كشفت وثائق مسربة عن الدور المحوري الذي يلعبه الصحفي والناشط البلجيكي أندي فيرماوت في الترويج لسجل حقوق الإنسان في الإمارات من خلال تكوين تحالفات مزيفة تضم منظمات غير حكومية.
فيما يقدم فيرماوت نفسه كرئيس للمجلس العالمي للدبلوماسية العامة والحوار المجتمعي، وهو ما يتيح له النفاذ إلى منابر دولية، مثل الأمم المتحدة، للترويج لدولة الإمارات على أنها نموذج في حقوق الإنسان.
إلا أن الوثائق المسربة تشير إلى عكس ذلك، حيث تكشف أن أنشطته مدفوعة بتوجهات سياسية ومالية، الهدف منها تعزيز الصورة الإيجابية للإمارات وتلميع سمعتها المتدهورة في مجال حقوق الإنسان، في وقت تواجه فيه الإمارات انتقادات واسعة بسبب ممارساتها القمعية وقيودها على الحريات العامة.
خطة خبيثة لإخفاء الانتهاكات
تتزايد الانتقادات الدولية تجاه سجل الإمارات في حقوق الإنسان، لا سيما فيما يتعلق بمعاملة العمال المهاجرين، وفرض قيود واسعة على حرية التعبير. في هذا السياق، ظهر دور أندي فيرماوت جلياً في تشكيل تحالف من المنظمات غير الحكومية يروج لإنجازات الإمارات الوهمية.
رغم أن الإمارات لم تقدم إصلاحات جوهرية لتحسين ظروف العمال الوافدين، لا سيما في ظل استمرار نظام الكفالة سيء السمعة، أصر فيرماوت في كلماته أمام مجلس حقوق الإنسان على وصف الإمارات بأنها رائدة في مجال حقوق الإنسان، وزعم أنها اتخذت خطوات إيجابية نحو تحسين أوضاع العمال.
وقد بلغت مساعي فيرماوت ذروتها في الدورات الأخيرة لمجلس حقوق الإنسان، حيث تمكن من جمع تأييد منظمات غير حكومية لدعم هذا التوجه وتضليل المجتمع الدولي حول وضع حقوق الإنسان في الإمارات. وأكدت الوثائق المسربة أن تلك الجهود تستهدف تزيين صورة الإمارات في المجتمع الدولي كدولة منفتحة ومتقدمة في حقوق الإنسان، على الرغم من الأدلة المتزايدة على عكس ذلك.
منال مسالمي
أدى دور أندي فيرماوت في تعزيز الصورة الزائفة للإمارات إلى انضمام العديد من الشخصيات المثيرة للجدل في هذا التحالف، ومن أبرزهم الناشطة السياسية منال مسالمي.
تدّعي مسالمي أنها مستشارة سياسية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البرلمان الأوروبي، إلا أن الوثائق تشير إلى دورها المزدوج في خدمة الأجندات الإماراتية والإسرائيلية في أوروبا، من خلال التعاون الوثيق مع الموساد.
يُذكر أن مسالمي تحصل على دعم مالي من الإمارات منذ سنوات، وتلعب دوراً محورياً في تسويق خطاب الإمارات في المحافل الأوروبية، حيث تشارك في حملات دعائية تتبنى خطاباً معادياً لقطر وتروج للتسامح الإماراتي المزعوم.
ويشمل تأثير مسالمي المشاركة في الإعلام المؤيد للإمارات، حيث تظهر بشكل منتظم على القنوات السعودية والإماراتية، وتسهم في كتابة مقالات تروج للإمارات كدولة متقدمة في مجال حقوق الإنسان.
كما كشفت الوثائق عن وجود علاقات دافئة تجمعها بدبلوماسيين إماراتيين، من ضمنهم سفير أبوظبي في بروكسل، محمد السهلاوي. وتظهر صور غير منشورة لها في لقاءات ودية مع السهلاوي، مما يطرح تساؤلات حول استقلالية أنشطتها ومدى تأثير اللوبي الإماراتي في توجيه خطابها.
لم تقتصر أنشطة أندي فيرماوت على تلميع صورة الإمارات، بل شملت كذلك محاولات لتوجيه الانتباه بعيداً عن انتهاكاتها، عن طريق استغلال قضايا أخرى، من ضمنها قضية رجل الأعمال الفرنسي الجزائري طيب بن عبد الرحمن. وقد سبق أن أدين بن عبد الرحمن في قطر بتهمة التخابر لصالح دولة أجنبية، لكن فيرماوت استغل هذه القضية لتوجيه الأنظار بعيداً عن الانتهاكات الإماراتية، من خلال طرح روايات تبرز بن عبد الرحمن كوسيط دولي ذو تأثير، في حين تشير الوثائق إلى أن نشاطه يخدم أجندات سياسية إماراتية.
تتزايد الأدلة على أن بن عبد الرحمن يروج لنفسه على منصات إعلامية عربية كمسؤول ومستشار لسياسيين بارزين، مثل سيف الإسلام القذافي، لدعم ظهوره السياسي. إلا أن هذه الدعاية اتضح لاحقاً أنها غير صحيحة، حيث أصدر القذافي بياناً يكذب فيه هذه الادعاءات ويؤكد عدم وجود أي علاقة بينهما. وقد كشفت الوثائق أن هدف فيرماوت من هذا الترويج هو التغطية على الممارسات القمعية للإمارات من خلال إثارة قضايا أخرى وتشتيت انتباه المجتمع الدولي.
البحريني عيسى العربي واللوبي الإماراتي
في إطار شبكة اللوبي الإماراتي، ينشط البحريني الحاصل على الجنسية الإماراتية، عيسى العربي، في محاولة للتأثير على منظمات حقوقية إفريقية من خلال شراء ذممها بالمال، بهدف تحريف الحقائق حول الانتهاكات الحقوقية في الإمارات.
ويقود العربي ما يسمى “الاتحاد العربي لحقوق الإنسان”، وهي منظمة خاملة تستخدم فقط لتبييض سجل حقوق الإنسان في الإمارات وترويج خطابات دعائية تخدم الأجندات الإماراتية والسعودية، مع مهاجمة خصومهما.
يحصل العربي على دعم سخي من النظام الإماراتي ويستغل منصبه لإطلاق حملات إعلامية زائفة تتحدث عن إنجازات الإمارات في مجال حقوق الإنسان، متجاهلاً ممارساتها القمعية تجاه المعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان، بل ويهاجم خصوم الإمارات عبر منبره الحقوقي المزعوم.
وتشير الوثائق إلى أن العربي يستغل هذا المنبر لكسب تمويلات إضافية من الإمارات مقابل تقديم معلومات عن المعارضين.
ندوة مشبوهة في جنيف
نظمت مسالمي بالتعاون مع فيرماوت ندوة في نادي الصحافة السويسري بجنيف في مايو 2024، للترويج لتجربة الإمارات في مجال حقوق الإنسان، وجاءت هذه الندوة قبيل تقديم الإمارات لتقريرها الوطني حول حالة حقوق الإنسان وفقاً لآلية المراجعة الدورية الشاملة التابعة للأمم المتحدة.
ألقى فيرماوت كلمة أشار فيها إلى ما وصفه “بتطور نظام العدالة” في الإمارات، داعياً للاستفادة من تجربتها، رغم أن الواقع يعكس انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وقد كشف حضور الندوة عن توزيع مبالغ مالية تتجاوز 450 مليون فرنك سويسري لدعم حملات ترويجية لمصلحة الإمارات، حيث دفعت الإمارات مبالغ تصل إلى 30 ألف فرنك سويسري لكل منظمة حضرت هذه الندوة، مما يوضح حجم الاستثمارات التي تخصصها الإمارات لتبييض صورتها الحقوقية أمام المجتمع الدولي.
تتعرض الإمارات لانتقادات متكررة من خبراء الأمم المتحدة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، ومع ذلك يصر أندي فيرماوت على تبييض هذه الانتهاكات عبر ترويج خطاب مضلل حول مؤسساتها الإصلاحية.
وفي أكثر من مناسبة، امتدح فيرماوت سياسات الإمارات في إدارة السجون ومراكز التأهيل، واعتبرها نموذجاً لتحقيق السلام والأمن الاجتماعي، في تجاهل واضح للأدلة الموثقة حول القمع الممارس داخل تلك المؤسسات. بل وصل به الأمر إلى تبرير هذه الانتهاكات بأنها تهدف إلى “حماية المجتمع من الأيديولوجيات العنيفة”، في حين أن الوقائع تؤكد أن الإمارات تستهدف نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين بالدرجة الأولى.
ازدواجية المعايير
يظهر التحيز الواضح في نشاط فيرماوت عندما يتعلق الأمر بقطر، حيث يستغل أي مناسبة لمهاجمة سجل حقوق الإنسان القطري، وخاصة في ملف العمالة، وذلك تماشياً مع الخطاب الإماراتي. خلال بطولة كأس العالم في قطر 2022، لم يتردد فيرماوت في انتقاد الأوضاع العمالية في قطر، في حين أغفل تماماً الأوضاع المأساوية للعمال في الإمارات. هذا التوجه المزدوج يعكس مدى تأثر فيرماوت بالدعم الإماراتي، مما يؤكد انحيازه الواضح وتوظيفه نشاطه كأداة لخدمة أجندات سياسية.
تعمل المنظمات غير الحكومية التي يقودها فيرماوت بتنسيق وثيق مع منظمات موالية لإسرائيل، لتضخيم صورة الإمارات في مجال حقوق الإنسان. ويجسد هذا التعاون تحالفاً غير معلن بين الإمارات وإسرائيل في مجال تبييض سجلات حقوق الإنسان. وكشفت الوثائق أن الإمارات تدفع ملايين الدولارات لتضخيم هذه الصورة، وقد تلقى فيرماوت أكثر من مليوني يورو خلال 18 شهراً لتنسيق جهود العلاقات العامة لصالح الإمارات.
الخلاصة أن أنشطة أندي فيرماوت ومنال مسالمي وعيسى العربي تكشف عن شبكة متكاملة تهدف إلى تزييف الحقائق وتضليل المجتمع الدولي حول وضع حقوق الإنسان في الإمارات.
وبينما يروج فيرماوت للإنجازات المزعومة للإمارات في هذا المجال، تظهر الأدلة الموثقة دوره الفعلي كواجهة ترويجية مدفوعة الثمن، تهدف إلى تبييض صورة الإمارات على حساب القيم والمبادئ الإنسانية.
اقرأ أيضًا : ذراع بن زايد الأمني.. دعوات لاعتقال رئيس الإنتربول بسبب انتهاكات حقوقية في اسكتلندا
اضف تعليقا