قبيل انعقاد “ورشة عمل” “السلام من أجل الازدهار” في البحرين، لـ”تشجيع” الاستثمار في المناطق الفلسطينية، يلقي وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الكلمة الرئيسية في احتفال السفارة الإسرائيلية بواشنطن، بالذكرى الـ71 لولادة الدولة العبرية.

وتعتبر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المؤتمر بمثابة مقدمة لخطتها بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والمعروفة باسم “صفقة القرن”.

عادة لا يشارك صاحب هذا المنصب بهذا الشكل في مناسبة من هذا النوع، غير أنّ هذه المشاركة في ظل علاقة إدارة ترامب غير الاعتيادية مع تل أبيب، جاءت لتعكس واقع الحال، ولتؤكد على مدى التطابق غير المسبوق بين الجانبين.

والوزير بومبيو خير ناطق باسم هذه العلاقة، من الناحيتين الأيديولوجية والسياسية. ففي خطابه بمؤتمر اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، خلال مارس/آذار الماضي، قال: “إنني كوزير للخارجية وكواحد من أتباع الطائفة الإنجيلية، فخور بدوري كرئيس للدبلوماسية الأميركية التي تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. أي في الدفاع عن احتلالها.

والمعروف عن بومبيو، أنّه مثل الرئيس ترامب، ليس من مؤيدي حل الدولتين. ففي إفادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، في إبريل/ نيسان الفائت، سُئل عما إذا كان يرى أنّ فكرة الدولتين “قد تقادم عليها الزمن؟”، فكان جوابه أنّ “هذه الصيغة مطروحة منذ فترة طويلة، أي مرّ عليها الزمن”. وأضاف أنّ “أهل المنطقة سوف يتدبرون هذا الأمر بالنهاية”.

ما قصده بومبيو هو ما ستشهده البحرين في 25 و26 يونيو/حزيران المقبل، عندما يلتقي وزراء المال ورجال الأعمال في “ورشة عمل”، لتسويق مشروع تنمية يحل مكان صيغة الدولتين.

موضوع لا بد وأن يتطرّق بومبيو لخطوطه العريضة في خطابه في حفل السفارة الإسرائيلية، اليوم الأربعاء، وتقديمه بشكل غير مباشر كحصيلة لإجراءات تصفية القضية الفلسطينية التي اتخذتها إدارة ترامب منذ اعترافها بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها من تل أبيب، ثم ما تبع ذلك من خطوات لشطب موضوع اللاجئين. كما لا بد وأن ينوه باعتراف الإدارة بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل.

فـ”الورشة” تأتي على هذه الخلفية لتطرح “مساراً واقعياً جديداً يدفع بالمنطقة إلى الأمام”، بحسب راعي الخطة جاريد كوشنر. وهو يعمل مع فريقه على تقديم المشروع بصورة تشويقية واعدة يختلط فيها الحديث عن “فرص التنمية” الموعودة للفلسطينيين، مع الحديث عن السلام الذي “لا يتحقق بدون الاستقرار الاقتصادي وتأمين الفرص” وفق ما يجري الترويج له.

وبحسب كوشنر، فإنّ مثل هذا السلام المبني على البحبوحة وانتعاش البيئة الاستثمارية “سوف يشمل ليس فقط الضفة وغزة بل أيضاً الأردن ولبنان وإسرائيل ومصر، ومعه يتحقق التكامل الاقتصادي” في المنطقة.

تسويق تجاري بحت يشدد على “تجنب القضايا السياسية التي خرّبت مسيرة السلام طوال المدة السابقة”، كما يزعم مهندسو “الصفقة” بقيادة كوشنر. وقد درج هؤلاء منذ البداية وبصفاقة لا مثيل لها، على الزعم بأنّ الخطوات التي أقدم عليها البيت الأبيض منذ الاعتراف بالقدس “أزاحت القضايا الصعبة التي كانت دائماً العائق في طريق تحقيق السلام”.

ليس هذا فحسب، بل إنّ الإدارة تبدو في جو متقبّل لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، التي يعتزم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضمّها، بعد تشكيل حكومته الجديدة.

فالسطو مشروع بذريعة أنّه “واقع قائم”، ولا إحراج في التعامل معه كأساس لبناء السلام، حسب منطق الإدارة الأميركية. ومن هذا المنطلق المستخف بعقول الناس، يجري تلميع مشروع “الورشة” في البحرين، والذي يحكمه منطق الصفقة التجارية التي طارت معها سيرة الاحتلال الإسرائيلي، وتحوّلت فيها السيادة والحقوق الوطنية إلى سلعة للبيع والمقايضة مع “الازدهار” الاقتصادي.

ولا تخفي إدارة ترامب أنّ مشروعها القائم على هذه القاعدة قد لقي “قبولاً حسناً”، من جانب الدول العربية التي وضعتها واشنطن في جو “الصفقة”.

التطبيل لم يفلح في تجريع المشروع حتى للأوساط الأميركية المهتمة بالموضوع. فهذا التوجه ليس غير “رثاء لحل الدولتين”، كما يقول وليام بيرنز رئيس مركز “كارنيغي للدراسات والأبحاث” في واشنطن والنائب السابق لوزير الخارجية. ومثل كثيرين من المراقبين، استبعد بيرنز نجاح هذه “المحاولة الواهمة القائمة على الاعتقاد بإمكانية شراء الآمال المشروعة للفلسطينيين بإقامة دولتهم”، مضيفاً أنّه “لو كانت مسألة دولارات لكانت وجدت حلها من زمان”.

كلامه يضع “صفقة القرن” في إطارها الصحيح من حيث إنّها في حقيقتها ليست سوى “صفعة القرن” أو “صفاقته”، والعرب عرّابوها من خلال مشاركتهم بالورشة البحرينية.