بعد خمس سنوات من مقتله في القاهرة، وصلت أخيراً قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني إلى قاعة المحكمة، ليبدأ القضاء الإيطالي فصلاً جديداً في القضية حاول المصريون عرقلته بشتى السبل لاحتمالية تورط عدد من أفراد الأمن المصري في الجريمة.
النيابة العامة الإيطالية قدمت إلى المحكمة قائمة بأسماء أربعة من كبار الضباط المصريين للاشتباه -بنسبة كبيرة- في تورطهم في اختطاف واختفاء وقتل ريجيني بالتعذيب في القاهرة عام 2016، بعد ظهور أدلة جديدة على تورط هؤلاء الضباط في الجريمة- بحسب ما أفادت النيابة.
جوليو ريجيني، طالب الدكتوراه الذي كان في مصر لاستكمال بعض فصول من بحثه الأكاديمي عن العمل النقابي في مصر، اختفى في ظروف غامضة بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني 2016، ثم تم العثور على جثته على جانبي طريق سريع خارج القاهرة بعد تسعة أيام، وكانت تظهر عليها علامات التعذيب والانتهاكات الشديدة.
اتهم ممثلو الادعاء في روما الجنرال طارق صابر والعقيد أسر إبراهيم واللواء حسام حلمي والرائد مجدي عبد العال شريف باختطاف ريجيني وتعذيبه، مضيفين أن الرائد مجدي شريف أيضاً يجب أن تُوجه إليه تهمة “التآمر لارتكاب جريمة القتل العمد”.
الدولة المصرية رفضت تسليم الأربعة المشتبه بهم أو التعاون مع الإجراءات القانونية الإيطالية، لذلك ستتم المحاكمة غيابياً في حال قبل القاضي الدعوى التي تم تأجيل أولى جلساتها إلى 25 مايو/أيار بعد أن تم وضع أحد محامي الدفاع المعينين من قبل الدولة في الحجر الصحي بسبب إصابته بفيروس كورونا.
تمثل جلسات الاستماع تتويجاً لخمس سنوات من التحقيق في مقتل ريجيني، كما تعتبر لحظة نادرة من مساءلة قوات الأمن المصرية.
ومن المتوقع أن يمضي القاضي الأسابيع المقبلة في دراسة ما إذا كان سيستمر في المحاكمة، ومن المحتمل أن يوجه الاتهام إلى المشتبه بهم بارتكاب جريمة قتل قبل بدء إجراءات المحاكمة الكاملة.
رحبت عائلة ريجيني وفريقهم القانوني وجماعات حقوق الإنسان التي تحقق في نمط الانتهاكات من قبل قوات الأمن المصرية بالجلسة، رغم أنها حدثت غيابياً، وأشار بعض المراقبين إلى أنه يتعين على السلطات الإيطالية بذل المزيد من الجهد للضغط على مصر لتسليم المشتبه بهم.
من جانبهم، أصدر والدا ريجيني، باولا وكلاوديو ريجيني، بياناً مشتركاً عبر محاميهما أليساندرا باليريني هذا الأسبوع يحثان فيه المزيد من الشهود المحتملين للإدلاء بأي تفاصيل ممكنة قد تفيد العدالة.
وقالا في بيانهم “الوقت حليف عظيم… سنستمر في مطالبة كل شخص لديه معلومات بالتقدم والتحدث… سنضمن أمنهم ولن نكشف عن هويتهم كما فعلنا حتى الآن… نطلب من أي شاهد مرة أخرى: ساعدنا، من أجل جوليو ومن أجلنا جميعاً “.
في 14 أبريل/نيسان، قال ممثلو الادعاء في روما إن ثلاثة شهود جدد تقدموا بمعلومات ساعدت في اتهام أفراد جهاز الأمن المصري الأربعة بتعذيب وقتل الطالب الإيطالي.
وبحسب ما ورد قال أحد الشهود للمدعين إن الأربعة قاموا بفبركة “عملية سطو” في محاولة للتستر على تعذيب ريجيني وقتله.
يقول الشهود، الذين اعتبرهم الادعاء موثوق بهم، إن ريجيني اختطف من قبل ضباط جهاز الأمن الوطني المصري في 25 يناير/كانون الثاني 2016، واقتيد إلى مركزين أمنيين على الأقل في غضون ساعات قليلة.
على الصعيد المصري، نفى المسؤولون احتمالية تورط أي من أفراد الأمن المصري في القتل، كما أغلق النائب العام المصري رسمياً التحقيق في مقتل ريجيني أواخر العام الماضي، قائلا ًإن مزاعم السلطات الإيطالية بتورط الضباط “لم يقترن بها أي أدلة مناسبة”.
تعليقاً على التطورات الأخيرة قال حسين باعومي، الباحث في شؤون مصر بمنظمة العفو الدولية: “إنه أمر غير مسبوق أن تتم مقاضاة ضباط جهاز الأمن الوطني وسماع القضية أمام محكمة رسمية”… “التعذيب منتشر للغاية في مصر، والجميع يعرف أن وكالة الأمن الوطني تمارسه، بالإضافة إلى انتشار الاختفاء القسري والقتل غير القانوني.. مع ذلك لم يتم محاكمة أي ضابط في أي من تلك الوقائع… نعم المحاكمة الإيطالية غيابية، لكنها ترسل رسالة قوية مفادها أنه لا يمكنك الهروب من العدالة إلى الأبد”.
وأضاف باعومي “لا يزال الضباط الأربعة المتهمون في الخدمة، وقد تمت ترقية صابر مؤخراً… هذا يعني أنهم في وضع يسمح لهم بارتكاب جرائم مماثلة”.
أفادت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، التي يمثل محاموها التمثيل القانوني لعائلة ريجيني في مصر، العام الماضي أن ما لا يقل عن 2653 شخصاً تعرضوا للاختفاء القسري على أيدي قوات الأمن، وخاصة جهاز الأمن الوطني، منذ عام 2015″، وأضافت ” لا توجد قيود مفروضة على الأمن الوطني… يداه حرة لارتكاب الانتهاكات دون رادع”.
تسببت وفاة ريجيني في توتر العلاقات بين إيطاليا ومصر، وسحبت روما في البداية سفيرها من القاهرة احتجاجاً على ذلك، ثم أعادت بعد ذلك مبعوثها ولم يكن هناك أي تعليق للعلاقات التجارية.
وبعد أيام من دعوة المدعين لمحاكمة المصريين الأربعة، سلمت إيطاليا أول فرقاطتين للبحرية المصرية في صفقة تصل قيمتها إلى 1.2 مليار يورو (مليار جنيه إسترليني) ما أثار استياء بعض الإيطاليين والحقوقيين بالطبع.
وقالت جماعات حقوقية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إن السلطات الإيطالية يجب أن تقاوم جهود مصر لحماية الضباط، وقال باعومي: “المحاكمة خطوة إيجابية، لكن هؤلاء الضباط لا يزالون يفرون من العدالة إذا لم تسلمهم السلطات المصرية لإيطاليا أو تحاكمهم في مصر، وهو ما لا يريدون فعله”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا