تواصل الصين رفض الاتهامات بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان في منطقة شينغيانغ الشمالية الغربية – على الرغم من التقارير المنتشرة حول تعرض أكثر من مليون مسلم للاحتجاز والمعاملة القاسية غير الآدمية على أيدي السلطات الصينية.

 في عام 2017، كثفت بكين جهودها لـ “إعادة تثقيف” أقلية الأويغور المسلمة في الصين، مشيرة إلى الحاجة إلى محاربة الإرهاب والتطرف المتواجد داخل البلاد -على حد وصف السلطات- لكنها في سبيل ذلك ارتكبت أبشع الانتهاكات التي رصدتها المنظمات الحقوقية المختلفة.

 الانتهاكات الصينية المبلغ عنها شملت فرض تدابير صارمة للسيطرة على السكان المسلمين، كالإجبار على الإجهاض، وكذلك الإجبار على التعقيم بوضع عوازل حمل للنساء بصورة قسرية، وبحسب ما ورد تطلب مراكز الاعتقال الجماعي من المسلمين نبذ الإسلام والتعهد بالولاء للحزب الشيوعي وفي حالة الرفض يكن التعذيب أو الموت هو المصير.

 في الأشهر الأخيرة، وصفت البيانات الصادرة عن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا ودول غربية أخرى – جنباً إلى جنب مع تقارير الخبراء – حملة بكين القمعية ضد المسلمين بأنها “إبادة جماعية”، وبالرغم من ذلك، يبدو أن العالم الإسلامي كان له رأي آخر!

 ماذا يقول العالم الإسلامي عما يحدث في الصين؟

 في عام 2019، كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر ضمن 37 دولة وقعت رسالة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تشيد بـ “مساهمة الصين في احترام حقوق الإنسان عالمياً” – مع ادعاءات بأن الصين أعادت “السلامة والأمن” بعد مواجهة “الإرهاب والتطرف والانقسام” في إقليم شينغيانغ.

 لم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي يقف فيها القادة العرب إلى جانب الصين في قمعها للمواطنين المسلمين هناك، عندما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين عام 2019، أعلن أن “للصين الحق في اتخاذ تدابير لمكافحة الإرهاب والتطرف لحماية الأمن القومي”، كما أشاد بيان صدر في مارس/آذار 2019 عن منظمة التعاون الإسلامي بالصين “لتقديمها الرعاية لمواطنيها المسلمين”- على حد وصف البيان.

 بعد ذلك بعامين، حصلت بكين على دعم أقوى من الدول الإسلامية، حيث ذكرت وسائل إعلام صينية في مارس/آذار أن “المملكة العربية السعودية تدعم بقوة الموقف الشرعي للصين بشأن الشؤون المتعلقة بشينغيانغ وهونغ كونغ … وترفض محاولة بعض الأطراف زرع الفتنة بين الصين والعالم الإسلامي”.

 إلى جانب الإشادة بالقمع الصيني في شينغيانغ، قامت المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة باعتقال مسلمي الإيغور المنفيين في بلدانهم، وترحيلهم إلى الصين بناءً على طلب بكين. فلماذا يتسامح القادة العرب مع انتهاكات الصين ضد سكانها المسلمين؟

 المصالح الاقتصادية تأتي أولاً

 تفسر الروابط الاقتصادية بعضاً من هذا التأييد -غير المنطقي- لقمع المسلمين، إذ تعد الصين شريك تجاري ومستثمر مهم في الدول العربية، فضلاً عن كونها الزبون الأساسي لنفط الشرق الأوسط، من ناحية أخرى، يُعد الشرق الأوسط ذو أهمية جيوسياسية كبيرة بالنسبة للبنية التحتية الطموحة وخطط الاستثمار الصينية في إطار مبادرة الحزام والطريق.

 اتخذت قوى إقليمية أخرى مثل إيران طريقة غير مباشرة لقمع الصين لسكانها المسلمين، حيث كانت إيران مترددة في التحدث علناً ضد سياسات بكين بسبب التقارب الاقتصادي الكبير بين البلدين، لكن في مارس/آذار أعلن البلدان عن شراكة اقتصادية وأمنية جديدة حيث وقعت إيران مع الصين اتفاقًا شاملاً للنفط مقابل الاستثمار مدته 25 عاماً.

 عداء مشترك للـ “الإسلام”

 تمكنت الصين من مواءمة عدائها تجاه سكانها المسلمين مع كراهية هذه الدول تجاه أشكال معينة من الإسلام السياسي – بدءًا من الجماعات السياسية الرئيسية التي تريد من حكوماتها توسيع الديمقراطية، والقضاء على الفساد وحماية حقوق الإنسان، إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة، التي تندد بالحكومات باعتبارها مرتدة وعملاء الغرب.

 ومع ذلك، لا تشترك الصين و المحور السعودي الإماراتي المصري في نفس المخاوف بشأن الإسلام: في حين تخشى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر أشكالًا معينة من الإسلام السياسي تتحدى شرعيتها ومكانتها الإقليمية، تخشى الصين من “الإسلام” ذاته.

 ومن خلال مواءمة حملتها القمعية مع العداء الشرس للإسلام السياسي داخل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، يبدو أن بكين تسعى إلى إضفاء الشرعية من مصدر غير متوقع، حيث تعتمد هذه الدول الثلاث بشكل كبير على التجارة والاستثمار ومشتريات النفط الصينية، ولم تلتزم الصمت بشأن الانتهاكات المتزايدة في شينغيانغ فحسب، بل أشادت بجهود الصين للسيطرة على سكانها المسلمين المحليين.

 تتحكم بكين في الروايات الإسلامية القادمة من الصين وإليها من خلال الرابطة الإسلامية الصينية، وهي الهيئة الحكومية الرسمية المكلفة بالإشراف على الخطاب والنشاط الإسلامي، كما تشرف هذه المنظمة على جهود التوعية الدينية في الشرق الأوسط.

 وقد ركزت الرابطة الإسلامية الصينية على “الإشادة بتفرد الإسلام الصيني وامتثاله لأيديولوجية الحزب، مع الحث على توخي الحذر من النفوذ الأجنبي”.

عندما يزور رؤساء دول أو شخصيات إسلامية من الشرق الأوسط الصين، يكون المسؤولون من الرابطة حاضرين دائماً، وهو جهد واضح لتعزيز الشرعية الإسلامية للرابطة.

في عام 2014، على سبيل المثال، تضمنت الزيارة التي قام بها الملك سلمان (ولي العهد آنذاك) إلى الصين جولات بقيادة الرابطة لمختلف المساجد الصينية وأسفرت عن التبرع بمبلغ 3 ملايين دولار لبناء مراكز إسلامية وثقافية في الصين.

 كما نسقت الرابطة برامج التبادل الإسلامي مع السعودية ومصر لتعليم المسلمين الصينيين “الإسلام المعتدل” كما يمارسها المحور السعودي الإماراتي المصري، بالإضافة إلى ذلك، تتحكم الرابطة بشكل مباشر في سفر المسلمين الصينيين إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج السنوية.

 يوفر هذا النوع من الانخراط الديني الموجه طريقة للصين لتفادي الانتقاد الدولي لحملة القمع الإسلامية الداخلية، لكن هذه الجهود تدعم أيضاً الأهداف الجيواستراتيجية والاقتصادية الأوسع للصين، مما يساعد بكين على تعميق العلاقات داخل الشرق الأوسط وتعزيز التحالفات مع القادة الاستبداديين الآخرين الذين لا يتفقون مع الموقف الأمريكي أو الأوروبي بشأن حقوق الإنسان أو التحول الديمقراطي.

 للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا