كشف تحقيق تلفزيوني مروع عن تنامي ظاهرة الاتجار بالبشر والجنس والبغاء القسري في الشرق الأوسط، خاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يعتبرها كثيرون من أكثر الدول تقدمًا، حيث يؤكد التحقيق الذي بثته قناة  “Vouli” اليونانية، أمس السبت، أن الإمارات تشهد العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، خاصةً الاتجار بالمرأة التي تبحث عن وظائف في قطاع الخدمات.

أرقام صادمة

بحسب ما كشف موقع “ميدل نيوز” الإسرائيلي، هناك إحصائيات تؤكد أن أكثر من 80% من سكان إمارة دبي أجانب من بينهم ما لا يقلّ عن 2% من العاملات في تجارة الجنس، فالمدينة التي استطاعت أن تنافس معظم العواصم العالمية في استقطاب الاستثمارات، والصناعة والسياحة في عقدين أو أقل، كانت أيضًا محطًا لأنظار الكثيرين من تجار ومافيات تجارة الجنس.

صممت البلادٌ البترولية الغنية أرضها بشكلٍ يستقطب كبار رجال الأعمال ليعيشوا برفاهية لا مثيل لها، فانتشرت ظاهرة التجارة الجنسية في معظم الفنادق والنوادي الليلية، حيث قدر عدد العاملات في هذا المجال بـ30000 امرأة من مختلف الجنسيات، إذ أكد هذا الرقم الكاتب الصحفي البريطاني ويليام بتلر في تقرير له تحت عنوان “الحياة الليلية في دبي” والذي نشر في صحيفة الجارديان البريطانية بقوله، “من المستحيل معرفة عدد ضحايا التجارة الجنسية أو بائعات الهوى في دبي، كما أنه من الصعب أيضا حصر عدد المتخفيات أو اللاتي من يمارسن الجنس في أوقات الفراغ، لكن إحدى الإحصائيات تشير إلى نحو 30 ألف ضحية في دبي البالغ عددهم نحو 1.5 مليون نسمة”.

أضاف الكاتب الصحفي ويليام بتلر الذي عاش في دبي لأربعة سنوات قبل أن يعود إلى بريطانيا، “لو قمنا بمقارنة هذا الرقم في بريطانيا، لكان ذلك يعني أن سكان غلاسكو وليدز كلاهما يمثلان عدد ضحايا التجارة الجنسية أو بائعات الهوى في دبي” على حد قوله، في حين قدرت وزارة الخارجية الأمريكية، عدد النساء اللائي يجبرن فقط على التجارة الجنسية في دبي بنحو 10,000 امرأة.

اعتراف حكومي

قال ضاحي خلفان نائب رئيس شرطة دبي وعضو المجلس التنفيذي للإمارة، تعليقًا على انتشار التجارة الجنسية في دبي، في لقاء تليفزيوني إنها “بلوى عامة”، حيث رد على سؤال من أحد المذيعين حول السمعة التي التصقت بدبي بأنها مدينة المتعة الحرام قال: “إنها للأسف موجودة في فنادق دبي وإنها بلوى عامة”، على حد تعبيره.

يتم تنظيم هذه التجارة للأجانب والعرب بشكل سلسل يبدو طبيعيًا للوهلة الأولى، كي يحصلوا على ما يريدون من متعة جنسية مدفوعة الأجر، فدبي، مدينة مفتوحة وبها أجود وأغلى أصناف الخمور في المطارات الدولية، ناهيك عن انتشار شبكات التسهيل أو الوساطة الجنسية التي تُعْرَف بالقوادة، والتي يتولاها مقيمون سواء من العرب أو آسيا.

كل أنواع الفتيات وألوانهن وأمزجتهن، سمراوات وبيضاوات وأجنبيات وعربيات من كل الدول العربية والعالمية. يكاد لا توجد دولة عربية إلا ولها في دبي أحدٌ ما يعمل في التجارة الجنسية، حتى إن هناك ضحايا التجارة الجنسيةمن موريتانيات وسودانيات وأردنيات وسوريات ولبنانيات وصوماليات، إذ أن إنشاء شبكة التجارة الجنسية في دبي ليس بالأمر الصعب، فهو يحتاج إلى رجل أمن له نفوذه، وقوّاد ممن يتفقان على استقدام فتيات يمتلكن عقود زواج معقودة مع القواد نفسه، مما يسهل دخولهن وتأمين الإقامة لهن، ومن ثم يتم تشغيلهن تحت عين وسمع القواد المحمي من ضابط الأمن حيث يتم تقاسم بعض من الدخل معه في شكل يومي ثابت.

قصص مأساوية

المصورة الصحفية البلغارية ميمي تشاكاروفا، نقلت في برنامج فلاش بعنوان “مولدوفا: سعر الجنس” عن ضحية تدعى “فيكا”،  قولها تم أحيانا إجبارها على تقديم خدماتها لأكثر من 30 زبون يوميا، وسرعان ما تعلمت المصطلحات الإنجليزية اللازمة لمنع مالكها من ضربها.

نعيمة. ن عادت إلى المغرب بعد نهاية خدعة حب، بدأت بنقرات على فأرة الشات وانتهت بالترحيل القسري، فقد كانت ضحية على غرار ضحايا غرر بهن، بعد أن استقبلهن مواطن في سكن معد للرذيلة وأرغمهن على الذهاب إلى الملاهي الليلية واصطياد الزبائن لممارسة الجنس مقابل مبلغ من المال، وكان يتوعدهن ويعتدي عليهن بالضرب في حالة العودة الى السكن من دون حصيلة.

مليكة. ع إمرأة مغربية من منطقة “طنجة” ، في أواسط العقد الثالث من العمرعلى قدر كبير من الجمال يميّزها عن غيرها، تروي قصتها قائلة: تركت بلدي لأني أنتمي لعائلة تعيش دون خط الفقر، فوالدي متوفى منذ أن كنا أطفالا، وتزوجت في سنٍّ مبكرة، وأنجبت ثلاثة أطفال: بنتين وولد، وتضيف “إن زوجها كان عنيفًا وكثيرا ما تعرضّت للضرب المبرح على يديه”، ووالدتها العجوز تعمل كبائعة متجولة فمدينة طنجة.

وتحدثت في حوار لـ “إيلاف”عن طفولتها القاسية والأحياء الفقيرة المنتشرة في المغرب ومنازل المعدمين، مضيفة “أعمل لأني مضطرة ولقد عرضت نفسي للزواج – حتى ولو سرًّا- على بعض من صادقتهم غير أنهم رفضوا”  وردًّا على سؤال بأنها هل تقبل لابنتها هذه المهنة؟: قالت: “قطعًا لا، أتحمل كلّ شيء من أجل ابنتيّ، وطبعًا أولادي لا يعرفون أبدا عملي وأني وإن تعرضت للمهانة، لكني لا أريدها لأطفالي أبدا”.

منظمات دولية تدين الإمارات

أكدت مؤسسة “Walk Free Foundation”، أن دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية عشر في مؤشر العبودية عالميًا، حيث إن هناك 98800 شخصًا يعيشون في كنف العبودية الحديثة، أي ما يعادل 1.06٪ من مجموع عدد السكان.

المدير التنفيذي لقطاع حقوق الإنسان في هيئة تنمية المجتمع الإماراتي، الدكتور غيث غانم السويدي، أكد أن بعض الضحايا يتعرضن للابتزاز والتهديد في بلادهن، لافتًا إلى أنه رصد هذه الحالات خلال عمله نائبًا ومديراً لمركز شرطة المرقبات في دبي، إذ علم أن العصابات في الدول التي تأتي منها الضحايا يهددونهن بالقتل أو إيذاء عائلاتهن، إذا لم يجلبن مبالغ مالية كبيرة نظير عملهن في الإمارات ودول خليجية أخرى، مشيرًا إلى أن بعض المبالغ المطلوبة من الضحية تصل أحيانًا إلى 100 ألف درهم.

وبحسب تقرير اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار في البشر، لم تتوقف جرائم تجار البشر عند حدود إجبار الضحايا على العمل في التجارة الجنسية، بل امتدت إلى ما يفترض أنه الحقوق التي ينبغي أن يتقاضينها عن العمل الذي يؤدينه، حيث ذكرت 14 ضحية من إجمالي 33 ضحية، أنهن لم يحصلن على أجورهن من تجار الجنس، على الرغم من استغلالهن في هذا المجال.

وكشف تقرير اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار في البشر، أن هناك ضحية، تبلغ 13 عامًا، علمت أنها ستستغل في مجال التجارة الجنسية، بعد بيعها لتجار البشر من قبل أولياء أمرها بعد وفاة والديها الحقيقيين، وأن هناك 14 ضحية تعرضن لتهديد لفظي لإجبارهن على الخضوع والامتثال، بينما تعرضت 13 منهن للضرب وأربع منهن للاغتصاب.