العدسة – إبراهيم سمعان

أكدت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتبنى مشروعات ضخمة لا جدوى اقتصادية لها؛ بهدف تعويض الشرعية التي يفتقدها.

وأوضحت الصحيفة في مقال لـجاريد مالسن، أن تلك المشروعات سمة رئيسية للنظم الاستبدادية لا ينتظر منها الحاكم عوائد اقتصادية لتحسين اقتصاد البلاد، لكنها مال سياسي هدفه التغطية على الشرعية الغائبة.

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن تأثير هذه المشروعات سلبي للغاية على الاقتصاد المصري على المدى الطويل؛ بسبب هدر الموارد التي تشتد حاجة البلاد إليها، ولفتت إلى أن تلك المشروعات لم تقم بشيء يذكر في تخفيف السخط الاقتصادي الذي كان سببا في اندلاع الربيع العربي في 2011.

وإلى نص المقال ..

على مدى عقود، استخدم رؤساء مصر -مثلهم مثل الفراعنة من قبلهم- مشروعات البنية التحتية الضخمة؛ لحفز الشعور بالإنجاز الوطني والقوة الاقتصادية، لكن لم يقم زعيم في العصر الحديث بإطلاق هذا العدد الكبير من المشروعات في وقت قصير مثل الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، مع ذلك فإن تأثيرها هزيل.

عندما وصل الجنرال السابق إلى السلطة عقب انقلاب عسكري في 2013، أعلن عن توسعة قناة السويس، وأمر ببناء مدينة ثانية قرب القاهرة، وأطلق مخططا لاستصلاح أكثر من مليون فدان من الأراضي الصحراوية الخالية، في ديسمبر، وافق على اتفاق مع شركة مملوكة للحكومة الروسية لإنشاء محطة نووية بكلفة 21 مليار دولار.

قبيل الانتخابات التي تجرى في مارس، يقوم بتلميع دوره بإطلاق مشروعات ضخمة بقيادة الجيش، عندما أطلق حملة إعادة انتخابه الشهر الماضي، زعم أن الحكومة انتهت من 11 ألف مشروع قومي خلال فترة ولايته القصيرة، هذا الرقم مبالغ فيه بشدة، لكن حتى مبادرات البنية التحتية البارزة للرئيس لم تقم بشيء يذكر في تخفيف حدة السخط الاقتصادي الذي كان مصدرًا للاضطرابات السياسية قبل 7 سنوات خلال الربيع العربي.

يقول روبرت سبرنجبورج، الخبير في الشأن المصري، في “كينجز كوليدج” بلندن: “هذه ليست أموالا للاستثمار، هذا مال سياسي، العواقب طويلة الأجل لهذا الأمر سلبية جدا للاقتصاد، إنك تفكر في هدر الموارد في وقت تشتد حاجة البلاد إليها”.

تبني السيسي للمشروعات الكبيرة المشكوك في جدواها لن يكلفه الانتخابات، فقد سجنت قوات الأمن أو همشت معارضيه الموثوق بهم فقط، لكن حتى المسؤولين المنخرطين في المبادرات يقولون إنها تستهدف خلق مظهر فقط، بدلا من واقع حقيقي لانتعاش اقتصادي، عقب اضطرابات انتفاضة مصر في 2011 التي أنهت 3 عقود من حكم الرئيس حسني مبارك.

كشفت حكومة السيسي النقاب عن قناة السويس الجديدة التي تكلفت 8 مليارات دولار في 2015، والتي تمت الإشادة بها كرمز لبعث وطني وهدية للعالم، في حفل اتسم بالبذخ على ضفاف القناة، حلقت الطائرات النفاثة فوق صفوف الزائرين من الشخصيات المرموقة، إلى جانب القناة التي تمت توسعتها للسماح بحركة المرور في اتجاهين وتقليل أوقات الانتظار بشكل كبير، وأبحر الرئيس إلى الحدث مرتديا زيا عسكريا كاملا ونظارة شمسية.

لم تتوافق عوائد المشروع مع الضجيج، في 2015، قال مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، إن التوسعة ستضاعف عائدات القناة، من حوالي 5 مليارات دولار في العام، إلى أكثر من 13 مليار دولار بحلول 2023.

اليوم، لا يزال الدخل من القناة دون تغيير كبير، عن المستويات التي كانت عليها في 2015، وحتى في ذلك الوقت، فالادعاءات العلنية لهيئة القناة تناقضت مع دراسة حكومية داخلية لم تنشر أبدا، توقعت نسبة متواضعة من العائد على الاستثمار، الذي قام به الأفراد المصريون الذين اشتروا شهادات لتمويل المشروع، تبلغ 4.8%، وذلك بحسب أحمد درويش، الرئيس السابق للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

قال “درويش”: “كان هناك الكثير من الأسباب لإنجاز هذا المشروع، لم يكن الأمر يتعلق بالعائدات فقط، لقد جاء في وقت احتاج فيه الرئيس إعادة الثقة إلى الشعب المصري، كانت فكرة (نعم نستطيع) مُهمة جدًّا”.

فشَلُ مشروع القناة في تحقيق أهدافه المعلنة لم يمنع السيسي من تنفيذ هذه المشروعات، كمعالم بارزة لرئاسته، الشهر الماضي، كتب على تويتر، إن المشروعات الـ 11 ألفا التي أعلن عنها، تعني أكثر من 3 مشروعات في اليوم منذ تولى السلطة.

هذه التغريدة دفعت إلى سخرية على الإنترنت، عندما قام مستخدمو تويتر المصريون بإجراء الحسبة، حيث أشاروا إلى أن 3 مشروعات في اليوم، خلال 4 سنوات هي مدة رئاسة السيسي، تعني أن عدد المشروعات 4380 مشروعًا، تغريدة الرئيس لم تكن صحيحة، كما أن مكتبه لم يستجب لطلبات التعليق.

ثمة مشروع آخر وقع عليه الرئيس، وهو العاصمة الإدارية الجديدة، غارق في التأخير، تراجعت شركة صينية عن اتفاق إنشاء بقيمة 3 مليارات دولار، على خلفية خلاف في الأسعار، لم يستجب مسؤولون من المشروع على الفور لرسالة تطلب تعليقا، لا زال الجمهور العام ممنوعا من دخول الموقع، الذي يفترض أن يكون حافزا للنمو الاقتصادي واستجابة حديثة جدا للشوراع المكتظة في القاهرة، لم يأت شيء بعد من مشروع استصلاح الصحراء أو المحطة النووية، التي ستكون الأولى في مصر.

انجذاب السيسي للمشروعات الكبرى يلائم النمط الفرعوني لقادة مصر الذين يبنون معالم طموحة خلال فترة حكمهم.

يقول ديفيد سيمس، وهو مخطِّط حضاري واقتصادي مقيم في القاهرة: “هذا جزء من الأسلحة تستخدمه الدول الاستبدادية بشكل خاص؛ لإضفاء الشرعية على نفسها، وخلق أحلام، ولملء وسائل الإعلام المملة بشكل ساحق”.

في الخمسينات، أمر الرئيس جمال عبد الناصر، بإنشاء السد العالي في أسوان، لتعزيز الري وتوليد الكهرباء، لكنه شرَّد أيضا أكثر من 100 ألف شخص، في عام 1997، وافق مبارك على شبكة متطورة من القنوات في صعيد مصر، على أمل إقامة أراضٍ زراعية جديدة، بل وحتى استحضار مدينة جديدة في الصحراء، فشل المشروع المعروف باسم “توشكى” في خلق 10% من الأراضي الصالحة للزراعة التي خطط لها “مبارك”.

بالتوسعة الجديدة للقناة، نحى السيسي نصيحة المستشارين الاقتصاديين المدنيين لصالح نهج من أعلى لأسفل لصالح الشركات المرتبطة بالجيش المصري.

يقول “سبرنجبورج”: “إنها رمزية للحكم الخاطئ للبلاد، وتوسيع لسلطة الجيش”.

سيطرت القوات المسلحة في مصر على حصة كبيرة من الاقتصاد لعقود، وامتلكت كل شيء من مصانع المكرونة والأسمنت، إلى الفنادق ومتاجر التجزئة، وحكومة السيسي ذهبت إلى مدى أبعد، حيث سمحت للجيش بإنتاج مستحضرات صيدلانية، ومنحه مجالا أكبر للاستثمار في العقارات.

في تقييم نشر الشهر الماضي، قال صندوق النقد الدولي، إن الاقتصاد المصري آخذ في التحرك، مستشهدا بتحسن النمو وانخفاض التضخم باعتبارها علامات استقرار محل ترحيب، لكنه لم يعزو ذلك لدور كبير في القناة الموسعة، وتوقع التقرير أن رسوم القناة ستنخفض بالفعل كنسبة من إجمالي الناتج المحلي على مدى السنوات الأربع المقبلة من 2.2 % هذا العام، إلى 1.9 % بحلول 2022.

خفض السيسي من قيمة العملة المصرية، كما قلص الدعم الحكومي؛ ليحصل على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي في 2016، ومنذ ذلك الحين، لم يحقق النمو في الاقتصاد الأوسع نطاقا سوى القليل لتحسين حياة المصريين، لا تزال البطالة بين الشباب أعلى من 33%، بحسب منظمة العمل الدولية، والتضخم رغم انخفاضه لا يزال عند 17.1%، ومنذ أواخر 2016، أدى ارتفاع أسعار الطعام والوقود والدواء وغيرها من السلع الحيوية إلى تآكل شعبية السيسي.