العدسة – ياسين وجدي:
الجميع يرفع في الجزائر شعار مرحلة جديدة ، لكن عبر معسكرين ، أحدهما يريد مرحلة جديدة في وجود الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة ، والآخر يطرح البديل والمبادرات ، وبين هذا وذاك صراع يتصاعد ومخاوف سوداوية .
“العدسة” يرصد المشهد مع تجدد المبادرات وقرب الانتخابات الرئاسية في ابريل 2019 ، والذي بات مشهدا يمتلأ باحتمالات عدم خوض بوتفليقة المسار الانتخابي لكن يحاصرها المستفيدون بكل قوة.
رحيل محتمل !
رحيل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بات حلما تتزايد فرصه يوما بعد يوم ، وهذا ما يعتقده رجل المبادرة الأخيرة رئيس حركة مجتمع السلم ( حمس) ، عبد الرزاق مقري، مؤكدا أن فرص بقاء الرئيس بوتفليقة على رأس الدولة تضاءلت، رغم أن فكرة الترشح الخامس للرئيس لم تسقط في الماء ولا تزال قائمة، ويستند مقري في موقفه لبعض المؤشرات التي توحي بان فرص بقاء بوتفليقة في الحكم تقلصت.
هذه المؤشرات بحسب مقرى الذي طرح مبادرة انتقالية في الفترة الاخيرة ، تتخلص في أن أهم عائق أمام ترشح الرئيس لولاية خامسة، وضعه الصحي التي يمنعه من التواصل مع معاونيه، وكذا مع الشعب الجزائري ، والمستوى الدولي، بجانب “غياب الحماس” بين أنصار بوتفليقة على بعد بضعة أشهر من الانتخابات الرئاسية، وبروز العديد من المتنافسين، منهم شخصيات ضمن السلطة لم يخفوا طموحاتهم بالترشح للرئاسيات، فضلا عن الهزة الأخيرة التي ضربت السلطة في الصميم مع قضية الكوكايين، والتي أطاحت بأوزان ثقيلة داخل النظام، وهي كلها مؤشرات واضحة على أن الفترة الخامسة أضحت افتراضية بحسب مقرى.
ورغم تصريحات الفريق قايد صالح رئيس أركان الجيش، ونائب وزير الدفاع، التي فسرت على أنها مناهضة لمبادرة مقرى ، قال الأخير: ” ان الفريق قايد صالح التزم أمام الشعب بعدم تدخل الجيش في الساحة السياسية، وهو الأمر الهام للغاية ، الذي اعتبره ثمرة مبادرتنا السياسية، التي أثارت النقاش وسمحت بتحريك المشهد السياسي بعد فترة من الخمول، وأخرجت الفاعلين السياسيين من حالة الصمت التي كانوا عليها، كما أظهرت المبادرة بان الفترة الخامسة للرئيس بوتفليقة ليست حتمية، وهناك بدائل سياسية، كما خلقت إجماعا سياسيا واجتماعيا بشان مبدأ عدم تدخل الجيش في الحياة السياسية، وهو الانجاز التاريخي”.
إلى ذلك ، يرى محللون سياسيون، أن حركة مجتمع السلم لم تتحرك من فراغ ، ولكن لديها مؤشرات قوية ، شعرت منها بضعف الدولة وتقهقر السلطات المركزية فوجّهت أنظارها إلى افتكاك السلطة بمغازلة المؤسسة العسكرية التي تدرك أن البلاد سائرة نحو أزمة قد تعيد ترتيب النظام السياسي بالجزائر القائم منذ عقود .
البعض رغم ذلك يتوقع فشل مبادرة حركة حمس، لعدة أسباب يأتي على رأسها تعنت السلطة وعدم قبولها بالرأي الآخر رغم الوضع الذي تتخبط فيه البلاد، فضلا عن أن المبادرات السياسية فشلت في استقطاب القوى السياسية الفاعلة والرأي العام بشكل عام، وفي الضغط على دوائر القرار لمناقشتها أو التشاور بشأنها، فمنذ العام 2014 أطلقت عدة مبادرات ومشاريع سياسية، لكنها انتهت كلها إلى التحلل، كما أن حركة حمس تواجه في مشروعها الحالي مواقف انتقامية، عقابا لها على مواقفها السابقة تجاه مبادرة الإجماع الوطني التي أطلقتها في 2014 جبهة القوى الاشتراكية، واستقبلتها حمس حينها بتجاهل لافت.
مبررات واهية !
وفي المقابل كانت الفزاعات هي أداة فريق بوتفليقة ، وفق ما هو مرصود حتى الآن ، وهو ما قد لا يصمد طويلا بحسب مراقبين ، فآخر الفزاعات أطلقها الأحد 5 أغسطس رئيس حزب التحالف الوطني الجمهوري بلقاسم ساحلي، زاعما أنّ “الجزائر مهدّدة وتبقى مهدّدة ، لهذا نحن بحاجة إلى رئيس مثل بوتفليقة من خلال حكمته الداخلية والخارجية، وكذا الإحترام الذي يلقاه في الداخل وعلى المستوى الدولي لتعميق الإصلاحات، والتي توجها بدستور عام 2016”!.
جمال ولد عباس الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائري، استشعر من جانبه حصار الرافضين لاستمرار بوتفليقة ، وانطلق الي عقد لقاء تنسيقي مع “ساحلي” مؤخرا من أجل “التنسيق أكثر بين مواقف الحزبين المتوافقة بشأن دعوة بوتفليقة إلى الاستمرار في مهمته الرئاسية ، كما أعلن تشكيل وفد مشترك بين الحزبين مهمته التنسيق مع الأحزاب الأخرى التي لديها نفس الرؤية بخصوص الانتخابات المقبلة والتي يتجاوز عددها 26 حزبا، وهو التحرك الذي يشي بوجود تنامي لرفض بوتفليقة تتطالب الحشد له.
المستفيدون من بقاء الوضع على ما هو عليه ، يريدون استمرار بوتفليقة كذلك بقوة ولكن بدون أسباب مقنعة ، وفي مقدمتهم حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى، الذي دعا بوتفليقة إلى الترشح لولاية خامسة تحت مزاعم “الاستمرار في أداء مهمته وتضحيته في خدمة الجزائر”، وفي هذا الاطار صرح أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة باريس بيار فيرمرين قائلا :”إن كل المؤشرات الخارجية تدل على أن هناك مجموعة صغيرة من الأشخاص تحظى بنفوذ قوي وموجودة في أعلى هرم الدولة الجزائرية، تدفع في اتجاه إعادة انتخاب الرئيس”.
وحول مستقبل مبادرة حمس في حال ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة، كما يتمني فريقه، رد فاروق طيفور القيادي ب“حمس” في تصريحات صحفية بأنهم “ليس لديها مشكل في ترشح بوتفليقة من عدمه، وإنما المشكل في عدم القدرة على تنظيم استحقاق انتخابي شفاف في ظل غياب هيئة مستقلة لمراقبة وتنظيم الانتخابات، أمام إدارة أثبتت فشلها في حماية المسار الانتخابي”.
أجندات المستقبل !
المستقبل ضبابي وسوادووي ، بحسب دراسة حديثة لمركز التحليل و الدراسات الأمريكي ،حيث صنفت هذه الدراسة الجزائر مطلع العام ضمن عشرة دول مهددة بحدوث فوضى عارمة و إضطرابات سياسية و أعمال عنف في السنوات القادمة، بسبب عدم تمكن الرئيس بوتفليقة من تسيير البلاد بحلول سنة 2020 بسبب تقدمه في السن و تدهور حالته الصحية .
الدراسة أكدت أن ذلك العنت الرسمي سيفتح ذلك المجال أمام حدوث إضطرابات سياسية عديدة ،كما تتوقع هذا الدراسة صعود التيار الإسلامي المتعصب الذي سيحاول الإنتقام بمختلف الطرف من السلطة الحاكمة بسبب ما تعرض له من إقصاء و تهميش طيلة سنوات عديدة، كما أشارت هذه الدراسة إلى تزايد و تنامي نشاط الجماعات المسلحة في الجنوب الجزائري خلال السنوات القادمة ،و ذلك بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا و إنتشار السلاح.
هذه الفوضي ، ينتظره فرسا رهان ، وهما أمريكا وفرنسا، ووفق موقع “سي إن إن ” الأمريكي باللغة العربية ، فهناك صراع فرنسي – أمريكي ينبني حول مصلحة كل طرف في الرئيس القادم للبلاد، وقد تسارعت وتيرة هذا الصراع بعد افتضاح الوضع الصحي الذي لم بعد بإمكان المحيطين ببوتفليقة إخفاءه، وتجلى الصراع المذكور في الضغط الفرنسي الذي اشتد مؤخرا ومحاولة تطويق أي مسعى قد يكون بعيدا عن محور الجزائر- باريس، وبمقابل ذلك، يسوق وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، بأنه مقرب من دوائر صنع القرار في أمريكا، ويسعى لطرح نفسه ككفاءة جزائرية ذات تكوين أمريكي.
فريق بوتفليقة ، اعترف بهذا الصراع الامريكي الفرنسي علنا ، وأبدى قلقا كثيرا على لسان وزارة الخارجية الجزائرية في بيان سابق ، مؤكدا أنه “مهما كان مصدر هذه التقارير، سواء فرنسا أو الولايات المتحدة أو بلد آخر، ومهما كان طابعها علمياً، فإن هذا النوع من التقارير بعيدة عن الواقع” بحسب زعمه!.
هذه المخاوف والتدخلات تعزز رحيل بوتفليقة ، وبحسب المتابعين للشأن الجزائري ، فإن التطورات الراهنة في المشهد الجزائري والتي تشير إلى أن تعنت الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وتمسك الدائرة المحيطة به بأن يترشح لولاية رئاسية خامسة قد يساهمان في إعطاء البعض هدية ثمينة “للانتقام” واستقطاب الرأي العام في ظلّ الوضع السياسي والاجتماعي المحتقن، ويهدد اتفاق السلم والمصالحة الذي وصل عبدالعزيز بوتفليقة به إلى سدة السلطة في الجزائر منتصف عام 1999، وهو ما قد يبدد مبررات فريق بوتفليقة كثيرا ويعزز فريق التغيير.
اضف تعليقا