تمثل رحلة الرئيس بايدن إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع خطوة نحو سياسة خارجية أمريكية -تقليدية جداً- مع المملكة العربية السعودية، حيث دفعه واقع دبلوماسية النفط والجغرافيا السياسية إلى التنازل عن وعود حملته الانتخابية بعزل المملكة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.

أدى التحول في أولويات الولايات المتحدة إلى تباين صارخ في وجهات النظر التي طرحها المسؤولون الأمريكيون والسعوديون حول كيفية سير الزيارة.

يقول السيد بايدن وكبار مساعديه إنهم يركزون على قمة الدول العربية حيث ستمنح الرئيس فرصة لقاء العديد من رؤساء دول الشرق الأوسط، مع نفي أن تكون هذه الزيارة من أجل أن يلتقي بايدن وجهاً لوجه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان- الحاكم الفعلي للبلاد.

في المقابل، يقول المسؤولون السعوديون إن هذه الزيارة ستشهد لقاءات ثنائية بين ولي العهد والرئيس الأمريكي بشأن مجموعة من الموضوعات الجوهرية التي تهم الطرفان، ووصفوا القمة بأنها ستكون على هامش هذه اللقاءات.

أشارت الرياض إلى أنها تريد أن يعترف بايدن بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي أشرف عليها ولي العهد، كما تسعى للحصول على ضمانات بأن الولايات المتحدة ستدعم ظهرها في مواجهة تهديدات إيران، خاصة مع الحديث عن أن بايدن يسعى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 -.

محمد بن سلمان يريد إغلاق قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي بصورة نهائية، وهي القضية التي خلصت المخابرات الأمريكية في تحقيقاتها حولها أنه [بن سلمان] أصدر أوامر شخصية بقتل الصحفي المعارض.

قال مسؤولون أميركيون إن بايدن يعتزم مناقشة سجل حقوق الإنسان السعودي، لكن المسؤولين السعوديين يقولون إنهم من غير المرجح أن يقدموا أي تنازلات في مجال حقوق الإنسان وأنهم غير مستعدين للتخلي عن تحالف إنتاج النفط مع موسكو، والذي ألقت الولايات المتحدة باللوم عليه جزئيًا فيما يتعلق بارتفاع أسعار النفط.

بدون إحراز تقدم كبير في قضايا الطاقة أو حقوق الإنسان، يشعر بعض حلفاء بايدن بالقلق من أنه قد يعود إلى الولايات المتحدة خالي الوفاض وغير قادر على الترويج لجهود جديدة لمعالجة التضخم المرتفع، وهو مصدر قلق كبير للناخبين قبل انتخابات التجديد النصفي لهذا العام.

وقال مسؤولون أميركيون إن مسار رحلة الرئيس كان لا يزال متقلبًا في الأيام التي سبقت القمة التي استمرت أربعة أيام، حيث سافر كبير مستشاريه للشرق الأوسط إلى المملكة الأسبوع الماضي لوضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل، مما يؤكد الصعوبات التي تواجهها الرحلة.

وصلت العلاقات مع المملكة العربية السعودية إلى نقطة مظلمة شديدة التوتر، حيث رفض بايدن أولاً التواصل مع الأمير محمد بن سلمان العام الماضي، ثم رفض بن سلمان الرد على مكالمة من بايدن في الفترة التي سبقت حرب أوكرانيا.

في ظل هذه المناوشات الدبلوماسية، ارتفعت أسعار النفط حيث جاوز سعر البرميل الواحد 100 دولار بعد غزو روسيا لأوكرانيا، ولم يفعل السعوديون الكثير للاستفادة من قدرتهم على ضخ المزيد من النفط لترويض السوق، على الرغم من دعوات الولايات المتحدة.

إن الدافع وراء التحول نحو استراتيجية أمريكية أكثر تقليدية في الشرق الأوسط، ولو جزئيًا، هو تأثير ارتفاع أسعار الطاقة على معدلات التضخم في الولايات المتحدة، وهو بالطبع يمثل مسؤولية سياسية كبيرة لبايدن، حيث ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 6.3٪ في مايو/أيار عن العام السابق، وهو نفس الارتفاع في أبريل/نيسان، ولكن بانخفاض طفيف من 6.6٪ في مارس/آذار، وفقًا لمؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي لوزارة التجارة الذي صدر يوم الخميس (كان ارتفاع مارس/آذار هو الأكبر والأسرع منذ يناير/كانون الثاني 1982).

قال مسؤولون أميركيون إن أهداف بايدن تشمل الآن إبقاء المملكة العربية السعودية في المدار الغربي، والوقوف أمام أي تقارب بينها وبين روسيا والصين.

قال جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: “بينما نظرت الإدارة في أولوياتها الخارجية، كانت المملكة العربية السعودية مرتبطة بعدد كبير من تلك الأولويات… وجود علاقة مشوشة مع القيادة يجعل عدد مهم من الملفات العالمية بالنسبة للولايات المتحدة أكثر صعوبة”.

قال السيد الترمان: “من منظور سعودي، يهدف جزء كبير من الزيارة إلى تعزيز أهمية الشراكة مع المملكة العربية السعودية ودحض فكرة أن ولي العهد هو أرعن متهور وشريك يستحيل التوافق معه”.

سيسافر بايدن أولاً إلى إسرائيل، حيث يأمل المسؤولون الأمريكيون في أن ينجحوا في إتمام صفقة تطبيع تتصدر عناوين الصحف الفترة المقبلة.

وبينما سيلتقي بايدن مع رئيس الوزراء المؤقت يائير لابيد والرئيس الفلسطيني محمود عباس -بشكل منفصل-، فإن زيارة بايدن لا تركز على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بنفس القدر الذي تركز فيه على اندماج إسرائيل في بقية العالم العربي.

حتى الآن، قد يكون الحدث الأكبر الذي ستشهده الرحلة هو الإعلان عن نقل سيادة جزيرتين من مصر إلى المملكة العربية السعودية، وهي صفقة طال انتظارها قد تشمل خطوات نحو إقامة الرياض علاقات رسمية مع إسرائيل، بما في ذلك توسيع حقوق الطيران والسماح برحلات جوية مباشرة للحجاج، وفقًا لأشخاص مطلعين على المناقشات.

بحسب مسؤول أمريكي، فإن الاتفاق المحتمل لا يزال قيد التفاوض، ومن المتوقع أيضًا أن يعلن بايدن عن محادثات جديدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن التطوير المشترك لـ Iron Beam ، وهو نظام ليزر تجريبي يُصوَّر كدرع ضد الهجمات المدعومة من إيران.

يُظهر التركيز على بناء العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل كيف تبنى بايدن ببطء أحد أكثر المكونات نجاحًا في نهج سلفه دونالد ترامب لدبلوماسية الشرق الأوسط، حيث أسست اتفاقات أبراهام لعام 2020 التي توسطت فيها إدارة ترامب علاقات رسمية بين إسرائيل والدول العربية.

من غير المرجح أن تتحرك المملكة العربية السعودية، التي تخشى ردود الفعل الداخلية والانتقادات داخل العالم الإسلامي، بسرعة نحو التطبيع لكنها أبدت بعض الانفتاح.

في خطوة رمزية، يخطط بايدن للطيران مباشرة من إسرائيل إلى المملكة العربية السعودية، حيث يناقش مسؤولو الإدارة محاولة تحسين التعاون في مجال الدفاع الجوي بين دول المنطقة التي تعتبر الصواريخ الإيرانية تهديدًا.

ويقول نواب وجماعات حقوقية أميركية إن رحلة الرئيس يجب أن تكون لحظة محورية لممارسة الضغط على ولي العهد بشأن حقوق الإنسان، حيث كتب أربعة من كبار الديمقراطيين في مجلس الشيوخ رسالة إلى السيد بايدن الشهر الماضي، محذرين من أن أي تعاون مع الأمير محمد سيكون “مزعجًا للغاية”.

وبينما حصلت إدارة بايدن على بعض التنازلات المبكرة بشأن حقوق الإنسان العام الماضي، تواصل المملكة اعتقال الأشخاص في حملة قمع مستمرة على الحريات السياسية.

أحدث هؤلاء المعتقلين كان مالك الدويش، نجل رجل دين مسلم على صلة بولي العهد السابق محمد بن نايف، والذي أطيح به في عام 2017 وسُجن لاحقًا بتهم الخيانة.

قال مالك الدويش -في وقت سابق- لصحيفة وول ستريت جورنال العام الماضي إن والده سليمان سُجن عام 2016 في زنزانة أحد القصور وتعرض للضرب بأوامر من الأمير محمد بن سلمان شخصياً بعد أن نشر تغريدات حملت بعض الإهانات -الضمنية- لولي العهد.

وأضاف مالك الدويش أنه شعر أنه ليس لديه ما يخسره بالتحدث علانية من داخل المملكة العربية السعودية، خاصة وأن اثنين من أشقائه اعتقلا بعد اختفاء والده.

في يناير/كانون الثاني، قال السيد الدويش إنه تم استجوابه وتهديده من قبل أمن الدولة بسبب اتصاله بمراسل الجريدة، وقبل أسبوعين من زيارة السيد بايدن، اعتقلته السلطات السعودية بتهم لا يمكن تحديدها، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا