العدسة – منذر العلي

فصل جديد من فصول الفساد في المحكمة الجنائية الدولية، تكشفه عشرات الآلاف من الوثائق السرية التي حصل عليها موقع “ميديابارت” الفرنسي للتحقيق.

فبعد أن فضحت الوثائق فساد المدعي العام السابق للمحكمة “لويس مورينو أوكامبو”، كشفت اتصالات سرية بينه وبين المدعية الحالية “فاتو بنسودا”، واتهمت الأخيرة بأنها شريكته في الفساد.

تلك الوثائق تتهمه بتمرير معلومات مهمة لملياردير ليبي وثيق الصلة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي وخليفة حفتر قائد القوات المنبثقة عن برلمان طبرق، بهدف حمايته مقابل الحصول على رشوة. (تفاصيل أوسع في تقرير سابق)

الاتهام يقود إليه تصريحات “بنسودا” لفريق مجلة “دير شبيجل” الألمانية– التي حللت الوثائق بالشراكة مع شبكة التعاون الأوروبي الاستقصائي (EIC) – عند مواجهتها بوثائق اتهام أوكامبو، حينما قالت إنها المرة الأولى التي سمعت فيها أن الموظفين الحاليين والسابقين في مكتبها عملوا لصالح “أوكامبو” أو نقلوا معلومات داخلية إليه، وأنها قد أعلنت تحقيقًا حول ذلك.

بنسودا

 

بنسودا شريكة أوكامبو

موقع ” Afrique Sur 7″ الإخباري باللغة الفرنسية، قال في تقرير له إنه في حين كانت تدعي الابتعاد عن أوكامبو، فإن “بنسودا” وقعت في الخيانة، حيث يشهد البريد الإلكتروني أن المدعية العامة الحالية ظلت على اتصال مع رئيسها السابق بعد مغادرته المحكمة الجنائية الدولية.

“عندما يريد المرء أن يدافع عن نفسه أكثر من اللازم، ينتهي به الأمر إلى الوقوع في الفشل، وربما تكلف هذه التجربة المريرة لبنسودا حياتها المهنية”، بحسب الموقع.

التسريبات التي تناولت محتويات 40 ألف وثيقة تضم وثائق داخلية للمحكمة الجنائية الدولية، وعقود، وبرقيات دبلوماسية وسجلات مصرفية ورسائل بريد إلكتروني، كشفت فضيحة فساد أوكامبو.

لكن منذ الكشف عن الفضيحة، تؤكد المدعية العامة الجامبية “بنسودا” أنها ليست مهتمة على الإطلاق من قريب أو بعيد بالقضية، كما أشارت إلى أنها لم تعد على اتصال مع رئيسها السابق منذ أن ترك الأخير المحكمة الجنائية الدولية في عام 2012.

 

بنسودا “ميكس”!

لكن على الجانب الآخر، تبدو “بنسودا” مصممة على ملاحقة المتورطين في جرائم حرب بليبيا، حيث جددت في سبتمبر الماضي، تأكيدها على استمرار المحكمة الجنائية الدولية في ملاحقة كل من صدر بحقه أوامر قبض في ليبيا، إضافة إلى أن المجال سيكون مفتوحًا لضم أسماء جديدة لملاحقتها.

وقالت، على هامش لقاء جمعها مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فائز السراج، بمقر البعثة الليبية لدى الأمم المتحدة في نيويورك، إنها لن تتردد في تقديم قضايا جديدة في ليبيا كلما توافرت الأدلة علاوة على الاستمرار في ملاحقة من صدرت في حقهم طلبات قبض سابقًا.

هذا اللقاء سبقه دعوة “بنسودا” لإلقاء القبض على “محمود الورفلي” أحد القادة الميدانيين في قوات خليفة حفتر، والصادر ضده في أغسطس الماضي مذكرة اعتقال بتهمة ارتكاب عمليات قتل وتصفية لمدنيين ومقاتلين مصابين بين عامي 2016 و2017.

فكيف لا تهتم المدعية بفضيحة أوكامبو المتعلقة بالجرائم المرتكبة في ليبيا، وفي الوقت ذاته تعتزم ملاحقة المزيد من المتورطين في تلك الجرائم؟.

حفتر

 

أوكامبو

 

عزيزي لويس

غير أن رسالتين بالبريد الإلكتروني أرسلتهما “بنسودا” إلى “أوكامبو” تشهدان على وجود اتصال بالفعل بينهما، بعد أن ترك الأخير المحكمة.

الرسالة الأولى كانت في 4 سبتمبر 2013، وتناولت إشارة “بنسودا” إلى القضايا التي كان ينتظر البت فيها أمام المحكمة، وقالت فيها: “عزيزي لويس، آمل أن تكونوا بخير. أنا قلقة بشأن كينيا بشكل عام. لا شيء جديد يحدث إلا أننا نستعد للمحاكمة في 10 سبتمبر. يتهمنا الدفاع بالتورط في مؤامرة. إحضار الشهود على الكذب يهدد إجراءات المادة 70”.

وفي الرسالة الثانية بتاريخ 10 مارس 2014، قالت: “على أي حال، نحن نتعامل مع كل هذا. على الجبهة الأخرى التي ناقشناها، إذا كنا نستطيع التحدث، وسوف أقوم بتحديث التفاصيل لك”، ليأتي جواب “أوكامبو”: “أنا أقدر ذلك. شكرًا لك”.

هذا التواصل يوحي بأن الأمور باتت في غير صالح “بنسودا”، خاصة وأن ما نفته حتى الآن قد تم تسليط الضوء عليه، ويبدو أيضًا أن التحقيق الداخلي الذي أعلنته بالمحكمة انتهى قبل أن يبدأ.

اتهامات سودانية سابقة

الشبهات المحيطة بالمدعية العامة للمحكمة، تعيد إلى الأذهان اتهامات طالتها بالفساد وتلقي رشاوى في سياق الخلاف مع السودان، والاتهامات المتكررة التي توجهها بحق الرئيس عمر البشير الصادر بحقه مذكرة اعتقال في 2009 بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور.

الدبلوماسي السوداني “سراج الدين حامد” كشف في يوليو 2016، أن الخارجية السودانية بصدد تحريك إجراءات قانونية عبر الدول الصديقة بمجلس الأمن ضد المحكمة الجنائية الدولية.

وقال إن المبالغ التي تلقتها المحكمة من دول مختلفة بدعوى “حماية الشهود” رشوة تؤكد فساد المحكمة ، مشيرًا إلى أنه ليس من مصلحة المدعية فتح ملف الرشاوى، لأنها كانت بالمحكمة قبل توليها منصب المدعي العام.

عمر البشير

 

من هي بنسودا؟

تولت المحامية الجامبية “فاتو بنسودا” العديد من المناصب في بلادها، حيث عملت عام 1987 في وزارة العدل كنائبة للمدعي العام، وبعد الانقلاب الذي شهدته بلادها في يوليو 1994 أصبحت مستشارة قانونية في مكتب الرئيس يحيى جامي، ثم ارتقت في المناصب حتى وصلت إلى منصب المدعي العام في بانجول عام 1998 ووزيرة العدل.

واستمرت في منصب وزيرة العدل حتى العام 2000، حيث أقالها الرئيس جامي لخلاف بينهما، لتفتح بعدها مكتب محاماة، ثم لتتولى إدارة أحد البنوك بين عامي 2000 و2002.

علاقتها بالمحكمة الجنائية الدولية بدأت في مايو 2002 عندما أصبحت مستشارة قانونية في المحكمة الخاصة برواندا والتي كان مقرها في مدينة أروشا بتنزانيا، وهي محكمة تولت قضية متعلقة بأكثر الصراعات العرقية دموية في القرن العشرين بالقارة السمراء.

ومنذ عام 2004 التحقت بنسودا بالمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي؛ حيث اشتغلت نائبة للمدعي العام لويس أوكامبو، ثم خلفته في المنصب يوم 12 ديسمبر 2011، في تصويت للدول الـ 120 الأعضاء في المحكمة خلال الاجتماع السنوي الذي عقد بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، وأدت القسم يوم 15 يونيو 2012.

وحظي اختيار السيدة الإفريقية في هذا المنصب الدولي الرفيع، بترحيب واسع من الوسط القانوني الدولي ومن المؤسسات غير الحكومية.