في صيف العام ٢٠١٢ افتتحت الإمارات العربية المتحدة خط أنابيب لتصدير النفط من الفجيرة لتجنب مرور النفط الإماراتي من مضيق هرمز، أو بكلام آخر لتحييد النفط عن تأثير المضيق والتهديدات الإيرانية المستمرة بإغلاقه.

بدا الإماراتيون كمن يستبق الأحداث ويحرر رقبته من التهديد المكرر على لسان القادة العسكريين الإيرانيين كلما احتدم التوتر بين طهران وواشنطن، أو بين طهران وجيرانها الإقليميين.

التوتر الحالي على وقع خروج الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي المعلن مع إيران وما تبعه من فرض عقوبات عليها يكاد يكون الأشد، وكانت أولى إرهاصاته في صيف 2018 مع رفع إيران شعار: “إذا لم يصدّر نفطنا فكل نفط المنطقة لن يُصدّر”.

 

عض الأصابع

بدا التهديد الذي صدر عن غير مسؤول إيراني بالتوازي مع تشديد واشنطن عقوباتها، استعراضياً، وناقش العديد من كتاب الأعمدة في أميركا والعالم العربي حقيقة الرغبة الإيرانية في فعل ذلك.

ومؤخرا، ومع إلغاء الولايات المتحدة للإعفاءات التي كانت أعطتها لثماني دول لشراء النفط الإيراني في إطار سعيها لتصفير تصدير النفط الإيراني، وصل التوتر إلى مرحلة أخرى مع إعلان واشنطن عن نشر قطع جديدة لها في المياه الخليجية بما في ذلك حاملتا طائرات وقاذفات بي ٥٢ وبطاريات صواريخ باتريوت جديدة.

وبالنسبة لطهران، دخلت المواجهة مرحلة عض الأصابع وهي مرحلة اللاسلم واللاحرب، وهي الأخطر على الوضع الداخلي في ظل تشديد العقوبات المفروضة عليها. ولأن الهدف العلني للرئيس الأميركي دونالد ترامب هو تغيير سلوك النظام وليس تغييره فهو استفاد من الأيام الماضية لإرسال رسائل واضحة للقيادة الإيرانية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي، بأن هذه المرحلة مفتوحة أيضا على التفاوض المباشر معه.

ترامب الذي يصعّد ضد إيران، زودها برقم هاتفه لتتصل به عندما ترغب بذلك، وبالتوازي يعزز حضور بلاده العسكري على امتداد المنطقة ويعد بالمزيد، وهو بذلك كمن يمارس سياسة العصا والجزرة مع طهران، التي بدورها تسعى للتأكيد على أن المواجهة معها لن تكون سهلة.


تنديد إيراني

فجأة تتواتر الأخبار من جنوبي الخليج عن هجمات طالت ناقلات نفط في ميناء الفجيرة الإماراتي، جاء الخبر الأول عبر قناة الميادين التي تتخذ من بيروت مقراً لها، ونقلته عنها وسائل الإعلام الإيرانية ولاحقا الروسية.

ونسبت الميادين الخبر إلى مصادر خليجية، ولاحقا نُشرت معلومات إضافية على مواقع قريبة لطهران حول أسماء السفن وأرقام تسجيلها، كما فعلت وكالة يونيوز على تويتر والتي عددت خمس سفن وأرقام تسجيل معظمها دقيق بينما أسماء السفن متباينة بعض الشيء.

على المستوى الرسمي نددت الخارجية الإيرانية بالحادث، لكن الولايات المتحدة على لسان مسؤول في الاستخبارات قال إن إيران مشتبه بها لكن أميركا لا تملك دليلا قاطعاً بأن طهران تقف خلف هذا العمل.

وصبيحة الثلاثاء أعلنت حركة أنصار الله الحوثية في اليمن عن استهداف خزانات نفط إستراتيجية وحقول نفطية في مدينة ينبع السعودية على البحر الأحمر من خلال طائرات مسيرة.

ولم يتأخر التأكيد السعودي عبر بيان رسمي من أمن الدولة ولاحقا تأكيد وزير الطاقة أن الإستهداف طال ينبع وكذلك الرياض وأنه لا يستهدف السعودية فحسب بل إمدادات النفط إلى العالم.

 

أدلة

في الثامن من أيار/ مايو الحالي قطع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو زيارته الأوروبية وألغى موعده مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل للذهاب إلى بغداد من فنلندا لمتابعة مسائل ملحة مرتبطة بالتهديد الإيراني على حد تعبيره.

وبحسب مصدر عراقي مطلع فإن بومبيو سلّم إلى رئيس الوزراء العراقي شريحة ذاكرة يحتوي على دلائل على تخطيط إيران من خلال حلفائها في العراق لهجمات على مصالح أميركية في العراق، وحمّل الوزير المسؤولين العراقيين مسؤولية أمن المصالح الأميركية.

وقبل أسبوع فقط من هذه الزيارة وفي الأول من آيار/مايو، تعرضت قاعدة التاجي في العراق للقصف أثناء وجود قوات أميركية فيها.

ولا يمكن التعامل مع الأحداث الأخيرة المعلن عنها وغير المعلن عنها خارج سياق التوتر الإيراني- الأميركي بغض النظر عن مسؤولية طهران أو عدم مسؤوليتها عنه. ومن الواضح أن رسائل خاصة بالمرحلة يجري إيصالها من خلال أحداث متفرقة وعبر أطراف ثالثة، وهذه الرسائل مفادها أن أي اصطدام في المنطقة لن يكون مجرد نزهة وأن تداعيات محاولة خنق إيران لا يمكن السيطرة عليها.

وتبدو الرسائل وكأنها تتجاهل واقع أن واشنطن تحشد في المنطقة حضوراً عسكرياً قد يتحول في لحظة إلى قوات جاهزة للقتال، وهو ما يهدد بأن تتدحرج لعبة حافة الهاوية وتنزلق إلى حرب غير معلومة النهاية.

فقد كشفت نيويورك تايمز عن مراجعة البيت الأبيض لخطط الحرب في المنطقة والتهديد بنشر ١٢٠ ألف جندي في حال إعتداء إيران على مصالح أميركية أو تطويرها سلاحا نوويا. علّق على هذا الكشف المسؤول السابق لملف إيران في البنتاغون كولين كاهل عبر تويتر حيث قال إن نشر هذا العدد من الجنود لا يمكن أن يكون إلا في حالة التخطيط لغزو، موضحا أنه ورغم ذلك فالعدد لن يكون كافيا لغزو فعال.


قناة خلفية

الخيارات حاليا أمام كافة الأطراف كافة تتراوح بين الذهاب نحو مواجهة كبيرة، وبين فتح قنوات خلفية للحوار.

وخلال زيارة بومبيو الأخيرة لبغداد، يقول مصدر رسمي عراقي لبي بي سي إن الوزير الأميركي إلى جانب تحذيراته حمّل المسؤولين العراقيين رسالة إلى الإيرانيين يدعوهم فيها للجلوس إلى الطاولة.

وأشار المصدر الرسمي الذي طلب عدم الكشف عن هويته إلى أن بلاده تلعب دوراً في محاولة تهدئة التوتر في المنطقة ومحاولة الوصول إلى نوع من التفاهم وإن كان مثل هذا التفاهم لا يبدو قريباً.

بالتوازي مع الجهد العراقي، رُصدت في الحادي عشر من مايو/أيار الجاري طائرة أميرية قطرية في طهران. وحسب موقع flightradar فإن الطائرة A7-MBK من طراز أيرباص A320 حطت في طهران في الساعة السابعة مساء السبت وغادرت عند العاشرة والنص عائدة إلى الدوحة.

في اليوم التالي نشرت صحيفة عصر إيران خبراً عن زيارة لأمير قطر إلى طهران لكن مصدراً رسمياً إيرانياً نفى لبي بي سي أن يكون الأمير القطري قد زار طهران خلال الأيام الماضية. بيد أن هذا لا ينفى أن شخصية قطرية بارزة كانت في طهران مساء ذلك اليوم، وبناء على العلاقة المميزة للدوحة بواشنطن وبطهران، من الممكن أن تكون عملية تبادل رسائل أخرى تجري عبر القناة القطرية دون وجود تأكيد على ذلك.

تتسارع الأحداث بشكل لم يعهده الشرق الأوسط منذ سنوات، في ما تبدو إيران كمن لا يتعامل مع التهديدات الأميركية بجدية، بينما تبذل واشنطن جهداً كبيراً للتأكيد على ما تقول، وبين هذه وتلك ينتظر العالم إما سماع خبر اللقاء الأول أو صدى الرسالة القادمة.

 

المصدر: BBC