قبل شهر من الانتخابات الأمريكية، وعد جو بايدن بملاحقة ومحاكمة قتلة الصحفي السعودي في الواشنطن بوست جمال خاشقجي، والذي تم استدراجه قبل عامين إلى القنصلية السعودية في اسطنبول، ليقتل وتقطع أوصاله هناك من قبل عملاء الحكومة السعودية.
تلك الجريمة الشنيعة كانت تهدف إلى إسكات منتقد بارز لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وبالتالي ضمان عدم إثارة الرأي العام ضد المملكة، لكن النتيجة كانت عكسية، إذ تحول العالم كله بما فيهم الولايات المتحدة إلى أبطال يدعون إلى الانتصاف لخاشقجي ومحاسبة المسؤولين عن قتله، وكذلك إعادة تقييم العلاقات الأمريكية-السعودية حتى تتحقق العدالة.
في بيان رسمي له أصدره في أكتوبر/تشرين الأول، قال بايدن -والذي كان مرشحاً آنذاك- إن “جمال خاشقجي وأنصاره يستحقون أن يتم محاكمة قاتليه”، متابعاً “في ظل إدارة بايدن هاريس، سنعيد تقييم علاقتنا مع المملكة، كما سيتوقف دعم الولايات المتحدة لحرب السعودية في اليمن، ولن تتخلى أمريكا عن قيمها مرة أخرى مقابل صفقات أسلحة أو نفط”.
أمضت إدارة ترامب عامين وهي تبذل كل ما في وسعها لإخفاء ما تعرفه الحكومة الأمريكية عن المسؤول الرئيسي عن جريمة القتل، حيث أصدر ترامب بيانًا في 2018 قال فيه إن محمد بن سلمان “ربما يكون متورطًا بشكل مباشر” ومع ذلك، لم يبد ترامب أي استياء من ذلك، ولم يعر الموضوع الاهتمام المناسب، إذ صب كل تركيزه في كيفية الحفاظ على استمرارية صفقات الأسلحة والنفط.
في عام 2019، أصدر الكونجرس قانونًا يطالب مكتب مدير المخابرات الوطنية بتسليم تقرير يحدِّد هوية الأفراد الذين تعتقد وكالات الاستخبارات الأمريكية أنهم متورطون، شريطة ألا يكن هذا التقرير سرياً، إلا أن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية قدم لهم تقريرًا سريًا بدلاً من ذلك، كي لا يتم الإفصاح عن محتواه للجمهور، وهو ما قوبل بهجوم شديد وضغوطات كبيرة من المشرعين ومحامي حقوق الإنسان للكشف علنًا عما تعرفه الحكومة عن مقتل خاشقجي.
والآن، ومع اقتراب تنصيب جو بايدن رسمياً كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، فإن وعوده بمحاسبة قتلة خاشقجي ستصبح أمام اختبار حقيقي، خاصة وأنه تعهد بكشف المستور.
قد تكون الفرصة الأولى للإدارة لكشف الحقائق “المخفية” في قضية خاشقجي في جلسة استماع التثبيت لأفريل هاينز، التي وعدت بـ “قول الحقيقة للسلطة” عندما قبلت ترشيح بايدن لها لمنصب مدير المخابرات الوطنية.
وفي حوار مع رون وايدن- عضو لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، أكد أنه ينوي سؤال هاينز مباشرة عما إذا كانت ستتبع القانون وتقوم بتقديم تقرير “غير سري” يكشف المسؤول عن مقتل خاشقجي
وأضاف وايدن: “دونالد ترامب دفن الحقيقة لحماية المستبدين والقتلة في المملكة العربية السعودية”، متابعاً “فريق بايدن لديه فرصة حقيقية للخروج من الفوضى التي أغرقت بها إدارة ترامب الولايات المتحدة.”
في فبراير/شباط، سيُطلب من محامي الحكومة الأمريكية تقديم حجج في قضيتين منفصلتين تتعلقان بقضية خاشقجي، رفعتهما مبادرة عدالة المجتمع المفتوح بموجب قانون حرية المعلومات، وفي ظل إدارة بايدن، من المنتظر أن يتم تغيير الوضع، خاصة وأن محامي الحكومة قاموا بالمماطلة طوال الفترة الماضية كي لا يقوموا بتقديم تلك الحجج.
تتضمن الدعوى الأولى الضغط على وكالة المخابرات المركزية لتسليم تقييمها الداخلي، والذي استنتج -بثقة عالية- أن محمد بن سلمان أمر باغتيال خاشقجي، خاصة مع وجود التسجيل الصوتي لعملية القتل الذي قيل إن الحكومة التركية أعطته لإدارة ترامب، وهو التسجيل الذي أكد ترامب أنه لدى الحكومة، لكنه زعم أنه لم يستمع إليه قط.
أما الدعوى الثانية فهي تهدف إلى إجبار مدير المخابرات الوطنية على إصدار التقرير “غير السري” كي تتم إتاحة عرض معلوماته للجمهور.
في سياق متصل، تقاضي المبادرة أيضاً وزارتي الخارجية والدفاع لإجبارهما على نشر معلومات من شأنها أن تكشف ما تعرفه حكومة الولايات المتحدة عن الواقعة وكيف تعاملت إدارة ترامب مع القضية في ذلك الوقت، حيث كانت هذه الوزارات تسلم ببطء وثائق غير ذات صلة بالموضوع الأساسي للقضية.
في تصريحات له، قال محامي المبادرة، أمريت سينغ: “يمكن لبايدن إثبات التزام إدارته بالقيم الديمقراطية من خلال إصدار تقارير المخابرات المركزية والمخابرات الوطني، وكذلك الكشف عن السجلات الرئيسية الأخرى التي تم حجبها عن الجمهور”، مؤكداً أنها “ستكون هذه خطوة حيوية نحو ضمان محاسبة المسؤولين عن جريمة القتل التي تم التستر عليهم من قبل إدارة ترامب”.
العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية معقدة نوعاً ما، من جهة تشهد موجة اضطرابات عالية منذ مقتل خاشقجي وبسبب الانتهاكات الحقوقية المتزايدة التي يرتكبها بن سلمان وحاشيته، ومن جهة، هناك العديد من المصالح المشتركة للبلدين، التي تجعل من استمرار تحالفهما أمر لا بد منه، لذا فإن إعادة تقييم العلاقات سيكون بمثابة اختبار صعب للغاية لبايدن وإدارته، خاصة مع تزايد الضغوطات المحلية لقطع الدعم عن المملكة.
سيضطر بايدن إلى الاختيار بسرعة بين الوفاء بوعوده والدفاع عن القيم الأمريكية، أو اتباع نهج ترامب في التغطية على جرائم بن سلمان وشركائه، وتوفير الحصانة لهم للإفلات من العقاب، وفي حال اختار بايدن الخيار الأول – وهو الصحيح- سوف يرسل إشارة إلى جميع المسؤولين المستبدين القتلة بأن الرحلة المجانية التي منحها لهم ترامب لقتل مزيد من الصحفيين والمعارضين قد انتهت.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا