العدسة _ جلال إدريس

حرب إعلامية جديدة انطلقت على مدار اليومين الماضيين بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر، وذلك عقب قيام الأخيرة بافتتاح مكتبة قطر الوطنية التي تعدّ أحدث مشروع ثقافي في البلاد، والتي افتتحها الأمير تميم بن حمد وشارك في افتتاحها رؤساء دول سابقون ودبلوماسيون ومثقفون من 52 دولة.

افتتاح مكتبة قطر الوطنية، لم يكن في حد ّ ذاته مع محور الحرب الإعلامية، لكن ما احتوته تلك المكتبة من وثائق خطيرة ومثيرة تتعلق بالملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الثالثة، وتلقيه رشاوى وأموالًا من الاحتلال البريطاني، وعِمالته للإنجليز، وغير ذلك من الاتهامات المثيرة.

“العدسة” ومن خلال التقرير التالي تسلط الضوء على المكتبة الوطنية لقطر، وأبرز ما تعرضه تلك المكتبة، والوثائق السعودية الخطيرة التي أثارت جدلًا واسعًا، وكذلك تلقي الضوء على السجال الذي دار بين مؤسسات سعودية وإعلاميين قطريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الأيام الماضية.

خزانة لتاريخ التدوين

تعدّ مكتبة قطر الوطنية والمقامة على مساحة 45 ألف متر مربع هي أحد مشروعات مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع وبدأ العمل فيها في نوفمبر 2012، وتضم مكتبة تراثية يزيد عدد مقتنياتها عن 50 ألف مادة تشمل مخطوطات ووثائق تاريخية وكتبًا قديمة من بدايات عصر الطباعة وخرائط تاريخية وصورًا فوتوغرافية نادرة وآلات مِلاحة قديمة.

وبحسب الموقع الرسمي للمكتبة على الإنترنت فإنَّ طاقتها الاستيعابية تبلغ مليونًا و200 ألف كتاب.

ووضع تصميم المكتبة المعماري الهولندي ريمينت كولهاس على شكل ورقة مطوية من الجهات الأربع، وتضم بجانب قاعات الاطلاع قاعات للمحاضرات والعروض الأدائية والأعمال الفنية كما جاء على وكالة “رويترز”.

وبمناسبة الافتتاح وضع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الكتاب رقم مليون على أرفف المكتبة، وهو نسخة نادرة من مخطوط (صحيح البخاري) للحديث النبوي يرجع تاريخها لعام 1175 ميلادية.

وقالت الشيخة موزا بنت ناصر، رئيسة مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع في الافتتاح: “نبعت فكرة المكتبة الوطنية في قطر لتكون خزانة لتاريخ التدوين، ووسيطًا لنقل المعرفة بين مختلف الثقافات، ولتصبح بدرجة أساسية مؤسسة مرجعية للتراث العربي والإسلامي، ومنصة لنشر النتاج الفكري والأدبي المعاصر”.

وأضافت: “صُممت المكتبة في شكلها ومضمونها لتكون ثلاثية الأبعاد؛ فهي مكتبة وطنية ومكتبة عامة ومكتبة بحثية في آن معًا، وبوصفها مكتبة رقمية متقدمة سوف تتيح لمستخدميها الوصول السريع للمعلومة الدقيقة، كما توفر للأجيال الجديدة الأدوات المعرفية الكثيرة من أجل قراءة صحيحة للتاريخ”.

وثائق “عبد العزيز” المثيرة

وسرعان ما أشعلت مكتبة قطر الوطنية، الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعدما عرضت المكتبة على موقعها الإلكتروني، وثائق خطيرة تتعلق بنشأة الدولة السعودية ومؤسسها الملك عبد العزيز آل سعود.

وتتكون الوثائق من رسائل وبرقيات وتقارير إدارية ومذكرات وملاحظات مكتوبة بخط اليد تتعلق بشؤون عبد العزيز آل سعود، ونجد، حصلت عليها من المكتبة البريطانية، وغالبيتها مكتوبة باللغة الإنجليزية.

واحتوت الوثائق على مراسلات متبادلة بين آل سعود والوكالات السياسية في البحرين والكويت وجدة، والمندوب السامي في العراق، والمندوب السامي في مصر، والمقيم في عدن، ومكتب المستعمرات البريطانية، ومكتب الهند، ووزارة الخارجية في لندن.

وبرز من بين الوثائق أنَّ الحكومة البريطانية كانت تدفع للملك عبد العزيز أموالًا بشرط عدم توسع الأخير في نفوذه في منطقة الخليج العربي.

وفي وثيقة أخرى، يظهر أنَّ الملك عبد العزيز ربط حملته العسكرية، التي قضت على حكم آل رشيد، بتلقي دعم مباشر من بريطانيا.

السعودية تعترف بصحتها

المثير في الأمر أن السعودية أقرت بصحة تلك الوثائق، حيث اعترفت “دارة الملك عبد العزيز” بصحة الوثائق، علمًا أن الدارة يرأسها الملك سلمان، وتتبع بشكل رسمي للحكومة السعودية، ومتخصصة في تدوين وتوثيق التاريخ السعودي.

“الدارة السعودية”  اضطرت للرد على الوثائق، بعد أن نشر الصحفي القطري ورئيس تحرير صحيفة “العرب” القطرية عبر حساب الرسمي في “تويتر” بعضًا من تلك الوثائق التي تؤكّد تلقي الملك عبد العزيز “أموالًا من الاحتلال البريطاني” لوقف توسعاته في دول الخليج.

وفي ردِّها على تغريدة “العذبة”  أقرت بصحة الوثيقة، نافية أن تكون الأموال عبارة عن “رشوة”، وتابعت: “هذه المشاهرة التي تسميها مدفوعات هي ضمن سياسة بريطانيا؛ لمنع الملك عبدالعزيز من أن يمتد بنفوذه إلى مناطق تحت نفوذها آنذاك، وكانت ضمن نفوذ أجداده في الدولة السعودية الأولى، وهي الأرض التي تعيش أنت اليوم فيها”، في إشارة إلى قطر.

رد “الدارة” اعتبره الصحفي القطري عبد الله العذبة، بمثابة اعتراف رسمي من الحكومة السعودية بتلقي أموال بريطانية مقابل عدم احتلال قطر، في عهد الملك المؤسس.

وردّت الدارة مجددًا على العذبة، قائلة إنَّ “الملك عبدالعزيز يقدر الأخوة والجيرة ويحترمها، وفي عام 1905، طلب الشيخ قاسم آل ثاني العون من الملك عبدالعزيز ضدّ أخيه الشيخ أحمد آل ثاني، الذي قام ضد الشيخ قاسم، فوصله الملك عبدالعزيز في الدوحة وأعاد الاستقرار لها”.

رابط الوثائق التي نشرها العذبة

 

المملكة تخشى الفضيحة

ووفقًا لموقع “الخليج الجديد” فلا تعد هذه المرة الأولى التي تخشى السعودية نشر وثائق عن حقبة الملك عبد العزيز؛ ففي عام 2012 عندما أعلنت مؤسسة قطر، بالتعاون مع المكتبة البريطانية، عن مشروع رقمنة الوثائق والمخطوطات والخرائط المحفوظة بأرشيف وزارة الهند التابعة للمكتبة البريطانية في لندن، المتعلقة بالخليج العربي، ونشرها على الإنترنت، تحركت “دارة الملك عبد العزيز” لإيقافه.

وخشيت السعودية من نشر الوثائق والمخطوطات على الإنترنت، خاصة أنَّ المحتوى الذي ستتم إتاحته يتضمن تقارير سياسية واستخباراتية ومراسلات، قد لا يناسب نشرها للعموم دون تدقيق، فضلًا عن المشاكل التي قد تواجهها ترجمة تلك الوثائق من الإنجليزية إلى العربية، وما قد ينتج عن مغالطات وأخطاء لغوية، كما برّر الملك سلمان في العام 2012، في وثيقة نشرها الصحفي القطري عبد الله العذبة.

وبالفعل خاطبت وزارة الخارجية السعودية حينها سفارة دولة قطر في الرياض، وسفارتها في الدوحة، لإيصال الرسالة إلى الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية آنذاك، كما ذكرت صحيفة “الشرق” القطرية.

وأفادت وزارة الخارجية في الرسالة برغبة السعودية في مشاركة مختصين من دارة الملك عبد العزيز في المشروع المشار إليه، ووافقت قطر على الطلب السعودي، ورحَّبت مؤسسة قطر بانضمام أعضاء سعوديين إلى مشروع الرقمنة عبر إرسال وفد من دارة الملك عبد العزيز للمشاركة في المشروع.

وكان العذبة وآخرون نشروا وثيقة مسربة مروّسة باسم الملك سلمان، أرسلها إلى وزير الخارجية عادل الجبير؛ لاتخاذ الإجراءات والاحتياطات اللازمة للردّ على الوثائق التي نشرتها مكتبة قطر الوطنية.

وجاء في البرقية المنسوبة للملك سلمان بصفته رئيسًا لمجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، أنَّ الوثائق التي نشرتها قطر تضم مراسلات استخباراتية وسياسية، لا يتناسب نشرها أمام العامة، وفقًا للبرقية.

 رابط البرقية

اعترافات سابقة للأمير طلال

وثائق المكتبة القطرية، أعادت للأذهان الاعترافات السابقة التي اعترف بها أحد أبناء الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة والذي أكّد  تلقي والده أموالًا من الحكومة البريطانية.

وكان الأمير طلال بن عبد العزيز، قد أكّد وهو في لقاء سابق مع قناة الجزيرة عام 2002  أن والده بالفعل تسلم أموالاً من لندن على شكل قروض شهرية لتسيير شؤون مملكة نجد والحجاز وقتها، قبل استخراج النفط من الصحراء السعودية.

كما أبرمت لندن مع الملك عبد العزيز معاهدة جدة للصداقة عام 1927 بين مملكة نجد والحجاز وقتها وبريطانيا العظمى، والتي كانت أول اعتراف رسمي بريطاني بحكم الملك عبد العزيز.

وتنصّ المادة السادسة من المعاهدة على أن “يتعهد صاحب الجلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها بالمحافظة، على علاقات الود والسلم مع الكويت والبحرين ومشايخ قطر والساحل العماني الذين لهم معاهدات خاصة مع حكومة صاحب الجلالة البريطانية”.

وعلى مدار فترة الوجود البريطاني في الخليج العربي والذي يمتد من العام 1820 وحتى انسحابها في 1971، كانت هي القوة المهيمنة في منطقة الخليج، بهدف تطوير المصالح التجارية، وقد بدأت طبيعة التَدخُّل البريطاني تتغير بعد أن تمكنت من توطيد وتوسيع ممتلكاتها الاستعمارية في الهند.