العدسة: محمد العربي

ردود أفعال مختلفة صاحبت التمهيدات الأمريكية بإعلان نيتها عن رفع اسم السودان من قوائم الدول الداعمة للإرهاب، بعد أول جولة من الحوار الاستراتيجي بين واشنطن والخرطوم.

وتأتي الخطوة الأمريكية الجديدة بعد خطوات أخرى بدأتها مع السودان منذ أكثر من عام، تمثلت في إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم منذ نجاح ثورة الإنقاذ الإسلامية قبل عشرين عاما.

وتشير التقديرات أن الخرطوم لم يستفد حتى الآن من القرارات الأمريكية السابقة، في إنقاذ الوضع الاقتصادي المتردي، وهو ما وصفه المراقبون بأن خطوة إلغاء العقوبات الاقتصادية، كانت معنوية أكثر منها عملية، بينما تأتي خطوة شطب اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب بمثابة الخطوة الفعلية التي يمكن أن تساعد في حلحلة الوضع الاقتصادي المتأزم منذ أكثر من عام.

على جانب آخر فإن الاعتراضات الحقوقية على الخطوة الأمريكية المرتقبة تتوالى، سواء من المنظمات التي ترى في رأس الدولة الرئيس عمر حسن البشير متورطا في جرائم ضد الإنسانية بدارفور وجنوب السودان وكردفان، ما جعله تحت مقصلة المحكمة الجنائية الدولية، أو الاعتراضات الأخرى التي يطلقها معارضو البشير باستمرار.

إعلان الاستعداد

وقد أعلنت واشنطن الأربعاء الماضي في بيان أصدرته الخارجية الأمريكية عن استعداد أمريكا لشطب السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، شريطة أن تقوم الخرطوم بمزيد من الإصلاحات، وحسب البيان فإن هذا الإعلان جاء بعد محادثات حول هذا الشأن جرت في واشنطن بين نائب وزير الخارجية الأميركي، جون ساليفان، ووزير الخارجية السوداني الدرديري محمد أحمد، وقد دعت الخارجية الأميركية في بيانها السلطات السودانية إلى “تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب، وتحسين سجل البلاد على صعيد حقوق الإنسان”.

وكانت الإدارة الأمريكية أعلنت في وقت سابق عن بدء محادثات من شأنها إلغاء تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب إذا التزمت الخرطوم بعدة شروط منها، توسيع التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب، وتعزيز حماية حقوق الإنسان وممارساتها، بما في ذلك حرية الدين والصحافة، وتحسين وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين من مناطق النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، مع وقف الأعمال العدائية الداخلية، وخلق بيئة أكثر ملاءمة للتقدّم في عملية السلام في السودان، واتخاذ خطوات لمواجهة الأعمال الإرهابية، والالتزام بقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المتعلقة بكوريا الشمالية.

حلحلة مطلوبة

ويشير المراقبون أن هذه الخطوة تحتاجها الخرطوم الآن أكثر من أي وقت آخر، خاصة وأن القرار السابق لم يؤتي ثماره، في ظل خوف الشركات والبنوك الأجنبية من ضخ استثمارتها في السودان لاستمرار وجودها على قوائم الدول الداعمة للإرهاب مثل كوريا الشمالية وإيران وسوريا، وبالتالي فإن إقدام أيا من الشركات أو البنوك العالمية على الاستثمار في السودان قد يعرضها لعقوبات من الإدارة الأمريكية، وفي حالة تنفيذ واشنطن لتعهدها برفع اسم الخرطوم من قائمة داعمي الإرهاب فإن هذا معناه رفع الحرج عن الشركات والبنوك الدولية لضخ استثمارتها في السودان الذي يحتاج اقتصاده بشدة لقبلة الحياة.

وطبقا لتحليلات أخرى فإن خطوة تحرير السودان من قوائم الدول الداعمة للارهاب، يساعدها في الحصول على المساعدات الاقتصادية الخارجية من المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد، كما ينهي الحظر المفروض على واردات السودان من السلع التي لها أكثر من استخدام أحدها في المناحي العسكرية.

ويشير المراقبون أنه رغم مرور عام في أكتوبر الماضي على قرار رفع العقوبات الاقتصادية، إلا أن الاقتصاد السوداني لم يستفد منه على الإطلاق، بل على العكس اضطرت الحكومة السودانية لاتخاذ إجراءات اقتصادية متتالية في محاولة لوقف تدهور العملة المحلية التي شهدت انهيارا أمام الدولار، ما أدى لتجاوز معدلات التضخم لأكثر من 65%، ويرى المراقبون أن العقوبات الأحادية الأمريكية التي كانت مفروضة على الخرطوم كان لها تأثير واضح على الاقتصاد السوداني، ورغم إلغائها فإن الأوضاع السودانية زادت سوءا نتيجة الانهيار السريع للأوضاع الاقتصادية التي تداخلت فيها عدة عوامل، كان أبرزها التزام الحكومة السودانية أمام نظيرتها الأمريكية بوضع ضوابط قاسية على التحويلات البنكية، وهو ما أدى لاختفاء السيولة من الأسواق، صاحبتها أزمة وقود شديدة من حراك بعد أن عجزت الحكومة في توفير النقد الأجنبي لاستيراد البترول من الخارج.

وطبقا لتصريحات رئيس الوزراء وزير المالية السوداني معتز موسى فإن تداعيات العقوبات الاقتصادية الأميركية على البلاد مازالت مستمرة، مشيرا إلى أن أثرها الهيكلي العميق لا ينتهي بمجرد رفعها.

اعتراض حقوقي

ويرى خبراء متابعون للشأن السوداني أن الخطوة الأمريكية بشطب اسم الخرطوم من قائمة داعمي الإرهاب لن تمر بشكل سلس، حيث ترى المنظمات الحقوقية الدولية أن سجل النظام السوداني مكتظ بالجرائم، وهو ما ترجمته بالفعل منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي سارعت بإصدار بيان تحذر فيه الإدارة الأمريكية من هذه الخطوة، وطبقا لوصف البيان فإن  رفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب يعد تجاهل لإنتهاكات النظام السوداني ضد شعبه.

ووفق البيان فإن الولايات المتحدة لم تطلب أي تقدم بشأن حقوق الإنسان في السودان، حيث تواصل قوات الأمن السودانية مهاجمة المدنيين، وفتح النار على المتظاهرين السلميين، كما يواصل أفراد أمنها احتجاز النشطاء وتوجيه تهم جنائية ملفقة إليهم واستخدام التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة ضد المعتقلين، كما لا تزال الحكومة تفرض الرقابة السابقة على وسائل الإعلام.

وأشارت المنظمة الحقوقية أنه رغم هذا السجل إلا أن الإدارة الأمريكية بدأت بالفعل خطوات التطبيع الخرطوم منذ إدارة أوباما.

ويشير المراقبون إلى أن الاعترضات لم تقف عند حد المنظمات الحقوقية، وإنما امتدت لمعارضي البشير الذين رأوا في الخطوات الأمريكية مكافأة لنظام البشير الذي بدأ ينفذ ما تطلبه منه الإدارة الأمريكية وطبقا للكاتب المعارض عثمان نواي فإن إدارة ترمب لا تضع أى أهمية لحقوق الإنسان في العالم، خاصة وأنها انسحبت مؤخرا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة رفضا لإدانة مجازر إسرائيل ضد الفلسطينيين، وبالتالي فإن من يعول على الإدارة الأمريكية الحالية في الضغط على تحسين حقوق الإنسان في السودان هو واهم.

ويشير نواي إلى أن الشروط التي وضعتها الإدارة الأمريكية من السهل على النظام السوداني تطبيقها، متوقعا بدء تحرك استثمارات مشتركة بين أثرياء المؤتمر الوطني وشركات أمريكية، خاصة وأن استمرار وجود السودان ضمن قوائم دعم الإرهاب لازال يعيق بعض العمليات التجارية وحرية الحركة والتعامل بين الشركات.

لماذا الآن؟!

ويرى متابعون للأحداث بالسودان أن السبب في تغير الموقف الأمريكي، تجاه الخرطوم يعود في الأساس لتغيير الموقف السوداني في عدد من القضايا التي تتشارك فيها مع الولايات المتحدة، وبالتالي فإن المصالح المشتركة بين البلدين هو الدافع الأساسي وراء هذا التغير الأمريكي.

ويرى المتابعون أن التغير في الموقف الأمريكي تجاه السودان تبعه تغير في الموقف المصري، الذي وصل في خلافاته مع الخرطوم لدرجة اقتربت من شن حرب رباعية بين السودان واثيوبيا من جانب ومصر وإيرتريا من جانب آخر، إلا أن الأمور تغيرت وباتت العلاقة بين النظامين السوداني والمصري أفضل بكثير عن ذي قبل.

ويشير المتابعون أن اختفاء محور المقاومة الداعم للقضية الفلسطينية والذي كانت تقف فيه الخرطوم، أدى لحلحلة كثير من المواقف الخلافية مع واشنطن، خاصة وأن المحور اختفى مع الحرب الدولية على دول الربيع العربي وخاصة مصر، وبالتالي فإن البشير وجد نفسه ملزما بتليين مواقفه مع واشنطن، التي مازالت تحتفظ بورقة اتهام البشير في المحاكمة الجنائية الدولية.