ربما لا يحتاج الأمر لكثير أدلة لتأكيد ما تصبو إليه الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام وما تحمله في قلبها تجاه الحكومة الأفغانية الآخذة في التشكل، والتي ستسيطر عليها بطبيعة الحال، حركة طالبان، التي بسطت نفوذها على أغلب أنحاء البلاد، وباتت قريبة من إعلان تشكيل تحالف حكومي جامع تدين له كافة أرجاء أفغانستان.

ولأن نجاح طالبان في إدارة أفغانستان هو توثيق عملي لهزيمة “فيتنامية” أخرى جديدة، فإن شغل الولايات المتحدة الشاغل هذه الأيام سيكون البحث عن مأزق تلو المأزق لحكومة طالبان، بغية الولوج بها إلى الهاوية، ليصبح الأمر أشبه بـ”درس” للعالم أجمع عن مصير الدول التي تخرج عن “الطوع” الأمريكي وتسير عكس تيارها.

وإذا كان ثمة مَن يُمكنه أن يحوّل أفغانستان إلى ساحة حرب عصابات، ربما غير مسبوقة، فإنه على الأرجح “داعش- خراسان”، وهو الفرع الأفغاني لتنظيم الدولة (ولاية خراسان) الذي يعتقد مسؤولون أمريكيون أنه وراء هجمات مطار كابول 

 الدامية التي أدت إلى مقتل وإصابة العشرات.

ويوم الخميس الماضي، قُتل ما لا يقل عن 72 مدنياً أفغانياً بالإضافة إلى 13 جندياً أمريكياً وأصيب 18 آخرون، بانفجاري مطار كابول الذي تبناهما تنظيم “داعش خراسان”؛ وذلك في إحدى أشد الهجمات دموية على الجنود الأمريكيين في العقدين الماضيين من الصراع في أفغانستان.

وحالياً يقع المطار تحت سيطرة القوات الأمريكية وحلفائها، بينما يسيطر مقاتلو طالبان على محيط المطار والشوارع المؤدية إليه، بينما يحتشد عشرات الآلاف من الأفغان الراغبين في مغادرة البلاد انتظاراً لدورهم في الرحيل على متن إحدى الطائرات المغادرة.

ويمثل مطار حامد كرزاي الدولي في العاصمة الأفغانية الآن عنق زجاجة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، في ظل عمليات الإجلاء التي تتم على عَجَل، بعد أن حُسم أمر الموعد النهائي لبقاء أي قوات أمريكية وغربية في المطار، وهو 31 أغسطس الجاري.

وقبل وقوع الهجمات الدامية، ارتفعت التحذيرات الأمريكية والغربية من وجود تهديد وشيك من جانب تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”- ولاية خراسان، الذي ظهر لأول مرة في شرق أفغانستان أواخر عام 2014 وذاع صيته سريعاً بفضل عملياته “المروعة”.

وخراسان، اسم قديم كان يطلق على المنطقة الممتدة من شمال غرب أفغانستان وأجزاء من جنوب تركمانستان، إضافة لمقاطعة خراسان الحالية في إيران، ومنها اشتق فرع التنظيم اسمه بعد أشهر من إعلان “دولة الخلافة” في العراق وسوريا عام 2014.

انضم مقاتلون منشقون عن طالبان الباكستانية إلى المسلحين في أفغانستان لتشكيل فصل إقليمي بعد فرارهم من ملاحقات الأجهزة الأمنية الباكستانية، ومنذ البداية دخلت الجماعة في مواجهات مع حركة طالبان للسيطرة على مناطق رئيسية على الحدود مع باكستان.

وعلى مدار السنوات الماضية، تنوعت هجمات “داعش-خراسان” ما بين عمليات إعدام بشعة لوجهاء القرى وقتل موظفي الصليب الأحمر وشن هجمات انتحارية وسط الحشود بما في ذلك تنفيذ سلسلة من العمليات الانتحارية الدموية ضد أهداف مرتبطة بالأقلية الشيعية.

وبعد أن كان وجود “ولاية خراسان” يقتصر في بادئ الأمر على عدد محدود من المناطق على الحدود مع باكستان، أنشئت جبهة ثانية رئيسية في الأقاليم الشمالية بما في ذلك جاوزجان وفارياب، ومناطق شمال شرق أفغانستان، ولا سيما مقاطعات كونار وننكرهار ونورستان.

ولا توجد إحصائيات دقيقة لأعداد أفراد هذا التنظيم، لكن أحدث التقديرات أن عدة آلاف من المقاتلين النشطين يقاتلون تحت راية “ولاية خراسان”، وفقاً لتقرير صادر عن مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي.

وقاتل تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان الحكومة المدعومة من الغرب وطالبان، على حد سواء، لكن الارتباط العملياتي على وجه الدقة مع تنظيم الدولة الإسلامية الرئيسي في العراق وسوريا ما زال غير مؤكد.

وفي أبريل/نيسان 2017 ألقت طائرة شحن أمريكية قنبلة تزن 20 ألف رطل وهي القنبلة المعروفة بأم القنابل على مجمع كهوف مرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان بشرق أفغانستان. وكانت هذه أضخم قنبلة تقليدية (غير نووية) في الترسانة الأمريكية.

ويعتقد مسؤولو مخابرات أمريكيون أن الحركة تستغل الاضطرابات التي أدت إلى انهيار الحكومة المدعومة من الغرب هذا الشهر لتوسيع قاعدتها وتكثيف عمليات التجنيد بين الشباب الساخطين وشن هجمات ضد طالبان.

ومن بين أهداف الجماعة في الآونة الأخيرة مساجد صوفية وأبراج كهرباء وشاحنات لنقل الوقود وركاب حافلات من الشيعة في كابول. إضافة إلى ذلك يعتقد مسؤولون أمريكيون أن الجماعة مسؤولة عن هجوم على مدرسة للفتيات تابعة في الأساس لأقلية الهزارة الشيعية.

وبشكل عام، فإن هذه الجماعة المتطرفة هي خير من يؤدي الدور المنوط به لإرباك حكم طالبان وإفشال مساعيها لبسط السيطرة على الأراضي الأفغانية، لا سيما وأن هذه الجماعة لديها عداءات في كافة الاتجاهات، سواء مع الجيران أو فرقاء الأديان والطوائف في الداخل الأفغاني، فضلا عن حركة طالبان نفسها التي يعتبرها أعضاء هذا التنظيم خارجون عن الملة، وهو من الأمور التي تدفع للسخرية، حيث قد نشهد في الأيام المقبلة تعاونا بين الولايات المتحدة وعصابات مسلحة متطرفة ولو بشكل خفي، لكن مبدأ الولايات المتحدة سيكون حين ذاك: الغاية تبرر الوسيلة، أما الجماعة المتطرفة، فسيكون شعارها أن الضرورات تبيح المحظورات!