في الوقت الذي تنظم الإمارات مؤتمرات للتسامح وتتدعي الإيمان بقيم التعايش واحترام حقوق الإنسان، تكشف العديد من الأصوات حول العالم حقيقة الوضع في الإمارات وأن الشعارات البراقة كـ”التسامح” و”السعادة” و”الذكاء الاصطناعي” ما هي إلا مسعى حثيث منها لإخفاء الانتهاكات الحقوقية الجسيمة التي تجري على أراضيها على قدم وساق، وتحت مرأى الحكومة ومسمعها.

وثائقي إيطالي يكشف المستور

عرضت جامعة “فلورنسا” الإيطالية بالتعاون مع عدة مؤسسات أوروبية من بينها فرع اليونسكو، الثلاثاء (26 نوفمبر 2019)، على هامش استضافتها مؤتمراً دولياً، فيلماً وثائقياً مدته 50 دقيقة، حول الدعارة والجنس والاتجار بالبشر في الإمارات.

الاتجار بالبشر هو عملية استغلال الإنسان بالتهديد أو الابتزاز، واستغلال ظروف الشخص المستهدَف؛ بقصد التربح من ورائه أو ممارسة البغاء أو العمل الإجباري أو نقل الأعضاء، وتصنفه مؤسسات الأمم المتحدة وهيئاتها ضمن الجرائم المنتهكة لحقوق الإنسان.

وكشف الفيلم الوثائقي كيف تحولت دبي إلى قِبلة ووجهة للمهربين والعصابات الدولية المفضَّلة، التي تهرِّب البشر، مستعرضاً حالات ضحايا من شرقي القارة العجوز تم خداعهن من أجل القدوم إلى الإمارة الخليجية بغية العمل، لكن الواقع كان مغايراً؛ إذ أُجبرن على العمل في قطاعات الترفيه، وما تخفيه من دعارة وبغاء وجنس وملاهٍ ليلية.

وقدَّم الوثائقي، الذي أُنتج على مدى عامين كاملين، وتضمن تصويراً سرياً ومقابلات وتحليلات خبراء، شهادات موثقة لعدد من الضحايا الأوروبيات من دولة مولدوفا، التي تعرف فقراً مدقعاً، كما أكد الفيلم، الذي حمل عنوان “هي ليست للبيع”، أنه يتم استغلال النساء العاملات في صالات المساج والتدليك بالإمارات جنسياً، موضحاً أن ما نسبته 96% من ضحايا الاتجار بالبشر في الدولة الخليجية من النساء والأطفال.

وسلَّط الوثائقي، الضوء على سوء الوضع القانوني للأجانب والمغتربين فوق الأراضي الإماراتية، في ظل انتهاك حقوقهم، واعتمادهم كلياً على صاحب العمل، الذي يُمكنه حجب الأوراق ومنع المستحقات والرواتب الشهرية، دون تدخُّل حكومي يُنصفهم.

الحكومة تعترف!

قال ضاحي خلفان نائب رئيس شرطة دبي وعضو المجلس التنفيذي للإمارة، تعليقًا على انتشار التجارة الجنسية في دبي، في لقاء تليفزيوني إنها “بلوى عامة”، حيث رد على سؤال من أحد المذيعين حول السمعة التي التصقت بدبي بأنها مدينة المتعة الحرام قال، “إنها للأسف موجودة في فنادق دبي وإنها بلوى عامة”، على حد تعبيره.

يتم تنظيم هذه التجارة للأجانب والعرب بشكل سلسل يبدو طبيعيًا للوهلة الأولى، كي يحصلوا على ما يريدون من متعة جنسية مدفوعة الأجر، فدبي، مدينة مفتوحة وبها أجود وأغلى أصناف الخمور في المطارات الدولية، ناهيك عن انتشار شبكات التسهيل أو الوساطة الجنسية التي تُعْرَف بالقوادة، والتي يتولاها مقيمون سواء من العرب أو آسيا.

كل أنواع الفتيات وألوانهن وأمزجتهن، سمراوات وبيضاوات وأجنبيات وعربيات من كل الدول العربية والعالمية. يكاد لا توجد دولة عربية إلا ولها في دبي أحدٌ ما يعمل في التجارة الجنسية، حتى إن هناك ضحايا التجارة الجنسية من موريتانيات وسودانيات وأردنيات وسوريات ولبنانيات وصوماليات،إذ أن إنشاء شبكة التجارة الجنسية في دبي ليس بالأمر الصعب، فهو يحتاج إلى رجل أمن له نفوذه، وقوّاد ممن يتفقان على استقدام فتيات يمتلكن عقود زواج معقودة مع القواد نفسه، مما يسهل دخولهن وتأمين الإقامة لهن، ومن ثم يتم تشغيلهن تحت عين وسمع القواد المحمي من ضابط الأمن حيث يتم تقاسم بعض من الدخل معه في شكل يومي ثابت.

إدانات دولية

أكدت مؤسسة “Walk Free Foundation”، أن دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية عشر في مؤشر العبودية عالميًا، حيث إن هناك 98800 شخصًا يعيشون في كنف العبودية الحديثة، أي ما يعادل 1.06٪ من مجموع عدد السكان.

المدير التنفيذي لقطاع حقوق الإنسان في هيئة تنمية المجتمع الإماراتي، الدكتور غيث غانم السويدي، أكد أن بعض الضحايا يتعرضن للابتزاز والتهديد في بلادهن، لافتًا إلى أنه رصد هذه الحالات خلال عمله نائبًا ومديراً لمركز شرطة المرقبات في دبي، إذ علم أن العصابات في الدول التي تأتي منها الضحايا يهددونهن بالقتل أو إيذاء عائلاتهن، إذا لم يجلبن مبالغ مالية كبيرة نظير عملهن في الإمارات ودول خليجية أخرى، مشيرًا إلى أن بعض المبالغ المطلوبة من الضحية تصل أحيانًا إلى 100 ألف درهم.

وبحسب تقرير اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار في البشر، لم تتوقف جرائم تجار البشر عند حدود إجبار الضحايا على العمل في التجارة الجنسية، بل امتدت إلى ما يفترض أنه الحقوق التي ينبغي أن يتقاضينها عن العمل الذي يؤدينه، حيث ذكرت 14 ضحية من إجمالي 33 ضحية، أنهن لم يحصلن على أجورهن من تجار الجنس، على الرغم من استغلالهن في هذا المجال.

أطلقت مؤسسات حقوقية غربيةٌ حملة دولية لمقاطعة الإمارات، في أواخر 2017، تستهدف تعريف الرأي العام الغربي بالوجه الحقيقي للبلد الذي يسوِّق نفسه باعتباره واحة السعادة ورعاية حقوق الإنسان بالمنطقة، الغارقة في الحروب والانتهاكات، وبحسب الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات (ICBU)، فإن أبوظبي تمتلك سجلاً سيئاً في مجال حقوق الإنسان، مثل تسهيل الاتجار بالبشر، والعبودية الحديثة للعمالة، فضلاً عن استغلال العاملات في البغاء طوعاً أو جبراً.

وفي يوليو 2017، دشن نشطاء على موقع “تويتر” وسماً تحت عنوان #أوقفوا_الدعارة_في_دبي، مطالبين النظام الإماراتي بالكف عن ملاحقة النشطاء والسياسيين، والالتفات إلى شؤون الدولة، التي وصلت أوضاعها إلى الحضيض؛ بعد انتشار الجرائم والشذوذ والدعارة في مختلف مناطقها.