية، وتم بثها على شاشات كبيرة، قال: “كان الجو العام رائعًا”.
بالنسبة له، أضاف الفوز على السعودية أهمية أكبر لهذا النصر، وقال “سعادتنا اثنان: واحدة للفوز بالكأس والثانية بالفوز على السعودية”.
لكن الأهم من ذلك، أنها قدمت له لمحة من التفاؤل الذي كان مفقودًا منذ فترة طويلة في اليمن.
وقال: “لقد جلب النصر الأمل لنا جميعًا أنه حتى خلال المعاناة والمصاعب التي نمر بها بسبب الحرب، هناك أمل”.
اتفق العبسي، طالب طب الأسنان، مع القحطاني في أن هذا الفوز أحيى الأمل في النفوس اليائسة، وقال إن سعادته كانت “أكثر مما أستطيع التعبير عنه بالكلمات”.
وأضاف “لقد عانينا من تراكم المشاكل والبؤس الناجم عن الصراع… إن رؤية البلد وهو يجتمع في الاحتفال يظهر مدى اتحادنا كأمة يمنية”.
على صعيد آخر، اندلعت الاحتفالات في حي الدقي بالقاهرة، حيث يعيش العديد من اليمنيين، وكان من بين الذين تجمعوا في الخارج للتعبير عن فرحتهم بالفوز عبد الغني علي عبد الله البرتاني، 36 عامًا، الموجود في القاهرة مع شقيقه، والذي يعالج من سرطان الكبد.
مثل العديد من المدنيين الذين يسعون للعلاج في الخارج، فقد تحملوا رحلة صعبة من صنعاء، حيث تدهور النظام الصحي خاصة بعد قصف المستشفيات، وأغلق المطار منذ سنوات بسبب القيود السعودية المفروضة على المجال الجوي للبلاد.
بعد كل هذه المصاعب، قدم فوز يوم الاثنين “سعادة لا يمكن تفسيرها”، على حد قول البرتاني، وأضاف “كانت الفرحة لجميع اليمنيين… حتى أولئك الذين يقاتلون بعضهم البعض، كان الجميع سعداء”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا