العدسة – معتز أشرف:
تأزمت العلاقات بين أنقرة وواشنطن في الأشهر القليلة الماضية؛ بسبب عدد من القضايا من بينها السياسة الأمريكية في سوريا، وعدد من الدعاوى القضائية ضد أتراك وأمريكيين محتجزين في البلدين، رغم بعض الاتفاقات العسكرية الأخيرة في سوريا التي اعتبرها المراقبون فرصة للتهدئة بين البلدين.
دخول مجلس الشيوخ على خط الأزمة بإقراره قانونًا بمنع صفقة المقاتلات أف – 35 أشعل الأمور مجددًا، وأعادها لواجهة الأحداث، وهو ما نرصد توابعه وتاثيراته على العلاقات المشتركة للبلدين في ظل اتجاه الأتراك للتربع على عرش سوق السلاح تحت شعار يمكن صكه في عبارتين هما: “وادعًا للمساومات”.
ارتباك أمريكي!
وفق “سكاي نيوز” فقد سلمت الولايات المتحدة تركيا أول طائرة حربية من نوع أف-35 رغم التوتر القائم بين البلدين، ومعارضة مجلس الشيوخ الأمريكي؛ حيث سلمت المجموعة الدفاعية الأمريكية لوكهيد مارتن صانعة هذا النوع من الطائرات، مسؤولين أتراكًا المقاتلة خلال احتفال أقيم في فورت وورث في ولاية تكساس.
وتركيا شريكة منذ العام 2002 في الكونسورتيوم الدولي الذي يمول صناعة طائرات أف-35، وتعتبر هذه الطائرة جوهرة التكنولوجيا؛ بسبب قدرتها على الإفلات من أكثر الرادارات تطورًا، فيما أوضح اللفتنانت كولونيل مايك أندروز المتحدث باسم البنتاجون، أن الطائرة الثانية ستسلم خلال الأيام القليلة المقبلة على أن تنقل الطائرتان إلى قاعدة لوك الجوية في ولاية أريزونا.
ويعارض مجلس الشيوخ تسليم هذا النوع من الطائرات إلى تركيا، بسبب إعلان أنقرة عن رغبتها في شراء منظومة دفاع جوي روسية من نوع إس-400 يفترض أن تكون طائرات أف-35 قادرة على الإفلات منها.
وفي مشروع قانون أقرَّه المجلس شدد على أن بيع هذه الطائرات سيلغى في حال مضت أنقرة قدمًا في شراء منظومة إس-400 التي تم التوقيع على عقد شرائها في الثاني عشر من سبتمبر الماضي، واقرت لجنة بالمجلس الخميس مشروع قانون للإنفاق يتضمن بندًا يحول دون تسليم تركيا المقاتلات أف-35 جوينت سترايك.
وقال كريس، إن هولن وهو سناتور ديمقراطي أيد مشروع القانون: “شراء تركيا للنظامين سيسمح للروس بتقييم قدرات أف-35 بسهولة أكبر ورصد واستغلال نقاط ضعفها. وهذا غير مقبول”، فيما قال رئيس الوزراء التركي، بينالي يلدريم: إن رفض مجلس الشيوخ الأمريكي تمرير مشروع قانون يحظر بيع طائرات “أف -35″، إلى تركيا، مؤسف، ويعارض روح الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
توابع القرار
ومشروع القانون هو أحدث مسعى يقوم به برلمانيون أمريكيون للتأثير على تركيا شريكة الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي حتى تتراجع عن خطتها لشراء النظام الروسي ومطالب أخرى، ولكن تمرير القرار يتنظر أن يوافق مجلسا النواب والشيوخ بالكامل على مشروع القانون، كما يتعين أن يوقع عليه الرئيس دونالد ترامب، وفي حال وافق مجلس النواب أيضًا على مشروع القانون هذا، سيتوجب على الإدارة الأمريكية استبعاد تركيا عن برنامج أف-35، وسحب القطع المصنعة في تركيا من الطائرة، ومنع خروج الطائرات من نوع أف-35 التركية من الأراضي الأمريكية.
وفي هذه الحالة فإنّ الطائرة التي تسلمتها تركيا الخميس في احتفال ستبقى في أريزونا خلال تدريب الطيارين الأتراك على قيادتها، وهي عملية قد تستغرق “عامًا أو عامين”، حسب ما أفاد مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية.
من جانبه أعلن المتحدث باسم الحكومة التركية، بكر بوزداغ، رسميًا، الأربعاء، أن بلاده ستستلم الدفعة الأولى من مقاتلات (F-35) أمريكية الصنع الخميس، وأضاف بوزداغ، في مقابلة مع محطة (TGRT) التلفزيونية المحلية، أنّ الغرض من قرار مجلس الشيوخ الأمريكي حظر بيع أنقرة مقاتلات من طراز “أف-35″، يهدف إلى تمكين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الحصول على مطالب معينة من تركيا، ومنها إطلاق سراح القس الأمريكي المعتقل في تركيا “أندرو برونسون”، ولكن ربط ملفه بتسليم المقاتلات “أف-35″ لتركيا، يعتبر تهديدًا لا مبرر له، مشددًا على أن القس المذكور يخضع لمحاكمة عادلة في تركيا، على خلفية أنشطة معادية، وليس هناك مجال للتهاون في هذا الملف.
استراتيجيًا طرحت تركيا سيناريو بديلًا في حالة التعنت مع الأتراك، وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لقناة “سي.إن.إن ترك” في وقت سابق: إن بلاده ستلبي احتياجاتها من المقاتلات الحربية من مكان آخر إذا لم تسمح الولايات المتحدة لها بشراء طائرات أف-35 التي تنتجها شركة لوكهيد مارتن.
وألمحت صحيفة “يني سافاك” التركية لنية تركيا في إمكانية اقتناء مقاتلات روسية من طراز سو 57 بدلًا من الأمريكية أف 35، وهذا في إطار بحث أنقرة عن بدائل في حال لم تتم الصفقة مع الولايات المتحدة، وتتميز المقاتلات الروسية سو 57 من الجيل الخامس أنها أرخص من مثيلتها الأمريكية بمرتين تقريبًا.
هذا وسبق أن وقعت كل من روسيا وتركيا في ديسمبر- كانون الأول 2017 في أنقرة، اتفاقية حول قرض لتوريد أنظمة الدفاع الجوي “إس-400″، ووفقًا لبيان صادر عن أمانة صناعة الدفاع التركية، فإنّ أنقرة ستشتري بطاريتين من هذا النظام الجوي، كما توصل الطرفان إلى اتفاق بشأن التعاون التكنولوجي في هذا المجال، لتطوير إنتاج أنظمة الدفاع الجوي الصاروخية في تركيا.
يأتي في هذا السياق كذلك، إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شهر أبريل الماضي أن تركيا قد تتعاون مع روسيا في مشاريع دفاعية أخرى بجانب نظام إس-400 الدفاعي الصاروخي الذي وافقت موسكو على إمداد أنقرة به، ما يعني وفق البعض أن تركيا مستعدة للقرار الأمريكي إذا تم تمريره للنهاية.
السلاح التركي!
وأثناء ذلك، تتجه الأنظار إلى المخطط التركي للتربع على عرش سوق السلاح العالمي خلال سنوات ضمن العمل على الشعار الذي طرحه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لحملته الرئاسية في 2014 وهو “تركيا الجديدة”، والذي يجب تحقيقه مع ذكرى مئوية تأسيس الجمهورية في العام 2023، وهو ما قد يحول دخولها دون المساومات ومنها المساومات الأمريكية، حيث تسابق تركيا الزمن بحسب مراقبين في تطوير الصناعات العسكرية، حتى بات بإمكانها أن تتربع على عرش سوق السلاح العالمي.
ووفق تعهد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في أكثر من مناسبة فإن بلاده تنوي الامتناع بشكل تام عن استيراد منتجات الصناعات الدفاعية بحلول عام 2023، وقال خلال افتتاحه معرض المنتجات العسكرية “IDEF – 2015” في إسطنبول “مايو 2015 “حين بدأنا نشاطنا السياسي عام 2002، بلغ اعتماد تركيا على المعدات العسكرية المستوردة 80%، والآن ننتج بأنفسنا 54% منها، لكن هدفنا بحلول عام 2023 أن نتخلص بشكل كامل من استيراد الصناعات العسكرية”.
وبلغة الأرقام، فإن القوة الإنتاجية للصناعات الدفاعية التركية تجاوزت 5 مليارات دولار، فيما يخصّص كل عام من الميزانية للبحوث العلمية التقنية مليار دولار، كما أن الصادرات الدفاعية التركية بلغت في العام 2008 حوالي 600 مليون دولار، لتتضاعف في نهاية العام 2012 وتصل إلى 1.2 مليار دولار، أما في العام 2013 فقد تجاوز عدد الشركات العاملة في المجال العسكري الـ500 شركة، لتُصدّر ما قيمته 1.5 مليار دولار، أما عن وجهة صادرات السلاح التركي، فتتربع الولايات المتحدة على رأس الدول المستوردة للسلاح التركي بنسبة 39 %، وتشمل أجزاء طائرات ومروحيات وبرامج ومعدات الحرب الإلكترونية، تليها السعودية بحصة وقدرها 9.2 % ومن ثم الإمارات والبحرين والعراق وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا ورواندا.
ومن أبرز الأسلحة التركية التي تحمل شعار صنع في اسطنبول بحسب بعض التقارير: “المروحية المقاتلة “تي 129 أتاك”، و طائرات ” FX-1 ”، وطائرة التدريب Hürkuş، والكورفيت التركي ميلجيم أول سفينة حربية تركية، ورادات شبح من طراز “آدا“، والسفينة البرمائية “بيرقدار”، والهاوتزر التركي فيرتينا، والمدرعة أرما، والدبابة ألطاي، وجهاز تشويش من نوع ( كورال)، والبندقية الوطنيةMPT-76.
ولا تقتصر الصادرات التركية على الأجهزة والمعدات العسكرية، ولكن تشمل أيضًا الخدمات، بحسب رئيس اتحاد “مصدّري الصناعات الدفاعية والفضائية” التركي أرال أليس، كما باتت صناعة الدفاع التركية موضوعًا رئيسيًا في النقاش السياسي في تركيا، فعلى المستوى الشعبي، يحب “الجمهور التركي”، الاستماع الى تقارير إنجازات صناعات الدفاع، بل ويشعر بالكثير من الفخر بذلك، الأمر الذي يجيد حزب “العدالة والتنمية” استخدامه بشكل جيد للترويج لنفسه، خصوصًا في الدعايات الانتخابية.
اضف تعليقا