الهزائم تلاحق حلفاء روسيا في ليبيا… وموسكو متمسكة بتحقيق أهدافها
مع تصاعد التوغل الروسي في ليبيا، اتهم البنتاغون الرئيس فلاديمير بوتين بمحاولة قلب التوازن في حرب أهلية هناك، كما فعل في سوريا، خاصة بعد أن كشف الجيش الأمريكي عن وصول أكثر من اثنتي عشرة طائرة عسكرية روسية إلى ليبيا الشهر الماضي مع طمسها برموز مختلفة عن رموز الجيش الروسي لإنكار تبعيتها له.
وكما هو الحال في سوريا، تشمل مصالح روسيا في ليبيا توسيع نفوذها العسكري والسياسي في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن شنها حرب بالوكالة مع منافسين إقليميين مثل تركيا.
روسيا حريصة على الاستحواذ على عقود النفط في ليبيا، لكن يعتقد المسؤولون العسكريون الأمريكيون أن الهدف الاستراتيجي للكرملين هو تأمين قواعد عسكرية على الجناح الجنوبي لأوروبا.
أي القوات تدعمها روسيا؟
تدعم روسيا قوات خليفة حفتر -قائد المتمردين- في محاولة منها للاستحواذ على عقود الطاقة المستقبلية وصفقات أخرى بقيمة المليارات في ليبيا -الغنية بالنفط-، إلا أن حليف روسي في ليبيا، عانى من سلسلة من الهزائم في الأشهر الأخيرة حيث حاولت ميليشياته الإطاحة بالحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وتثبيت نفسه كحاكم ليبي.
أحدث تلك الهزائم كان الجمعة الماضية، حين سيطرت قوات الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة – المدعومة من تركيا ودول أخرى – على ترهونة، آخر معقل غربي ليبيا لمقاتلي حفتر.
رأى المحللون أن استعادة مدينة ترهونة، التي تقع على بعد 40 ميلاً جنوب شرق طرابلس، يمثل ضربة أخيرة لحصار حفتر لطرابلس ومحاولته التوسع خارج قاعدته في شرق ليبيا.
اندلعت الحرب الليبية عام 2011، منذ أن فتحت الناتو الطريق أمام قوات المتمردين، التي قتلت الدكتاتور معمر القذافي، ومنذ
ذلك الوقت تتجنب روسيا وجودًا عسكريًا مباشرًا في ليبيا – على عكس سوريا حيث ساعدت القوات الجوية الروسية والبحرية والوحدات الأخرى حليف موسكو منذ فترة طويلة، الرئيس بشير الأسد.
بدلاً من ذلك، بدأت روسيا منذ العام الماضي في نشر مرتزقة لدعم حفتر، محققة أهدافها الاستراتيجية تحت عباءة الإنكار المريحة، وبحسب ما ورد تم إرسال نحو 1200 من المقاتلين الروس من مجموعة واغنر التي يسيطر عليها يفغيني بريغوجين، وهو رجل أعمال له علاقات وثيقة مع الكرملين، وعلى الرغم من أن بوتين لم ينف وجود مرتزقة مجموعة واغنر في ليبيا، إلا أنه قال أيضًا في يناير/كانون الثاني إنهم لا يمثلون روسيا أو مصالحها.
إن سياسة روسيا الغامضة في ليبيا تخاطر بتعميق مواجهة روسيا مع تركيا العضو في الناتو، والتي تدعم الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس، خاصة بعد تزويد حفتر بطائرات حربية قد تعرقل عملية السلام.
من يقف بجانب روسيا؟
روسيا ليست القوة الأجنبية الوحيدة التي تتدخل في الصراع الليبي، ولا تحارب منفردة، بل لديها حلفاء أجانب يقفون إلى جانب حفتر ويسعون لتحقيق ذات الأهداف الروسية.
ومن بين الداعمين الآخرين لحفتر، دولة الإمارات العربية المتحدة التي تزود ميليشياته بأسلحة متطورة بما في ذلك نظام الدفاع الجوي الروسي بانتسير إس -1 وطائرات بدون طيار صينية.
كما يحظى حفتر أيضًا بدعم من مصر والمملكة العربية السعودية والأردن وفرنسا وعدد من الدول الأخرى، حتى أنه تلقى مكالمة هاتفية من الرئيس ترامب العام الماضي – غير مفهومة- على الرغم من أن وزارة الخارجية الأمريكية تصف الآن حفتر بأنه “كيان مواز غير شرعي”.
في المقابل، تدعم كل من تركيا وقطر وإيطاليا حكومة الوفاق الوطني الشرعية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
المحلل العسكري الروسي بافل فيلجنهاور من مؤسسة جيمستاون قال في حديثه للصحيفة “روسيا تريد موطئ قدم في ليبيا وهذه حقيقة” مشيراً أنه لم يتضح بعد أن بوتين يخطط لتدخل كبير على غرار سوريا.
وأضاف: “في سوريا فعام 2015، كان هناك قرار متعمد ببدء عملية كبيرة لنشر القوات العسكرية”، وتابع “أما هنا ]ليبيا[، هناك آراء مختلفة حول كيفية المضي قدما وليس من الواضح أنه كان هناك قرار للقيام في ليبيا بما تم القيام به في سوريا”.
وأشار إلى أن مواقع الإنترنت الموالية للكرملين والتلفزيون الروسي لم تحاول “زيادة الدعم الشعبي” لتكثيف التدخل الروسي في ليبيا ضد تركيا وحلفائها في ليبيا، بالإضافة إلى أن بوتين لا يزال على اتصال وثيق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ما يعني أنه “لا يوجد مثل هذا القرار السياسي للتصادم وجها لوجه في الوقت الراهن”.
ما دلالة إرسال طائرات حربية؟
وفقًا لمسؤولين أمريكيين، تعمل روسيا مع سوريا لنشر مقاتلين سوريين موالين للأسد إلى جانب حفتر، ويتوقع المحللون أن إرسال حوالي 14 طائرة روسية من طراز MiG-29 و Su-24 إلى سوريا لن يساهم إلا في تعميق النزاع على الأرجح.
ووفقا للمحللين، تلعب روسيا لعبة مزدوجة، حيث تشجع الدبلوماسية من جهة في محاولة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتقاسم السلطة، ومن جهة أخرى ترسل طائرات ومرتزقة في محاولة لدعم حليفها حفتر في الشرق الغني بالنفط.
تم إرسال الطائرات والمرتزقة الروس لتعزيز موقف حفتر العسكري وتعزيز قوته التفاوضية في المفاوضات وفقًا للمحلل الروسي صموئيل راماني، مرشح الدكتوراه في قسم السياسة والعلاقات الدولية بجامعة أكسفورد، موضحاً “إن هدف روسيا هو التقسيم الفعلي لليبيا، ومنحها نفوذاً في الشرق”.
وقال “الآن بعد أن تراجع حفتر، فإن استخدام روسيا للقوة الجوية لا يمكنه إلا في أحسن الأحوال أن يعطل تركيا وتقدم حكومة الوفاق الوطني، لذا تستخدم روسيا عملياتها العسكرية لكسب الوقت لجلب حفتر إلى طاولة المفاوضات”.
وأضاف أن هدف روسيا هو لعبة ثلاثية: رفع العقوبات عن قوات حفتر، وجعله يعترف بالحكومة التي أنشأتها الأمم المتحدة في طرابلس و “إضفاء الطابع المؤسسي على هيمنة حفتر على شرق ليبيا”، الأمر الذي قد يفتح الطريق أمام صفقات الطاقة الروسية.
من جهة أخرى، يحاول بوتين إعادة مكانة روسيا كقوة عالمية، وتعويض الخسائر التي خسرتها دولته بعد الإطاحة بالقذافي، حيث خسرت روسيا مليارات الدولارات من قيمة العقود التي وقعتها مع القذافي بعد الإجراءات اتخذتها منظمة حلف شمال الأطلسي في ليبيا عام 2011.
أين الدبلوماسية في المشهد؟
في يناير/كانون الثاني الماضي، حاول بوتين وأردوغان الضغط على حفتر وزعيم الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، فايز سراج، للتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في موسكو، لكن حفتر خذل بوتين برفضه التوقيع، كما فشل مؤتمر لاحق في برلين في وقف القتال.
بافيل فيلجنهاور من مؤسسة جيمستاون، قال إن موسكو أقل اهتمامًا بالقواعد العسكرية المحتملة من السعي للحصول على عقود النفط وإعادة الإعمار، وأضاف ان روسيا تخطط بالفعل لإرساء قوة على الجانب الغربي من قواعدها البحرية والجوية في سوريا.
بالنسبة للعقود، يتطلب ذلك حكومة مستقرة، وبما أن حفتر فشل فشلاً مزريًا لأكثر من عام في الاستيلاء على طرابلس ولا يستطيع ذلك، فهذا يعني أن الوقت قد حان لفكرة تقاسم السلطة “.
منذ أن كشف الجيش الأمريكي عن الوجود الواضح للطائرات الحربية الروسية في ليبيا، انخرط وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مساعي دبلوماسية غاضبة، وتحدث إلى نظيره التركي مولود تشافوش أوغلو، ورئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، من أجل وقف إطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية.
نفى فيكتور بونداريف رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الشيوخ الروسي أن روسيا أرسلت طائرات حربية إلى ليبيا.
وقال “إذا كانت هناك أي طائرات في ليبيا، فهي سوفياتية وليست روسية”، مضيفا أنها يمكن أن تأتي من أي مكان.
قال المحلل الأمني مارك غاليوتي من كلية السلافية بجامعة كوليدج لندن “إن روسيا تحاول بشكل أساسي تأكيد مكانتها كقوة عظمى ووجهة نظرها هي أن القوة العظمى يجب أن تكون على طاولة حل أي قضية عالمية رئيسية… ولا يمكن حل أي شيء دون حضور روسيا ومراعاة مصالح روسيا.”
قال أندرو س. فايس ، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن بوتين أظهر شهية متزايدة للمخاطرة، وملأ الفراغ الذي تركته إدارة ترامب.
وقال في تعليقات بالفيديو على موقع كارنيجي على الإنترنت “نشهد نمطا أوسع بكثير من الانتهازية الروسية في الشرق الأوسط وأجزاء أخرى من العالم بعيدا عن الحدود المباشرة لروسيا”
.
اضف تعليقا