كتبه – منذر العلي

هل يرغب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في الاستمرار بمنصبه لفترة خامسة عام 2019، أم أنه يريد تسليم السلطة بسلاسة ودون أزمات؟.

تساؤلات عدة وجدل محتدم أثارتهم تصريحات “فاروق قسنطيني”، الرئيس السابق للجنة الاستشارية لحقوق الإنسان في الجزائر، أن لدى “بوتفليقة”، رغبة في الترشح لفترة رئاسية خامسة.

تصريحات الرجل المقرب من الرئيس تبدو وكأنها محاولة من النظام الحاكم لجس نبض الشارع الجزائري، وقياس ردود الأفعال حول استمرار “بوتفليقة”- الجالس على كرسي متحرك ولم يتحدث إلى شعبه منذ سنوات- في الحكم.

Image result for ‫فاروق قسنطيني‬‎

فاروق قسنطيني

رئيس حتى الموت!

“قسنطيني” قال في تصريحات نقلها موقع إخباري جزائري، إنه لمس رغبة الترشح لدى “بوتفليقة” خلال لقائه به الأسبوع الماضي، مضيفًا: “حالة “بوتفليقة” جيدة وتحليله دقيق جدًا، الأمر الوحيد الذي يعطله أن صوته تراجع، وأنه يتحرك بصعوبة لا سيما رجليه وهو مقعد فوق كرسيه المتحرك”.

وتابع الحقوقي البارز: “الرئيس بوتفليقة أعرفه جيدًا ويريد أن يبقى في خدمة بلده إلى أن يتوفاه المولى عز وجل، فهذا طبعه خدوم، ويبقى تحت تصرف وطنه”.

Image result for ‫بوتفليقه‬‎

بوتفليقه

في المقابل نفت رئاسة الجمهورية، في بيان أذاعه التليفزيون الجزائري الرسمي، حدوث أي لقاء بين رئيس الجمهورية والرئيس السابق للهيئة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان، واعتبرت التصريحات ومضمون اللقاء المفترض مجرد افتراءات.

ووصل “بوتفليقة” إلى الحكم بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 1999 بنسبة 90,24% من الأصوات، ثم أعيد انتخابه في 2004 و2009، بعد أن أجرى تعديلًا دستوريًّا ألغى تحديد عدد الولايات الرئاسية باثنتين، ثم ترشح لولاية رابعة عام 2014 وأُعيد انتخابه.

وأصيب في أبريل 2013، بجلطة دماغية أثرت على قدرته على المشي وأصبح يجد صعوبة في الكلام.

التصويت لغيره “حرام”

على الرغم من أن النفي الحكومي السريع للتصريحات السابقة يوحي بأن صاحبها نسجها من خياله، وأنه لا صحة لها مطلقًا، إلا أن الأمر يمكن ألا يخرج عن كونه مجرد جس نبض لردود الأفعال حول ترشح “بوتفليقة”.

وتبدو عدة شواهد تشير إلى أن دائرة الرئيس الجزائري تمهد من خلالها إلى أن يصبح ترشح “بوتفليقة” حقيقة وأمرًا واقعًا.

فقبل أيام دعت “المنظمة الوطنية للزوايا الطرقية الصوفية” “بوتفليقة” إلى الترشح لولاية رئاسية خامسة، مؤكدة أنها ستقف إلى جانبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأن التفكير في غيره لتولي رئاسة البلاد حرام.

“عبد القادر باسين” رئيس المنظمة التي تتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة من أتباع المنهج الصوفي وتؤثر توجهاتها عليهم، كشف أنه يعكف على إنشاء قطب سياسي لدعم الرئيس يضم مثقفين وأحزابًا سياسية وجمعيات ومنظمات.

وفي أكتوبر الماضي، قال الأمين العام الجديد لحزب جبهة التحرير الحاكم “جمال ولد عباس”: إن “بوتفليقة” “لن يقبل أن يكون مرشح الجيش في رئاسيات 2019″، مؤكدًا أنه لا وجود للشرعية العسكرية بالجزائر بأي شكل من الأشكال.

هذا التصريح يبدو تأكيدًا ضمنيًا لترشح “بوتفليقة”، لكن على استحياء، وتشديد على محاولة إبعاد المؤسسة العسكرية عن ملف اختيار الرئيس، بعد أن وُصفت لعقود بأنها صانعة رؤساء الجزائر.

“ولد عباس” كان له تصريح آخر في أعقاب تزكيته أمينًا عامًّا للحزب الحاكم في نوفمبر 2016،  حيث سارع بعدها بدقائق إلى الإعلان عن نيته في ترشيح “بوتفليقة” لولاية رئاسية خامسة.

Image result for ‫جمال ولد عباس‬‎

جمال ولد عباس

تدخل الجيش وصراع الخليفة

اللافت أن الحديث عن ترشح “بوتفليقة” لولاية خامسة، يأتي بعد أسابيع من دعوات متزايدة في أوساط النخبة المعارضة الجزائرية لتدخل الجيش من أجل عزل الرئيس وإجراء انتخابات مبكرة.

وفي أكتوبر الماضي، وقّعت 3 شخصيات جزائرية، على بيان يطالب بعدم ترشح “بوتفليقة”، البالغ من العمر 80 عامًا، لولاية خامسة في 2019، من خلال “جبهة مشتركة” للتغيير، وبمساعدة الجيش أو بحياده.

وقع البيان كل من: “أحمد طالب الإبراهيمي” (وزير سابق ومرشح للانتخابات الرئاسية في 1999)، والمحامي “علي يحيى عبد النور” الذي يعتبر أقدم مناضل حقوقي بالجزائر ووزير سابق، والجنرال المتقاعد “رشيد بن يلس” قائد القوات البحرية سابقًا.

Related image

الإبراهيمي وبوتفليقه

تلك الدعوات رد عليها طرفا المعادلة، “بوتفليقة” والجيش على حد سواء، فالرئيس وجه رسالة إلى الجزائريين عشية الاحتفال بالذكرى 63 لاندلاع ثورة “التحرير” ضد الاستعمار الفرنسي، والموافقة للأول من نوفمبر، قال: إن “الوصول إلى السلطة في البلاد لن يكون إلا في المواعيد الانتخابية المحددة”.

كذلك كان موقف الجيش الجزائري حاسمًا، وهو ما أكده رئيس أركانه الفريق أحمد قايد صالح، الذي كرر 3 خطابات ألقاها أمام عسكريين، خلال عام 2017، بالتزام مؤسسته بالدستور، والخضوع لقائده الأعلى “بوتفليقة”.

Image result for ‫قايد صالح‬‎

قايد صالح

وتصب جميع التوقعات في أن الرئيس لم يعد قادرًا على مباشرة مهامه الرئاسية، وأن المقربين منه باتوا الماسكين الحقيقيين بزمام القرار.

كما دل اختيار “أحمد أويحيى” رئيسًا للحكومة خلفا لـ”عبد المجيد تبون” الذي لم يستمر في منصبه أكثر من 3 أشهر، على أن “المربع المحيط بالرئيس استكمل وضع مركز القرار في قبضته”، إذ كان أويحيى يشغل منصب مدير الديوان الرئاسي، وهو حليف قوي لشقيق الرئيس سعيد بوتفليقة.

هذا المربع، وفق تحليلات سياسية، استطاع التخلص من رئيس الحكومة الأسبق “عبد المالك سلال”، بعدما خشي أن تكون لديه طموحات رئاسية، ثم تخلص من “تبون”، الذي فتح معركة الفساد، متعمدا قصقصة أجنحة رجال الأعمال المقربين من غريمه سعيد بوتفليقة، وفي مقدمتهم رئيس منظمة أرباب العمل علي حدَاد.

Image result for ‫عبدالمجيد تبون‬‎

عبدالمجيد تبون

ويبدو أن الثنائي (سعيد بوتفليقة – أحمد أويحيى) اتخذ قرار الإطاحة بـ”تبون” في اليوم الذي فرض فيه الأخير على “حداد” أن يغادر القاعة في مناسبة كان مقررًا أن يحضراها معا.

ويأخذ “تبون” على “حداد” أن شركته تسلمت مبالغ كبيرة من الحكومة لتنفيذ مشاريع بنية أساسية، لكنها لم تنجزها، وتحت شعار الفصل بين المال والسياسة، أطلق تبون معركة على الفساد، بدت تحديًا لشقيق الرئيس واسع النفوذ والمتحكم الفعلي في البلاد، والذي تربطه علاقات حميمة مع حداد ورجال أعمال آخرين تلاحقهم اتهامات بالفساد.