إبراهيم سمعان
بينما كان يحيي الفلسطينيون ذكرى النكبة والتصعيد العسكري مستمر بين إسرائيل وإيران، استضافت تل أبيب وفدًا من جمهورية شيعية تعدّ أحد الحلفاء القدامى وتربطهما علاقات اقتصادية وسياسية.
ووفقًا لصحيفة “lorientlejour” في ظل الأخبار التي ملأت وسائل الإعلام عن القمع الإسرائيلي لمسيرة العودة في قطاع غزة، وافتتاح المقر الجديد للسفارة الأمريكية بالقدس المحتلة، وتصاعد التصريحات بين تل أبيب ورجب طيب أردوغان، اختارت أذربيجان، البلد المتاخم لإيران وذو الأغلبية الشيعية، إرسال وفد لمناقشة التعاون الاقتصادي في إسرائيل.
وبقيادة وزير الضرائب الأذربيجاني بقي الوفد في إسرائيل لمدة ثلاثة أيام للمشاركة في الجولة الأولى للجنة الاقتصادية الحكومية الدولية، حيث تمّ الإعلان عن هذا البرنامج في ديسمبر 2016 من قبل بنيامين نتنياهو من العاصمة باكو ، حيث استُقبل الزعيم الإسرائيلي من قبل نظيره الأذربيجاني.
العلاقة بين الإسرائيليين والأذريين تتحدث عنها الأرقام؛ أذربيجان هي مفتاح أمن الطاقة الإسرائيلي؛ حيث يستورد الكيان الصهيوني 40٪ من الغاز من هذه الجمهورية الجنوبية القوقازية الصغيرة. ومن جانبها، إسرائيل هي المورد الرئيسي للأسلحة إلى باكو، التي تزيد ميزانيتها الفلكية المخصصة للدفاع عن الميزانية الوطنية الإجمالية لجارتها الأرمنية التي تخوض الحرب رسميًا، لكن العلاقة بين “تل أبيب-باكو” تذهب إلى ما وراء ذلك، حيث تحيط بهذه الجمهورية الصغيرة الواقعة وسط آسيا تركيا من الغرب وإيران في الجنوب.
وعلى الرغم من التشابه الديني، فإنَّ عدم الثقة المتبادل هو الذي يميّز العلاقات بين طهران وباكو، فالأذربيجانيون الناطقون بالتركية يتعرفون أكثر على الجار التركي، وهو صديق لأذربيجان. ولكن وفقًا لشمخال أبيلوف، محاضر في العلاقات الدولية في جامعة باكو، الحرب الكلامية بين إسرائيل وتركيا لا تؤثر على علاقات أذربيجان مع أيٍّ من حلفائها.
ويضيف: “ما يقوله أردوغان هو الخطاب السياسي، لا أعتقد أن العلاقة بين أذربيجان وتركيا مهددة؛ العلاقات الإسرائيلية الأذربيجانية والتركية – الأذرية شيئان مختلفان تمامًا. من جانبها، يجب على تل أبيب أن تعطي الأولوية لمشروع قانون جديد في الكنيست عن الإبادة الجماعية للأرمن؛ فقد فشلت مبادرات مماثلة في الماضي، ووضعت في الأدراج حتى لا تزعج الحليف الأذري الذي هو على خلاف مع عاصمة أرمينيا يريفان، وكذلك الأمر بالنسبة لتركيا.
مع باكو، تعوِّل تل أبيب بالتأكيد على علاقاتها القوية مع بلد مسلم؛ حيث يعود تاريخها إلى أوائل التسعينيات عندما كانت أذربيجان تسعى إلى التفوق عسكريًا ضد جارتها الأرمنية في الصراع على إقليم ناغورني كاراباخ المتنازع عليه. ورأت تل أبيب في باكو مكانة مثالية لتنفيذ “دبلوماسيتها من المحيط”.
نظريًا في السنوات الأولى كانت الدولة اليهودية تسعى للتغلب على تطويق الدول العربية المسلمة المعادية من خلال إقامة روابط مع “الدائرة الثانية” بما في ذلك الدول الإسلامية غير العربية، إذ إنها ترى أن صداقتها مع بلد مسلم مثل أذربيجان وسيلة لجذب التعاطف الدولي.
من وجهة النظر هذه، باكو تتقاسم نهجًا مشتركًا مع الرياض وأبو ظبي، وعلى عكس دول الخليج العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان ليست سرية؛ بالنسبة إلى تل أبيب تعد الإعلانات التجارية أحد المنافع السياسية الرئيسية لهذه العلاقة، في حين أن أذربيجان لديها مصلحة راسخة في الحفاظ على عدم الظهور.
أما باكو فتلعب على أمرين، نزاع ناغورنوي كاراباخ مثال على هذا؛ فهذه الدولة تريد تجنب الأصوات السلبية للدول المسلمة عندما يكون الصراع على جدول أعمال الأمم المتحدة، بينما يتغنى من جهة أخرى بالوئام الذي يسود أرضه بين المسلمين والأقلية اليهودية التي يقدر عددها بأقل من عشرين ألفًا.
وتهدف هذه الاستراتيجية إلى التواصل في المقام الأول مع اللوبيات اليهودية الأمريكية، “على الرغم من أنّ إسرائيل فتحت سفارتها في أذربيجان، ليس لنا تمثيل رسمي في إسرائيل، أذربيجان تلعب لعبة توازن، أولًا لأننا أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وبعد ذلك لأننا يجب تجنب إيران، التي تنتمي لها أذربيجان ثقافيًا ودينيًا”، كما يوضح أبيلوف.
هناك عداء مشترك تجاه إيران يعزّز التماسك مع الحليف الإسرائيلي، فعلاقات أذربيجان مع الجمهورية الإسلامية تتسم بالتوتر عبر التاريخ؛ إيران هي موطن لأقلية آذرية كبيرة، من 15 إلى 20 مليون شخص من أصل أكثر من 80 مليون شخص. وتشك طهران في أن باكو تشجّع على تفكيك هذا المجتمع المركز في شمال غرب البلاد، ومن أجل زعزعة استقرار جارتها، دعمت طهران الأرمن المسيحيين ضد خصومهم الأذربيجان الشيعة في بداية نزاع ناغورنوي كاراباخ.
ومنذ العقد الماضي، تقول أذربيجان إنها تواجه محاولات الإسلاميين المدعومين من طهران لزعزعة الاستقرار؛ في عام 2012 شنت السلطات موجة كبيرة من الاعتقالات ضد الوحدات المؤيدة لإيران، وأعضاء من رجال الدين الشيعة وفرع حزب الله المحلي.
ومع تزايد القلق بشأن التدخل الإيراني في شؤون البلاد، تم نشر جزء كبير من الطائرات الإسرائيلية بدون طيار وأنظمة الدفاع الجوي التي تم اقتناؤها عام 2012 حول العاصمة الأذرية وفي مقاطعة لينكوران الجنوبية الشرقية المتاخمة لإيران.
وعلى أرض الواقع، فإنَّ الأجندة الأمنية أقل بالنسبة للمواجهة المحتملة مع أرمينيا أكثر من إيران، وبوصفها دولة إسلامية تشترك في وجهات النظر الإستراتيجية لتل أبيب، فإنَّ باكو ينظر إليها على أنها أقل “شذوذًا” من أي وقت مضى.
كما أن التقارب بين تل أبيب وبعض الممالك الخليجية، ربما حرر الكلام والأفعال، فزيارة الوفد الأذربيجاني لتل أبيب خلال إحياء ذكرى النكبة، يظهر تخطّي بعض الحواجز النفسية.
اضف تعليقا