مشهد متكرر: وزير خارجية أميركي يصل القدس في الوقت الذي يستعد فيه رئيس وزراء يميني لجولة أخرى من العنف ضد الفلسطينيين مع التحضير لرد فعل “مثير للجدل” على التصرفات الإيرانية… حتى هنا يبدو الأمر مألوفًا ومتكررًا، لكن الجديد هذه المرة أن الكواليس خلفها شخص لن يعجب الكثير من الشعب العربي تواجده، لكنه لا يهتم إلا بمصالحه الجيوسياسية وتعزيز التطبيع.
في وقت سابق من هذا الأسبوع زار وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن إسرائيل لمباحثة تطورات الوضع الساخن في فلسطين مع بنيامين نتنياهو، الذي تعهد بدوره بمضاعفة جرعة العنف هذه المرة، ورغم الإدانات الشعبية لما يحدث ضد الفلسطينيين، وقف محمد بن زايد -حاكم الإمارات- في صف هذه الزيارات ولم يبد أي انزعاجًا من تصرفات الثنائي الأمريكي والإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
بدأت الإمارات -بقيادة محمد بن زايد- على مدار العقد الماضي طريقها نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولم يكن يخفى على أحد دور بن زايد في تعزيز التواجد الإسرائيلي في المنطقة بالرغم من أنه كان خفيًا، لكن قبل عامين ونصف قررت الإمارات تطبيع علاقاتها رسميًا بإسرائيل، ومنذ ذلك الحين وقادة الإمارات وعلى رأسهم بن زايد شخصيًا لا يخفون أي دعم لإسرائيل، ويختارون الوقوف إلى الجانب الإسرائيلي في أوقات العدوان على الفلسطينيين.
البحرين والمغرب اتبعتا خطى الإمارات في تطبيع العلاقات مع إسرائيل ووقعتا اتفاقيات إبراهيم، لكن ظل محمد بن زايد في مقدمة المقربين إلى إسرائيل بعد هذه الصفقات الجريئة التي اعتبرها الفلسطينيون خيانة عظمى للقضية التي جمعت الشعب العربي لعقود.
لم يستغرق الأمر أشهر حتى عقدت الإمارات اتفاقيات تجارية وسياحية وأمنية مع إسرائيل، وتحدث مسؤولو الدولة الخليجية عن علاقات اقتصادية بقيمة تريليون دولار على مدى العقد المقبل.
بالنظر إلى تاريخ نتنياهو الحافل بالعنف والعداء المستميت تجاه الفلسطينيين، كان محمد بن زايد يعي جيدًا أن أي تقارب من طرف سيزعزع استقرار علاقته بالطرف الآخر، لكنه فضل الطرف الإسرائيلي بحجة تشكيل جبهة دفاع ضد التهديد الإيراني الذي قد يقصف مدنها المتلألئة ومنشآتها النفطية في أي وقت، خاصة مع تواجد وكلاء لها في اليمن متمثلين في جماعة الحوثي الذين يهددون المصالح الإماراتية بالفعل، خاصة إذا قررت إيران الانتقام من إسرائيل عبر ضرب حليفتها الأكبر في المنطقة: الإمارات.
بالرغم من ذلك، يمثل العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، سواء ارتكب من قبل القوات الإسرائيلية أو المستوطنين اليهود، نوعًا مختلفًا من المشاكل لمحمد بن زايد: فقدان المصداقية في العالم العربي على نطاق واسع.
في البداية، أكد النظام الإماراتي أن توقيع اتفاقيات إبراهيم سيعطيهم المزيد من النفوذ لدى الإسرائيليين، وبالتالي القدرة على حماية المصالح الفلسطينية، وكدليل على ذلك، أشاروا إلى تخلي نتنياهو عن خطة لضم مساحات شاسعة من الضفة الغربية.
لكن القدرة الإماراتية على كبح جماح الإجراءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين أثبتت فشلها دائمًا أمام الائتلاف الحاكم الجديد لنتنياهو، والذي يدين بالفضل لأحزاب اليمين المتطرف التي تدعو إلى التوسع في عمليات الضم والمزيد من العنف ضد الفلسطينيين.
الإسرائيليون الآن، حكومة وشعبًا، يشنون عاصفة كاملة من العنف المتزايد ضد الفلسطينيين، خاصة المستوطنين الذين مُكنوا من قبل جنود الاحتلال وشجعتهم القوانين الإسرائيلي الجديدة، وهذا العنف المتزايد في حد ذاته يشكل أزمة لمحمد بن زايد الذي مكنت اتفاقاته التطبيعية إسرائيل من التنكيل بالفلسطينيين بصورة مضاعفة.
أقصى ما فعله النظام الإماراتي حتى الآن أمام هذا العنف المتزايد هو شجب “السلوك الاستفزازي” لنتنياهو ومؤيديه، مع إصدار بيان إدانة لاقتحام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير مجمع المسجد الأقصى في أوائل يناير/كانون الثاني، وكذلك العدوان الإسرائيلي على مخيم للاجئين الفلسطينيين في جنين، لكنه لم يتخذ أي خطوة عملية أو يدعو لإجراء حاسم من أجل وقف هذه الوحشية الإسرائيلية.
أدان الإماراتيون كذلك الهجوم الذي وقع في أصفهان مؤخرًا، وقال أنور محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لمحمد بن زايد، في تغريدة على تويتر، إن الهجوم “ليس في مصلحة المنطقة أو مستقبلها”، ومع ذلك، كان حريصًا على عدم إلقاء اللوم المباشر على إسرائيل.
المؤكد الآن أن التقارب الإماراتي الإسرائيلي المتزايد سيجعل الإمارات في مأزق كبير في المنطقة بسبب تواجد نتنياهو في السلطة، والذي تؤكد كل المؤشرات أنه سينتهج سياسات أكثر عنفًا وقمعًا ضد الفلسطينيين خاصة مع وجود بن غفير وغيره من الشخصيات اليمينية المتطرفة في السلطة، والذين يشجعون المستوطنين على ارتكاب المزيد من الانتهاكات.
بالإضافة إلى ذلك، لا يبدو أن إسرائيل ستهدأ من حدة العداء تجاه إيران، وبالتالي ستصبح الإمارات في مرمى الهجمات الإيرانية إذا قررت الأخيرة الانتقام من إسرائيل في حليفتها الأقرب في المنطقة، وبالتالي فإن المؤشرات جميعها تؤكد أن محمد بن زايد ينتظره الكثير من الاضطرابات وعدم الاستقرار في الفترة المقبلة طالما استمرت حليفتها إسرائيل في انتهاج ذات النهج الاستفزازي في المنطقة.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا