العدسة – منصور عطية
وعود حكومية براقة تبشر المصريين بعائدات ضخمة من إنتاج حقل “ظهر” للمواد البترولية، والذي بدأ تشغيله الفعلي أمس السبت 16 ديسمبر.
حقل ظهر البحري
“حمدي عبدالعزيز”، المتحدث باسم وزارة البترول، كشف في تصريحات متلفزة أنه تم ضخ 350 مليون قدم مكعب من حقل ظهر في اليوم الأول، حيث يتوقع أن تسجل المرحلة الأولى أكثر من مليار قدم مكعب، وتوفر 2 مليار دولار سنويًا.
بطبيعة الحال فإن لدى المصريين تاريخًا من الأرقام والمشروعات الوهمية على مدار السنوات القليلة الماضية، تجعلهم يتشككون في كل ما يتم الإعلان عنه في هذا السياق، حتى ولو كانت المكاسب حقيقية والمستقبل المشرق ليس محض خيال.
ما هو “ظُهر”؟
بدأت قصة الحقل الأكبر في مصر، في يناير 2014 بتوقيع اتفاقية الكشف مع شركة “إيني” الإيطالية العملاقة إثر فوزها في المزايدة العالمية التي طرحتها الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس).
في أغسطس 2015 أعلنت “إيني”عن تحقيق الكشف بمنطقة امتياز شروق في البحر المتوسط، ويبلغ احتياطي الحقل الذي يوصف بالأكبر في البحر المتوسط نحو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز تعادل 5.5 مليار برميل مكافئ من النفط.
ووفق عقد الاتفاق، تقسم عوائد الغاز المستخرج من الكشف بنسبة 40 % لشركة “إيني” لاسترداد التكاليف بينما سيتم تقسيم نسبة 60% الباقية بين إيني بنسبة 35 % وإيجاس 65%.
في أبريل 2016، أعلنت إيني بيع حصة قدرها 10% من حقل ظهر لشركة “بي بي” البريطانية العملاقة، ثم بيع 30% إلى شركة “روس نفط” الروسية.
ومن المخطط أن يتزايد الإنتاج تدريجيًا ليصل إلى 2.7 مليار قدم مكعب يوميًا في عام 2019، ويتم توجيه كل الكميات المنتجة للسوق المحلي.
“الضبعة” أحدث “الفناكيش”
قبل أيام فقط، وفي أثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمصر ولقاء نظيره الرئيس عبدالفتاح السيسي، تم التوقيع على اتفاق بدء العمل في مشروع محطة كهرباء الضبعة النووية.
فور الإعلان عن التوقيع ألقى مسؤولون كثر بدلوهم في تعديد مزايا وثمار المشروع المادية التي تنتظر الشعب المصري في المستقبل القريب.
وكان لافتًا تناول بعض المسؤولين للأمر بأرقام محددة ودقيقة لكنها ربما لا تستند لإحصاء علمي أو دراسات حقيقية، ومن بين ذلك تصريحات هاتفية أدلى بها حسين الشافعي، رئيس المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم، الذي قال: “إن مشروع الضبعة النووي “يحقق للخزانة المصرية ما يفوق 264 مليار دولار صافي ربح”، على حد قوله.
ضخامة المبلغ وغياب ما يدعمه من أدلة وإحصاءات رسمية، يعيد إلى الأذهان وعودًا براقة أطلقها مسؤولون بمكاسب تتخطى مئات المليارات من مشروعات قومية سبق الإعلان عنها على مدار السنوات القليلة الماضية، وتبين فيما بعد أنها سراب.
سوابق تعزز التكهنات
ولعل التشكيك في الجدوى الاقتصادية المنتظرة من حقل “ظهر”، ليست ابتداعًا، لكنها مستقاة من تجارب سابقة تعزز التكهنات التي تقود إلى تلك النتيجة المحتملة، وهي أن ينضم المشروع الضخم إلى سابقيه من مشروعات اتضح فيما بعد أنها وهمية.
فوفق إحصاءات رسمية، وفي عام 2016 بأكمله، تراجعت إيرادات قناة السويس 3.3 % إلى 5 مليارات دولار مقابل 5.175 مليار في 2015، رغم إنفاق أكثر من 8 مليارات جنيه على مشروع التفريعة الجديدة للقناة والحفل الأسطوري لافتتاحها، ووعود الفريق مهاب مميش رئيس هيئة القناة أن تصل أرباح القناة الجديدة إلى 100 مليار دولار سنويًا.
كما أظهرت البيانات الرسمية، انخفاض إيرادات مصر من القناة إلى 459.8 مليون دولار في أغسطس الماضي من 470.6 مليون في أغسطس السابق له (2016).
العاصمة الإدارية الجديدة “مفخرة” السيسي ونظامه، التي أكد أن ميزانية الدولة لا تتحمل إنشاءها تبدو في مقدمة ما يمكن أن يضمه كشف حساب الرئيس.
هذه العاصمة لم ير المصريون منها سوى الافتتاح الصاخب لفندق الماسة كابيتال التابع للقوات المسلحة بالتزامن مع ذكرى انتصارات حرب أكتوبر قبل شهر.
اللافت أن هذا الافتتاح حاول النظام به التغطية على “عورات” المشروع، ففي فبراير الماضي، انسحبت شركة صينية من المشروع بسبب تعذر التوصل إلى اتفاق مع الحكومة بشأن سعر بناء المنشآت الحكومية في العاصمة، لتلحق بشركة “كابيتال سيتي بارتنرز” الإماراتية.
ويظل المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد في مارس 2015 بشرم الشيخ، هو النموذج الصارخ على المشروعات الوهمية، حيث أعلنت الحكومة رسميًا عن 37 مشروعًا بقيمة 40 مليار دولار، بينما روجت صحف السلطة إلى أن المؤتمر سيحقق مكاسب لمصر تقدر بـ 182 مليار دولار.
إلا أن نفس الصحف عادت بعدها بنحو شهرين ونصف، للحديث عن 9 أسباب أدت إلى فشل تنفيذ مشروعات المؤتمر الاقتصادي.
وعلى مدار أكثر من عامين احتفل الإعلام المصري بمشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان، لكن المفاجأة كانت في إعلان توقف المشروغ أواخر 2016 لعدم توافر المياه الكافية له، رغم الدراسات المتعمقة من قبل الحكومة.
تقارير إعلامية، نقلت على لسان الدكتور سامح صقر رئيس قطاع المياه الجوفية في وزارة الري، بأن المياه الجوفية المتاحة في مصر كلها لا تكفي إلا لزراعة 26 % فقط من إجمالي المشروع، أي ما يقرب من 390 ألف فدان، الأمر الذي انعكس على انسحاب بعض المستثمرين المشاركين في المشروع.
اضف تعليقا