العدسة – معتز أشرف

تأتي الرياح كثيرًا بما لا تشتهي سفن الديكتاتور المصري عبدالفتاح السيسي، فبينما هو يطلق وأنصاره حملات لتضليل الرأي العام المحلي والعربي والدولي، عن حقيقة المحاكمات التي تجرى في بلاده، والتي كثيرًا ما يستخدم فزاعة الإرهاب للحيلولة دون الوقوف على عوارها، أطلقت منظمة حقوقية دولية تقريرًا وصفته بأنه الأكبر في تاريخ التوثيق الحقوقي في مصر فيما يخص ملف المحاكمات العسكرية للمدنيين، كشفت فيه بإحصائيات وتوثيق واسع عن جريمة السيسي بحق القوات المسلحة والمدنيين على السواء في مصر، وذلك عن الفترة من يوليو 2013، وحتى نهاية ديسمبر 2017، فإلى تفاصيل التقرير.

11 ألف ضحية

منظمة “كوميتي فور چستس”، ومقرها في جنيف، خلصت في دراستها، التي وصلت كاملة إلى (العدسة)، إلى اتباع السلطات المصرية سياسة ممنهجة فيما يخص جريمة الحرمان من الحرية تجاه المعارضين لها، سواء كان ذلك اعتقالًا تعسفيًّا غير قائم على سند قانوني سليم، أو من خلال منصات المحاكم والقضاء، ومنذ يوليو/حزيران 2013، صعد نظام جديد إلى سدة الحكم، أعاد إلى الواجهة مرة أخرى المحاكمات العسكرية للمدنيين، كجزء أصيل من منظومة القمع، ما أفضى بأكثر من أحد عشر ألف شخص إلى المعتقلات على خلفية المحاكمات العسكرية للمدنيين.

التقرير الحقوقي الذي وثق ميدانيًّا جاء بعد توثيق باحثي “كوميتي فور چستس” 115 قضية ودراستها، ورصد قضائي لـ 489 قضية تحوي أكثر من 11 ألف مدني أحيل إلى القضاء العسكري، بالإضافة إلى شهادة العديد من محامي المدنيين المحالين إلى القضاء العسكري، ورصد ما يواجهه المحالون إلى القضاء العسكري في مصر من انتهاكات متنوعة وغيرها من الأسباب المختلفة، التي أدت إلى حرمان الآلاف من الحرية، نتيجة للأحكام الصادرة بحقهم من قِبل المحاكم العسكرية المختلفة على مستوى الجمهورية، والتي أحيلوا إليها رغم كونهم مدنيين، إلا أنه يقدم حلولًا عدة لتلك المأساة من منظورٍ حقوقي وفق ما قال.

انتهاكات ممنهجة

وبحسب عمليات الرصد والبحث والتوثيق التي قام بها فريق “كوميتي فور چستس” الميداني، اعتمادًا على رصد قضائي لـ 489 قضية، فقد أحيل 11465 من المدنيين إلى القضاء العسكري في الفترة الزمنية من يوليو 2013 وحتى نهاية ديسمبر 2017، منهم النساء والأطفال والعمال والصحفيون والمتظاهرون، كما وثقوا 115 قضية حُكِم فيها على 2269 شخصًا، حيث تم التعدي عليهم وحرمانهم تعسفيًّا من حريتهم وذلك نتيجة لممارسة عدد من الانتهاكات القانونية والتشريعية بحقهم، وإهدار حقهم في محاكمة عادلة من قِبل المحاكم العسكرية في مصر.

ويُظهر التقرير بشكل مباشر الانتهاكات التي تتم من نظام عبدالفتاح السيسي بسبب إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري في مصر، وذلك من خلال شهادة محامي الضحايا حول مسار المحاكمات العسكرية للمدنيين، بالإضافة إلى تقديم صورة عن أبرز الانتهاكات المصاحبة لتلك المحاكمات، والتي أدت بشكل واضح لهذا الكم الهائل من الأحكام التي ساهمت في جريمة الحرمان من الحرية، كما يورد التقرير تحليلًا بيانيًّا أكثر تفصيلًا عن القضايا ال 489 محل الرصد والتوثيق، وأهم الانتهاكات المستخرجة منها التي تُظهِر بشكل واضح المحاكمات العسكرية للمدنيين كجريمة أُهدِرت على أساسها كل معايير العدالة.

التقرير سلط الضوء كذلك على الكيفية التي قام بها الديكتاتور عبدالفتاح السيسي ومساعدوه بإضفاء الشرعية على المحاكمات العسكرية للمدنيين في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، وتحويلها إلى جزء أصيل من منظومة العدالة، وذلك بدل كونها استثناءً قبل ثورة 25 يناير، والمطالبات آنذاك بإلغائها، فضلًا عن إظهار الأسباب الجذرية والعوامل التي أدت إلى حرمان المدنيين من حريتهم ومحاكمتهم أمام القضاء العسكري بسبب ما تم اتخاذه من خطوات متدرجة مقصودة في توسيع صلاحيات القضاء العسكري، وذلك باتخاذ خطوات متدرجة تشريعيًّا وقانونيًّا، فضلًا عن تحصين تلك الخطوات التشريعية والقانونية من جانب السلطات المصرية من أية محاولة للعمل على الطعن عليها من جانب محامي المتهمين أمام القضاء العسكري، حيث تم رفض المئات من الطلبات للقيام بإحالة القانون رقم 136 لسنة 2014 والمواد القانونية المنظمة للقضاء العسكري إلى المحكمة الدستورية العليا، لتبيان حقيقة انتهاكها للمعايير القانونية والدستورية، وكذلك عدم اتساقها مع المعايير الدولية القانونية الخاصة بالمحاكمات العادلة.

التقرير أكد عبر تحقيق موثق واسع أن تلك المحاكمات التي تمت لهذا العدد من القضايا افتقرت إلى الحد الأدنى من معايير المحاكمة العادلة، وهي المعايير التي تنسف تلك المحاكمات من أساسها وتبعدها تمامًا عن إطار العدالة إلى أطر القمع والانتهاك، وساهم في ذلك بشكل كبير انتفاء أيّ من معايير الاستقلال لدى القضاء العسكري، حيث يتضح من التحليل القانوني الوارد في التقرير أن ما يحدث داخل المحاكم العسكرية ما هو إلا انتهاك واضح لأبسط معايير المحاكمات العادلة، وكذلك الاعتماد على قوانين غير دستورية لحرمان آلاف المعتقلين من حرياتهم، والحكم على بعضهم بأحكام بالإعدام، وهو الأمر النابع عن عشوائية إصدار القوانين واللوائح المنظمة لتلك المحاكمات وغياب الضمانات القانونية.

خارطة العلاج

في 13 بندًا، ناشدت المنظمة من خلالهم فتح أفق للحوار المجتمعي بما يحافظ على سيادة القانون ومعايير العدالة، وبما يحافظ على دور المؤسسة العسكرية المصرية الدستوري والوطني بعيدًا عن انتهاكات حقوق الإنسان، وإعلاء شأن المحاكمات العادلة بعد أن تم إهدارها بشكل تام لا يتحمل الشك أو الجدل، وهو ما يصب في نهاية المطاف في حماية الحرية وضمان تحقيق العدالة، وتمثلت أهم تلك التوصيات في: إحالة كافة القضايا المحكوم فيها عسكريًّا والقضايا التي لا تزال تُنظر أمام القضاء العسكري إلى النيابة العامة أو القضاء الطبيعي وإعادة إجراءات المحاكمة فيها وفق قانون العقوبات المصري، حتى يتمكن المتهمون من حصولهم على حقهم في كفالة الدفاع القانوني المناسب لاتهاماتهم والتوقف الفوري من جانب النيابة العامة عن استخدام الأمر الكتابي الدوري الصادر من النائب العام رقم 14 لسنة 2014، وبالمثل قيام النيابة العسكرية بإحالة كل القضايا التي تقوم بالتحقيق فيها إلى النيابة العامة لعدم الاختصاص، و تعديل المادة 204 من الدستور لتمنع بشكل قاطع محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري فضلًا عن الإفراج الفوري عن المدنيين الصادر بحقهم أحكام من المحاكم العسكرية، وإصدار قرار من رئيس الجمهورية بإلغاء الأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية ضد المدنيين وفقًا لقواعد التصديق على الأحكام الواردة في قانون القضاء العسكري المادة 98 وحتى 116، وخاصة البند الرابع من المادة 99 من القانون سالف الذكر، على أن يتضمن قرار إلغاء الأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية بحق المدنيين الفترة من فبراير 2011 وحتى الآن، وإخضاع قوانين القضاء العسكري للمراجعة الدورية والمنتظمة على نحو مستقل وشفاف من أجل ضمان توافق اختصاصات المحاكم العسكرية مع الضرورة الوظيفية البحتة، خاصة قانون حماية المنشآت العامة رقم 136 لسنة 2014، وإعادة طرحه للنقاش مرة أخرى، لما فيه من عوار قانوني ودستوري واضح، ولما تسبب فيه من جرائم وانتهاكات بحق المواطنين وبحق العدالة في مصر، وذلك دون التعدي على الاختصاصات التي يجب أن تخول للمحاكم العادية، مع إجراء حوار مجتمعي حول وجود القضاء العسكري في ذاته بشكل شفاف.

 

انفوجراف تحليلي عن واقع المحاكمات العسكرية للمدنيين في مصر : وفقا-للتعليمات-1