مع اقتراب موعد البدء في تنفيذ خطط ضم الضفة الغربية المُعلن عنها من قبل الحكومة الإسرائيلية، أطلق مجموعة من الزعماء والمسؤولين العرب سلسلة من التحذيرات شديدة اللهجة لإسرائيل من الإقدام على تنفيذ خطط ضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، مشيرين أنه إجراء من شأنه زعزعة استقرار وأمن المنطقة، ويقوض كل جهود ومساع السلام.

في تصريحات حول الموضوع، أعلن العاهل الأردني الملك عبد الله أنه “غير مقبول” وحذر من اندلاع “صراع واسع النطاق” في المنطقة، كما هدد كبار المسؤولين الأردنيين بإعادة النظر في معاهدة السلام مع إسرائيل وفي اتفاقيات التعاون الأمني، كما اعترضت مصر، الدولة العربية الوحيدة التي وقعت على معاهدة سلام مع إسرائيل، وكذلك السعودية والبحرين.

وقالت دولة الإمارات العربية المتحدة إن الضم سيعرض فرص اسرائيل في بناء علاقات أقوى مع دول الخليج العربي للخطر، وخير دليل على ذلك مقال رأي نشره يوسف العتيبة، سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، في جريدة إسرائيلية بعنوان “إما الضم أو التطبيع!”.

بالنسبة للعديد من الفلسطينيين، فإن الضغط القادم من الدول العربية مرحب به، خاصة لأولئك الذين عانوا بشدة من الصمت من جيرانهم في السنوات الأخيرة حيث ركزت الدول بشكل أكثر على تحسين العلاقات بهدوء مع إسرائيل، متجاهلة بصورة كبيرة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

ديانا بوتو، الناشطة والمفاوض السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تعيش الآن في حيفا، قالت معلقة على رد فعل الدول العربية “يسعدني بالتأكيد أنهم يقولون شيئًا، بعد سنوات من الصمت”.

ويقول الفلسطينيون والمحللون الإقليميون إنه يبقى أن نرى ما إذا كان القادة العرب سيتجاوزون مجرد بيانات التضامن للفلسطينيين ويتخذون إجراءات ملموسة في حالة الضم.

قد تكون الضغوط من الشوارع للقيام بذلك محدودة، بسبب الظروف التي تعاني منها شعوب المنطقة بسبب جائحة فيروس كورونا وعدم الاستقرار الاقتصادي والحروب الأهلية وغيرها من المشاكل الأخرى التي حولت تركيزهم عن القضية الفلسطينية.

بالإضافة إلى ذلك فإن التقارب التدريجي للعلاقات بين الدولة اليهودية وجيرانها يعتمد على أهداف مشتركة: وقف التوسع الإيراني، ومواجهة الحركات المتطرفة – والتي من المحتمل أن تظل أولويات بغض النظر عن تصرفات إسرائيل في الضفة الغربية.

أضافت بوتو في إشارة إلى القادة العرب: “أنا لا أثق في التصريحات التي يدلون بها”، متابعة “التقارب الملحوظ بين الحكومات بسبب المصالح المشتركة لم يتغير ولا زال كما هو”.

تضم الضفة الغربية، التي تحتلها الدولة اليهودية منذ حرب 1967، ما يصل إلى 3 ملايين فلسطيني وحوالي 430.000 يهودي إسرائيلي يعيشون في عشرات المستوطنات، التي تعتبرها الأمم المتحدة ومعظم الدول الأوروبية غير قانونية ، لكن إسرائيل وإدارة ترامب لا تهتم بهذا التصنيف.

من غير الواضح ما هي المساحة التي سيتم ضمها في حالة تنفيذ الخطط، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعهد العام الماضي بضم غور الأردن، الواقع على امتداد حدود الضفة الغربية مع الأردن، بالإضافة إلى المناطق التي تحتوي على مستوطنات إسرائيلية، وهذا العام، قال نتنياهو إنه يمكن ضم ما يصل إلى 30 في المائة من الأراضي.

لكن تقارير إعلامية إسرائيلية أشارت إلى أن أي استحواذ يمكن أن يكون 5 في المائة أو أقل من الأراضي المُشار إليها، اعتمادًا على ما وافقت عليه الولايات المتحدة، حيث يرتبط الضم بخطة إدارة ترامب لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني – أو ما عُرف بـ “صفقة القرن”، وقد أثارت الإدانات العربية مخاوف بشأن تنفير الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في المنطقة.

لم يحدث مثل هذا التنديد بعد خطوات أخرى اتخذت مؤخراً لصالح إسرائيل على حساب العرب: عندما اعترفت الولايات المتحدة العام الماضي بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الغولان، التي احتلتها إسرائيل في 1967، وهو اعتراف تسبب في حرج للقادة العرب لكنهم لم يتخذوا أي إجراءات ملموسة تعبر عن ذلك، وهو نفس رد الفعل الُمتخذ عندما نقلت إدارة ترامب السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، بعد الاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل.

قالت أماني جمال، أستاذة جامعة برينستون والمؤسس المشارك للمقياس العربي، الذي يقيس الرأي العام: “تتمتع إسرائيل بعالم عربي أقل عداوة عن الماضي، بل وأكثر صداقة، وكذلك عالم عربي يطلب مساعدة إسرائيل فيما يتعلق بالمصالح الجيوستراتيجية الأوسع في المنطقة”، متسائلة عن تعنت إسرائيل الحالي، حيث قالت “إذن لماذا لا تقول إسرائيل ” دعونا نحافظ على هذا العصر الجديد من العلاقات والصداقات والتحالفات ونحل القضية الفلسطينية “؟ إنه في مصلحة إسرائيل الإستراتيجية، لكن إسرائيل تظن أنها لا تحتاج لذلك”.

حتى الآن، كان الأردن الأكثر صراحة في معارضته لخطط الضم، حيث ويقول المحللون إنه وفقاً لعلاقاتها الوثيقة بالولايات المتحدة وإسرائيل، تُعد الأردن الدولة العربية الأكثر تأثيراً في تغيير رأي إسرائيل.

نتنياهو والموالون له لطالما أكدوا مراراً في تصريحاتهم بأن رد الحكومات العربية على الضم من المرجح أن يكون خافتًا بسبب المصالح التي تتقاسمها مع إسرائيل في الأمن والتجارة والتكنولوجيا ومعارضة إيران، لكن السفير عتيبة قال في المقال المُشار إليه إن “الضم سيؤدي بالتأكيد إلى تقويض التطلعات الإسرائيلية على الفور لتحسين العلاقات الأمنية والاقتصادية والثقافية مع العالم العربي ومع [الإمارات العربية المتحدة[“، وأضاف أن الضم “سيقوي وجهات النظر العربية المعادية لإسرائيل”.

وقال محللون إن ذلك قد يثير غضبا شعبيا من التقارب المتزايد بين القادة العرب واسرائيل.

قالت ميشيل دان، مديرة برنامج الشرق الأوسط في كارنيغي: “إذا بدأ الفلسطينيون أنفسهم في نهاية المطاف في التنظيم، فمن المرجح أن يحصلوا على الكثير من الدعم من الشباب العرب في دول أخرى، الذين سيحتجون على علاقات حكوماتهم مع إسرائيل”.

وأضافت أن القادة العرب يدركون أنه مع احتلال إسرائيل، فإن “الضم الإسرائيلي الفعلي للضفة الغربية” مستمر منذ عقود. لكن الآمال في تطبيق حل الدولتين – دولة فلسطينية مستقلة تتعايش مع إسرائيل – كانت موجودة دائمًا.

ويقول القادة العرب والأمم المتحدة ومسؤولون غربيون إن الضم من شأنه أن يقوض شرعية القيادة الفلسطينية ويؤدي إلى القضاء على أي أمل يتعلق بتطبيق حل الدولتين.

كما قالت دن: “بمجرد أن يتضح أنه لم تعد هناك أي فرصة واقعية لإنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة، يصبح من الصعب على القادة العرب تبرير خططهم لمواصلة تطوير التعاون الاستراتيجي مع إسرائيل”.

على الرغم من ذلك، يظل العديد من الفلسطينيين غير واثقين في ردود أفعال الحكومات المجاورة ونواياهم ]الدول العربية[.

قال غسان الخطيب، المتحدث السابق باسم السلطة الفلسطينية، “لا أعتقد أن إسرائيل تهتم بالموقف العربي، باستثناء الأردن بسبب حساسية علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة”؛ “لذا سواء كان العرب منقسمين أو موحدين، سواء كانوا يعارضون أم لا يعارضون، لا أعتقد أن هذا هو أحد العوامل الرئيسية التي ستأخذها إسرائيل في الاعتبار عند اتخاذ قرار الضم أم لا.”

من جهتها تتهم بوتو الدبلوماسيين العرب بتأطير الزحف المستمر لإسرائيل في الضفة الغربية باعتباره تهديدًا لتحسين العلاقات والاستقرار الإقليمي بدلاً من انتهاك حقوق الإنسان الأساسية، حيث قالت “هذه حجج مضللة”، متابعة “أنت لا تعارضه لمجرد أنه قد يؤدي إلى عدم الاستقرار والعنف… يجب أن تعارضه لأنه غير قانوني وانتهاك في حق الشعب الفلسطيني “، مضيفة “إن الضم الإسرائيلي الفعلي سيستمر حتى لو انسحبت إسرائيل من بسط سيطرتها رسميا على المستوطنات”.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

اقرأ أيضاً: لوموند الفرنسية: خطط الضم تهدد بإزالة غور الأردن