كتب براين ج. دولي الناشط الحقوقي وكبير مستشاري منظمة “حقوق الإنسان أولاً” ومقرها واشنطن، لصحيفة “واشنطن بوست” مقالاً أوضح فيه -من وجهة نظره- الدور التي تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة لخلق الفوضى في الشرق الأوسط ومساهمتها الفعالة في استمراريتها.

 

بدأ “دولي” مقاله بالإشارة إلى خطاب أرسله السناتور الديموقراطي في لجنة العلاقات الخارجية “روبرت مينينديز” إلى وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” حذر فيه من أن الولايات المتحدة “قد تكون ملزمة بموجب القانون بوقف جميع مبيعات الأسلحة إلى دولة الإمارات”، وأكد “دولي” أن هذه الخطوة التي قام بها “مينينديز” تعد بمثابة دعوة رسمية لواشنطن كي تقوم بعملية إصلاح جذري في علاقاتها بأبو ظبي.

 

وبين “دولي” أن الخطاب المُشار إليه أُرسل بعد الكشف عن أن صواريخ أمريكية مضادة للدبابات عالية التقنية كانت قد بيعت إلى دولة الإمارات في وقت سابق لينتهي بها الأمر في أيدي الميليشيات المتمردة في ليبيا، والتي تقاتل من أجل الإطاحة بالحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في طرابلس، وكانت تلك الحكومة قد اتهمت الإمارات مؤخراً باستخدام طائرة أمريكية الصنع لقصف مركز للمهاجرين في ليبيا، مما أسفر عن مقتل 53 شخصًا على الأقل.

يُذكر أنه في العام 2014، قال البنتاجون إن دولة الإمارات قامت بقصف ليبيا سراً، مما أثار دهشة وإزعاج المسؤولين الأميركيين.

 

وأضاف “دولي” أن انتهاكات الإمارات لا تقتصر على تسليح المتمردين الليبيين فقط، بل تُتهم الدولة الخليجية حالياً بتزويد ميليشيات تابعين لتنظيم القاعدة في اليمن بأسلحة أمريكية الصنع، وبدعم الطغمة العسكرية التي قمعت بعنف الحركات المنادية بالديموقراطية في السودان، ما اعتبرها “دولي” أدلة على أن أبو ظبي حليف غير جدير بالثقة، إلا أنها وحتى الآن لم تتعرض إلى الحملة التي شُنت مؤخراً ضد المملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة بسبب ارتكابها انتهاكات مماثلة، حيث ضاعف المعارضون الأمريكيون داخل الكونغرس من انتقاداتهم للسعودية بسبب الدور الكارثي الذي تقوم به في اليمن، وبسبب حادثة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، وهو ما اعتبره “دولي” تصرف غير منصف، حيث دعا إلى تطبيق ذات السياسات على الإمارات، التي تلعب دوراً أساسياً أيضاً في حرب اليمن، بالإضافة إلى ارتكابها انتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتي لا يلاحظها أحد إلى حد كبير.

 

ولفت “دولي” إلى الخلاف الذي نشأ بين أعضاء الكونغرس والرئيس الأمريكي دونالد ترامب حين حاول الأخير تجاوز الكونغرس وتمرير صفقات أسلحة للسعودية بحجة استخدام بند “الطوارئ” في القانون الأمريكي والذي يمنح الرئيس صلاحية تمرير أي صفقة أسلحة دون انتظار موافقة الكونغرس، إلا أن التشريعين في مجلسي الكونغرس قاموا بوقف مبيعات 22 صفقة أسلحة للسعودية، مشيراً إلى أن تلك الصفقات إليها شملت 13 صفقة كانت موجهة للإمارات، واشتملت الأسلحة على مئات الصواريخ المضادة للدبابات والتي تُزود بها الإمارات المتمردين الليبيين، بالإضافة إلى طائرات الأباتشي والبنادق نصف الآلية.

 

القرارات التي تمنع عمليات نقل الأسلحة إلى السعودية أقرها مجلس الشيوخ في 20 يونيو/حزيران الماضي، ومن المحتمل اتخاذ إجراء مماثل من قبل مجلس النواب.

من جانبه صرح الرئيس ترامب أنه سيستخدم حق “الفيتو” ضد تلك القرارات وسيقوم بتمرير الصفقات المتفق عليها، على الرغم من أن التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات كان قد ألقى قنابل أمريكية الصنع على المدنيين في اليمن في انتهاك واضح للقانون الدولي، وعلى الرغم من قيام الإمارات تزويد جماعة تابعة بتنظيم القاعدة في اليمن بمدرعات أمريكية الصنع، هذا بالإضافة إلى وجود أدلة قوية تفيد بأن السلطات الإماراتية تشرف على سجون سرية في اليمن يتفشى فيها التعذيب.

 

وأكد “دولي” أن دولة الإمارات لا يجب أن تفلت من المساءلة الدولية على الانتهاكات التي ارتكبتها في اليمن والتي خلفت أسوأ كارثة إنسانية، على الرغم من التصريحات التي صدرت مؤخراً على لسان القادة الإماراتيين والتي تفيد باعتزامهم سحب قواتهم من اليمن، كما أكد أن سجل الإمارات حافلاً بالانتهاكات داخل وخارج الإمارات، والتي تستلزم وقفة من المجتمع الدولي.

 

المقال المنشور في واشنطن بوست تحدث عن أوجه الشبه بين الإمارات والسعودية من حيث انتهاكات حقوق الإنسان، فكما هو الحال في السعودية، فإن السجون الإماراتية تمتلئ بعشرات النشطاء والمعارضين، والذين حكم عليهم بالسجن بعد محاكمات صورية وجلسات تحقيق تعرضوا خلالها للتعذيب، وفيما يبدو أن الدولتين بينهم اتفاقاً ضمنياً بقمع أي صوت معارض، حيث قامت السلطات الإماراتية العام الماضي باحتجاز الناشطة النسوية السعودية لجين الهذلول قبل تسليمها إلى السعودية، حيث تعرضت للتعذيب داخل سجونها، ولا زالت محتجزة حتى الآن.

 

كما تم الإشارة إلى عملية احتجاز الناشط الإماراتي أحمد منصور- خريج جامعة كولورادو والحائز على جائزة مارتن إينالز عام 2015 للمدافعين عن حقوق الإنسان -، معتبراً إياها مثالاً حياً على ما يحدث للمواطنين الإماراتيين عندما يتجرأون ويقومون بانتقاد الحكومة، حتى ولو بطرق سلمية، حيث تمت إدانة أحمد منصور بسبب نشاطه الحقوقي وآرائه المعارضة التي كان ينشرها على موقعي “فيسبوك” و”تويتر”، ومن الجدير بالذكر أن قضيته الآن هي واحدة من تلك التي يتبناها مشروع الدفاع عن الحريات الذي تديره لجنة توم لانتوس لحقوق الإنسان في الكونغرس الأمريكي.

 

براين ج. دولي تحدث عن لقائه مع أحمد منصور وعدد من النشطاء الإماراتيين قبل عدة سنوات، والذين كان يتملكهم الخوف من النظام الإماراتي، حيث قال أحدهم في ذلك اللقاء “جهاز أمن الدولة هو المتحكم في البلاد بصورة أساسية، ولا توجد جهة فوقه، إنه غير خاضع للمساءلة، قاهر بمعنى الكلمة، ويخيف الجميع”.

والآن، يقضي كل من منصور وناصر بن غيث -ناشط حقوقي يحظى بسمعة دولية واسعة واحترام دولي- أحكاماً بالسجن لمدة 10 أعوام، ومنذ ذلك الحين، وقد تم إسكات ما تبقى من نشطاء المجتمع المدني، أو سجنهم، أو نفيهم خارج البلاد.

 

على صعيد آخر، وجد “دولي” أن سجل الإمارات الحافل بالانتهاكات الحقوقية ليس السبب الوحيد الذي يجب أن يُقلق واشنطن من التعامل معها، بل ما تقوم به حكومة أبو ظبي مؤخراً من تقرب للنظام الروسي، ففي العام الماضي، قام محمد بن زايد، الزعيم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، بتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي الاتفاقية الأولى من نوعها لروسيا في منطقة الخليج العربي، وفي عام 2017، أبرمت الإمارات صفقة لشراء صواريخ روسية مضادة للدروع.

 

ويعد محمد بن زايد العقل المدبر للأزمة الخليجية الأخيرة، الذي أوقد فتيل النزاع الإقليمي مع قطر، وهو من أجبر الولايات المتحدة على اتخاذ موقف حرج يتمثل في الاضطرار إلى التوسط بين الحلفاء العسكريين.

 

وعلى الرغم من أن انتقاد انتهاكات السلطة الديكتاتورية في الإمارات لم يصبح رسمياً بعد، إلا أن بعض المؤسسات الأمريكية ذات الثقل بدأت في اتخاذ مواقف جادة ضدها، كالانتقادات التي وجهتها جامعة نيويورك في الإمارات للسلطات الإماراتية بعد احتجاز وتعذيب الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز، كما أنه وفي وقت سابق من العام الجاري، أعلن مركز التقدم الأمريكي الذي يتخذ من واشنطن مقراً له أنه لم يعد يقبل أموالاً من حكومة الإمارات بعد الانتقادات الحقوقية المتزايدة الموجهة لها.

 

واختتم “دولي” مقاله مؤكداً إن تسليح دولة كالإمارات على الرغم من دعمها الانتهاكات المروعة التي تُرتكب في ليبيا واليمن والسودان، فضلاً عن الانتهاكات التي ترتكبها في الداخل، يجعل موقف الولايات المتحدة حرجاً، ويعد أمراً غير مقبولاً على الإطلاق، داعياً صناع القرار في الكونغرس اتخاذ ذات الخطوات التي تم اتخاذها حيال المملكة العربية السعودية والتي طال انتظارها، ضد النظام الإماراتي أيضاً.

 

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا