على مدى الست سنوات الماضية، دخل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في عداء مع أحد كبار مسؤولي المخابرات السابقين في المملكة أسفرت عن سلسلة من الدعاوى القضائية والدعاوى المضادة في المحاكم الأمريكية التي تسببت أيضاً في شرك كبار مسؤولي المخابرات الأمريكية والدبلوماسيين الذين يحكمون في النزاع.

 اتهم ولي العهد محمد بن سلمان، المسؤول الاستخباراتي السابق سعد الجبري، باختلاس المليارات واستغلال لنفوذه لنهب مال الدولة، في المقابل، أكد الجبري أن هذه افتراءات بسبب عداء بن سلمان له الذي أكد أنه قام بخطف أبنائه واحتجازهم كرهائن، كما دبر لاغتياله خارج البلاد.

 الآن، يواجه محمد بن سلمان سلسلة من الانتكاسات القانونية والدبلوماسية التي يمكن أن تعرقل قضيته ضد الجبري الذي بدوره لم يتراجع عن دعواه ضد بن سلمان.

الأسبوع الماضي، حكم قاضي المحكمة الجزئية الأمريكية ناثانيال إم جورتون أن الجبري “لا يستطيع الدفاع عن نفسه بشكل عادل ضد تهمة الاحتيال دون الكشف عن “معلومات سرية” حول أنشطة المخابرات الأمريكية السعودية التي تورط فيها.

 القضية حساسة للغاية لدرجة أن وزارة العدل تحركت في أغسطس/آب لاستدعاء امتياز “أسرار الدولة” لمنع أي إفشاء قد يكشف عن مصادر وأساليب استخباراتية، ومع حظر دفاع الجبري عن اللجوء إلى مثل هذه المعلومات، أمر جورتون محامي محمد بن سلمان بتقديم مذكرة بحلول 9 نوفمبر/تشرين الثاني “لإظهار سبب عدم رفض هذه القضية”.

 يقول خبراء إن هذا الحكم قد يؤدي أيضاً إلى رفض قضية مماثلة رفعها السعوديون في أونتاريو، كندا.

 كان الجبري هدفًا لمحمد بن سلمان جزئيًا لأنه عمل في مكافحة الإرهاب كمستشار رئيسي للأمير محمد بن نايف، خصم محمد بن سلمان، الذي خلعه من منصب ولي العهد 2017، وقام باحتجازه في مكان غير معلوم داخل المملكة -حتى الآن.

 بدأ محمد بن سلمان بمطاردة الجبري منذ إقالته في 2015، كما تقدم بطلب عام 2017 لاعتقال الجبري، لكن الإنتربول رفض هذا الطلب؛ بالإضافة إلى ذلك، منع بن سلمان اثنين من أبناء الجبري من مغادرة المملكة عام 2017، وفي عام 2020 قام باعتقالهما -حتى الآن؛ وبحسب معلومات وتقارير فإن بن سلمان قام باعتقال وتعذيب صهر الجبري -زوج ابنته- عام 2017.

 تتضمن العقبة القانونية الثانية جهود محمد بن سلمان لجعل الحكومة الأمريكية تدعم مطالبته بالحصانة السيادية ضد دعوى الجبري الذي يتهمه فيها بالمؤامرة لاختطافه أو قتله.

 زعمت دعوى الجبري، التي رفعت العام الماضي في محكمة اتحادية في العاصمة، أن عملاء أرسلهم محمد بن سلمان سافروا إلى كندا في أكتوبر/تشرين الأول 2018 للقبض عليه أو قتله، وبحسب الجبري فإن هذه المؤامرة وقعت بعد أسبوعين فقط من قيام فريق سعودي بقتل الصحفي السعودي في واشنطن بوست جمال خاشقجي في اسطنبول، في عملية تقول وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إنها تمت بإذن من محمد بن سلمان.

 طلبت السفارة السعودية العام الماضي أن يحصل محمد بن سلمان على حصانة سيادية من دعوى الجبري، و استندوا في ذلك في المذكرة التي تم إرسالها إلى وزارة الخارجية بأن ولي العهد يجب أن يتمتع “بحصانة قائمة على مكانته”، لأنه “يمارس العديد من صلاحيات رئيس الحكومة”، على الرغم من أن والده الملك سلمان هو العاهل السعودي الحالي.

يجادل طلب الحصانة، الذي راجعته صحيفة واشنطن بوست، بأن محمد بن سلمان يستحق أيضاً “حصانة تتعلق بالسلوك والتصرفات”، لأن أيا ما كانت الإجراءات التي ربما يكون قد اتخذها تنطوي على “ممارسة السلطات الحكومية للمملكة العربية السعودية”- من وجهة نظر السعوديين.

 وأضافت السفارة السعودية أنه حتى المزاعم بأن محمد بن سلمان “وجه محاولة قتل خارج نطاق القضاء لا يتغلب على حصانة التي يتمتع بها والتي تحمي ولي العهد بغض النظر عن جدية الادعاءات المقدمة”، لكنهم وبالرغم من ذلك نفوا تورط ولي العهد في اغتيال خاشقجي أو محاولة اغتيال الجبري.

 قدم السعوديون طلب الحصانة هذا في البداية إلى إدارة ترامب في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وكان لا يزال معلقًا عندما تولى الرئيس بايدن منصبه في يناير/كانون الثاني 2021، ولم توافق أي من الإدارتين على الطلب.

 قدم محامو محمد بن سلمان دعاوى حصانة مماثلة في ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى قاضي المحكمة الجزئية الأمريكية تيموثي ج. كيلي، في اقتراح لرفض دعوى الجبري، واستشهدوا بطلب الحصانة المقدم إلى وزارة الخارجية، لم يبت القاضي في الأمر، مما يجعل محمد بن سلمان عرضة لمطالبة بالإجابة على الأسئلة تحت القسم في دعوى الجبري.

 العقبة الأخيرة لمحمد بن سلمان هي دبلوماسية وليست قانونية: رفض بايدن حتى الآن مقابلته أو التحدث معه، والتقى مسؤولون أمريكيون كبار آخرون مع ولي العهد، بمن فيهم مستشار الأمن القومي جيك سوليفان الشهر الماضي، ويقول مسؤولون أمريكيون إنهم يريدون الحفاظ على علاقات ودية مع الحكومة السعودية بقدر الإمكان، لكن من الواضح أن ازدراء بايدن يزعج محمد بن سلمان، الذي كان يحظى بدعم قوي من دونالد ترامب.

 تتضاءل خيارات محمد بن سلمان مع استمرار القضايا، قد يكون أحد المسارات هو التسوية، حيث يقدم الجبري دفعة مالية وسحب الدعوى القضائية التي رفعها في واشنطن، مقابل الحرية لنجليه وزوج ابنته، الذين يعتبرون رهائن الآن في يد النظام السعودي، وبحسب خبراء، من شأن مثل هذه التسوية أن تخفف من قلق مجتمع الاستخبارات بشأن الكشف عن معلومات حساسة.

يمكن القول إن نهج التسوية هذا من شأنه أن يقدم لجميع الأطراف “فوزًا”، لكن محمد بن سلمان لم يبد أي اهتمام بمثل هذا الخيار حتى الآن.

 تكمن المفارقة في هذا الخلاف في أنه يأتي في وقت يبدو فيه أن محمد بن سلمان ينجح في بعض جهوده لتحديث المجتمع السعودي، وكان أحدث مثال على ذلك حفل موسيقي في الرياض الشهر الماضي لمغني البوب بيتبول، أمام عدد كبير من الشباب السعودي، لكن في معركة محمد بن سلمان ضد أعدائه السياسيين لا يزال يتمسك بالأساليب القمعية البائدة.

 للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا