كشفت مجلة “نيوزويك” الأمريكية أن الولايات المتحدة اختارت تسليم المناطق التي تنسحب منها بشمالي سوريا إلى روسيا وقوات نظام “بشار الأسد” المتحالفة معها.
وذكرت المجلة أنها تحدثت إلى جنرالات أمريكيين على الأرض وهم بصدد المغادرة من مناطق الانسحاب، وأبلغوها أن القرار الأمريكي جاء بعد تفاهم الأكراد مع نظام “الأسد” في دمشق.
وأضافت أن أحد المسؤولين الأمريكيين كان في منبج منذ فترة ليساعد على تمهيد الطريق للقوات الروسية، كي تسيطر على المناطق غير المؤمنة بسرعة، مشيرة إلى أن ما يجري بالمدينة هو عملية “تسليم” استهدفت الولايات المتحدة منها الخروج السريع عبر نقل أكبر قدر ممكن من المعدات العسكرية وتدمير أي معدات أخرى يصعب نقلها.
وأشارت إلى أن التخطيط الأمريكي تضمن انسحاب القوات من منبج منذ الإثنين، وفي غضون 24 ساعة، تاركة خلفها قوات سوريا الديمقراطية، التي تمثل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري، في ظل نزاع بين قوات النظام، التي تدعمها إيران وروسيا من جانب، ومقاتلي المعارضة المسلحة، الذين تدعمهم تركيا، من جانب آخر.
وفي مواجهة صدام وشيك مع القوات التركية وحلفائها المتمردين من السوريين، اختارت قوات سوريا الديمقراطية إعادة تنظيم نفسها مع قوات النظام وداعمها الروسي، وهي شراكة ستوضع قريباً على المحك.
وعندما تحركت قوات النظام والميليشيات المتحالفة مع القوات التي يقودها الأكراد في المدينة، بدأ مقاتلو المعارضة المسلحة تقدمهم نحو منبج، وأفادت التقارير منذ ذلك الحين باندلاع اشتباكات بين الجانبين، ما يدل على جبهة جديدة في الصراع متعدد الجوانب في سوريا.
يأتي ذلك رغم إعلان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” الإثنين، أنه لا خلاف مع روسيا وأمريكا بشأن منبج، موضحا أن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” أبدى نهجا إيجابيا بشأن الوضع على الحدود.
وحث الرئيس التركي دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) على دعم بلاده، متسائلا: “هل ستقفون إلى جانب حليفكم في الناتو أم إلى جانب الإرهابيين؟ بالطبع لا تستطيعون الإجابة”، وفقا لما نقلته وكالة “الأناضول”.
وتقطن منبج غالبية عربية، لكن مجتمعها المتنوع يضم أكراد وأقليات عرقية أخرى، وسيطرت عليها قوات المعارضة المسلحة والجهاديون بعد حوالي عام من انتفاضة شعبية تحولت إلى حرب أهلية في عام 2011.
ودعمت الولايات المتحدة في البداية عددا من المقاتلين الذين كانوا يحاولون الإطاحة بالرئيس السوري “بشار الأسد”، لكنها أعادت تركيز سياستها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا لاحقا، واستولت على منبج في عام 2014.
وأسس البنتاغون شراكة مع قوات سوريا الديمقراطية، بقلبها الكردي، عام 2015، والذي قامت بدورها باختراق الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، والتي امتدت عبر شمال وشرق سوريا، وانتزع السيطرة على منبج من المقاتلين عام 2016.
لكن تلك القوات وجدت أنفسهم على الفور في قلب معركة جديدة من أجل البقاء، حيث شنت تركيا هجومًا عبر الحدود في وقت لاحق من العام ذاته، وحشدت غالبية العرب السنة من المسلمين في محاولة للسيطرة على منبج، بينما عرضت الولايات المتحدة دعمها لإدارة الحكم الذاتي ذات الأغلبية الكردية، التي أنشأتها قوات سوريا الديمقراطية بالمدينة.
وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية فرعا لحزب العمال الكردستاني الانفصالي، الذي شن هجمات تمرد منذ عقود في الداخل التركي.
ومع تحقيق قوات النظام السوري مكاسب ضد قوات المعارضة في الضواحي الجنوبية لمنبج، بات الحلفاء الروس على مقربة من الأمريكيين، وبحضور القوتين الرئيسيتين، لم تتمكن تركيا مطلقًا من السيطرة على منبج.
وحتى بعدما وسعت تركيا سيطرتها على الأراضي المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال غرب عفرين، أوائل العام الماضي، ظلت منبج نقطة شائكة لـ “أردوغان”، الذي طالب الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بسحب قوات الولايات المتحدة، والدخول في محادثات حول إنشاء “منطقة آمنة” على طول الحدود التركية السورية.
وأعلن “ترامب” سحب القوات من سوريا في ديسمبر/كانون الأول 2018 عقب مكالمة مع “أردوغان”، لكن المخطط توقف مع اختتام الولايات المتحدة حملتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية وتوسيع مهمتها لمواجهة النفوذ الإيراني إقليميا.
وبعد أشهر، وعلى أثر اتصال آخر بين “أردوغان” و”ترامب”، أعلن البيت الأبيض الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة ستنقل القوات الأمريكية بينما شنت تركيا عملية عسكرية أخرى باسم “نبع السلام” ضد عناصر الوحدات الكردية.
وعبر البنتاغون عن معارضته للهجوم التركي، ودعا “أردوغان” إلى وقف التقدم بالشمال السوري، كما هدد “ترامب” بفرض عقوبات ودعا إلى دور أمريكي في التوسط بين المسؤولين الأتراك والجماعات الكردية، لكنه أمر في النهاية بسحب قواته مع اقتراب قوات النظام السوري والمعارضة المسلحة من منبج.
وقال وزير الدفاع الأمريكي “مارك إسبر” لشبكة CBS: “قواتنا أصبحت محصورة بين جيشين متعارضين وهذا وضع لا يمكن الدفاع عنه (..) لذلك تحدثت مع الرئيس الليلة الماضية بعد مناقشات مع بقية فريق الأمن القومي وأمرنا بأن نبدأ الانسحاب المتعمد للقوات من شمال سوريا”.
وأضاف: “سيكون انسحابًا متعمدًا ونريد إجراؤه بأمان وبأسرع وقت ممكن، نريد أن نتأكد من أننا لا نترك المعدات وراءنا. لذلك أنا لست مستعدًا لوضع جدول زمني على ذلك، ولكن هذه هي خطتنا العامة”.
اضف تعليقا