كتبه: بسام الظاهر
حالة من الجدل صاحبت زيارة وزير سعودي إلى مدينة الرقة السورية خلال اليومين الماضيين، في خطوة أثارت علامات الاستفهام حول أهدافها.
وتأتي هذه الزيارة عقب إعلان قوات سوريا الديمقراطية –أغلبهم أكراد- تحرير الرقة تمامًا من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، بعد معارك طاحنة استمرّت لما يزيد عن أربعة أشهر متواصلة.
وتعتبر هذه الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول سعودي منذ سنوات، بما يعكس وجود اتجاه جديد لدى الرياض في التواجد على الساحة السورية بعد الفشل في إزاحة بشار الأسد عن الحكم.
زيارة الأكراد
بشكل مفاجئ وبدون إعلان رسمي من السعودية، زار ثامر السبهان وزير الدولة لشؤون الخليج، عدة قرى في الرقة برفقة بيرت ماكغورك منسق التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب ومبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة.
الغريب في الزيارة عدم الإعلان عنها رسميًا، ولكنها جاءت عن طريق مصادر مُجَهّلة أو صور تداولها نشطاء خليجيون وأكراد حول الزيارة وتفقد السبهان وماكغورك لعدد من المناطق المنكوبة.
وهى نقطة تثير علامات الاستفهام خاصة وأن الإعلان عن الزيارة جاء عبر صحيفة عكاظ، أن هناك دلالة في نشر الخبر بهذه الطريقة ربما لتوصيل رسالة بوجود علاقات قوية مع أمريكا فضلا عن رسائل لعدة أطراف أخرى.
الصحيفة قالت إن السبهان زار منطقة عين عيسى فى الريف الشمالي لمحافظة الرقة، الثلاثاء الماضى، والتقى المجلس المدني للمدينة، وأجرى عدة اجتماعات مع مسؤولي المدينة للاطلاع على الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
وتسود توقعات بمشاركة الوزير السعودي في حفل الإعلان الرسمي لتحرير المدينة من تنظيم “داعش” خلال اليومين المقبلين.
الهدف المعلن هو اتفاق أمريكي سعودي على إعمار الرقة المكنوبة بعد طرد تنظيم “الدولة الإسلامية”، ولكن لماذا تقدم المملكة على هذه الخطوة التي ربما تكلفها مزيدًا من المليارات؟
ويبقى السؤال هل تقدم السعودية على هذه الخطوة من دون أي مكاسب تعود عليها بالنفع؟ بالتأكيد هناك أهداف سعودية من جراء هذا “التمويل” للأكراد خاصة وأن مع دفع الأكراد لإقامة حكم ذاتي ربما تمهيدًا للانفصال عن سوريا مثل محاولات إقليمي كردستان في العراق.
نفوذ بسوريا
وبدا أن السعودية ومن خلال اتفاق مع أمريكا ترغب في لعب دور أكبر على الساحة السورية، لناحية دعم طرف في المعادلة هناك وهم “الأكراد” من أجل وضع موطئ قدم لها هناك.
وربما يرغب ولي العهد محمد بن سلمان –المتحكم في المملكة-، في ممارسة نفوذ أكبر في المنطقة خلال الفترة المقبلة اعتمادًا على لغة الأموال، وخاصة في سوريا.
التحرك السعودي الأخير يهدف بالأساس لمواجهة نفوذ إيران في سوريا من خلال دعم وتمويل ذراع لها وهم الأكراد، وذلك بتنسيق كامل مع أمريكا.
وتراجع الموقف السعودي من إزاحة الأسد عن الحكم إلا عدم ممانعة بقائه في الحكم لفترة انتقالية أو فترة أطول، هذا أمر بات لا يشغل الإدارة السعودية الجديدة التي يتحكم فيها محمد بن سلمان، ولكن الهدف الأساسي الآن هو انتزاع النفوذ الإيراني من سوريا وتقليم أظافر طهران في المنطقة.
السعودية لعبت على الجانبين، وأمريكا بالتأكيد ترى أن إيران دولة مارقة وداعمة للإرهاب، خاصة وأن دونالد ترامب جاء بموقف مغاير لسلفه باراك أوباما، وتحديدًا عقب إعلان عدم التزام إيران بجوهر الاتفاق النووي.
ومن هنا على الأقل إذا لم تتمكن الرياض من انتزاع النفوذ الإيراني في سوريا، فإنها ستمارس نوعًا من النفوذ هي الأخرى.
ولكن حاولت السعودية تفكيك هذا التحالف والعلاقات الوطيدة بين النظام السوري وإيران عن طريق روسيا؛ إذ إن التقارب الكبير مع موسكو أخيرًا والذي تكلل بزيارة الملك سلمان بن عبد العزيز، الهدف منه المساعدة على مساعي المملكة في إنهاء التواجد الإيراني في سوريا.
وتحدثت تقارير إخبارية، عن عرض سلمان “صفقة” على الرئيس فلاديمير بوتين، مفادها عدم ممانعة بقاء الأسد والاستعداد لدعم مسار سياسي يبقى فيه رئيسًا، ولكن على موسكو المساعدة في تخفيف العلاقة العميقة بين طهران ودمشق بما ينعكس تقليلا من النفوذ الإيراني في كل من سوريا ولبنان.
صدام مع تركيا
ولكن هذه الخطوات التي تتخذها السعودية تجاه مواجهة النفوذ الإيراني، فإنها بذلك تثير الغضب لدى تركيا والتي كانت إلى وقت قريب حليفًا للسعودية وأغلب دول الخليج.
الدعم السعودي للأكراد في سوريا يعزز قدرتهم على إعادة ترتيب صفوفهم والسيطرة على الرقة ومناطق نفوذهم بما يدعم المخطط الانفصالي على سوريا، وهذا أمر مرفوض تمامًا لدى تركيا باعتباره أمنًا قوميًا.
ولوحت تركيا في مايو الماضي، باحتمال تنفيذ عملية عسكرية في مدينة عفرين شمالي سوريا الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، التي تصنفها أنقرة “إرهابية”.
وقال المتحدث باسم الرئاسة الجمهورية ابراهيم كالين، حينها، إن بلاده ستواصل اتخاذ الخطوات كما فعلت في السابق لأنها تعطي الأولوية لمصالحها الوطنية.
وربما كان دعم أكراد سوريا مقصودًا من السعودية، لـ “ضرب عصفورين بحجر واحد”؛ مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، والضغط على تركيا التي انحازت لصف قطر خلال أزمة حصارها من الرباعي العربي وأرسلت جنودا إلى هناك لحمايتها من أي تدخلات عسكرية ضد الدوحة.
ومن حينها توترت العلاقات بين تركيا والسعودية على خلفية دعم قطر، فضلا عن التقارب التركي الإيراني إضافة إلى قطر، بما يشكل محورًا مضادًا لرغبات محمد بن سلمان.
ولكن هل تصمت تركيا التي دخلت إلى سوريا عبر اتفاق خفض التوتر عقب مؤتمر أستانا، أم تتدخل لضرب الأكراد هناك بمعاونة فصائل من المعارضة المسلحة الموالية لها؟ هذا ما سيتضح خلال الفترة المقبلة، أم هل تتجه أنقرة لتحسين العلاقات مع السعودية.
وكتب نشطاء سعوديون حول هذا التوجه إلى الرقة ودعم الأكراد وسط حالة من الاحتفاء، وقال أحدهم: “وزير الدولة السعودي ثامر السبهان يقوم بزيارة مفاجئة وجريئة إلى مدينة الرقة. زيارة تحمل مليون رسالة سعودية لمن يهمه الأمر. وافهم يا شاطر”.
اضف تعليقا