“إن لم أسرقه أنا، فسيسرقه غيري”.. عبارة أصبحت أيقونة لمناهضة الاحتلال عالميا بعدما نطق بها مستوطن صهيوني يدعى جاكوب، أو يعقوب بحسب التسمية العربية، وذلك بعدما اعترضت طريقه ببسالة صاحبة الأرض والدار الفلسطينية التي هم بسرقتها عيانا بيانا في حماية شرطة الاحتلال.

 

المستوطن الذي نجح بالفعل بمساعدة مأجورين صهاينة من يهود الحريدم المتطرفين في الاستيلاء على المنزل الفلسطيني الكائن بحي الشيخ جراح في البلدة القديمة بالقدس وذلك بمحازاة المسجد القبلي المبارك مباشرة، استغل المستوطن غياب الرجال عن المنزل بعدما علم باعتقال ولدي السيدة بسجون الاحتلال بعد مشاركتهم في تظاهرات مناهضة للاستيلاء على الحي.

 

المشهد قاس تماما، لكن ربما يختصره ما قاله جدعون ليفي في مقال لصحيفة “هآرتس” الاسرائيلية في العام 2015، حين قال منتقداً سياسة الإحتلال الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين: “هل كنت تعتقد أن 300 ألف شخص يستطيعون السكوت بينما يشاهدون المستوطنين يقتحمون بيوتهم وبينما هم محرومون من الحد الأدنى للخدمات وسط ضرائب قصوى؟ هل تعتقد أنهم سيسكتون في حين أن المحتل يعاملهم كمهاجرين في مدينتهم؟ هل سيصمتون بينما يتعرضون للضرب وبينما يتعرض أطفالهم للحرق”.

 

واقتحم المستوطن المنزل وبصحبته الـ”فتوات” اليهود المأجورين والمحتمين بوحدة حماية المستوطنين من شرطة الاحتلال، واستولى عليه أمام أعين صاحبته الفلسطينية السيدة منى الكرد التي اعترضت طريقه حاملة الأوراق الثبوتية التي تثبت ملكية عائلتها للمنزل منذ قرون، قائلة له بصوت مرتفع: هذا منزل عائلتي، أنت تسرقه، قبل أن يباغتها المستوطن يعقوب برده الحاسم الذي أصبح حديث منصات التواصل حول العالم: أعلم ذلك تماما.

 

وفي الفيديو الذي انتشر في مواقع التواصل، تقف السيدة منى الكرد خارج حدود منزلها وتراقب يعقوب، المستوطن الاسرائيلي الذي أتى ليسرق منزلها، تقول له: “يعقوب أنت تسرق منزلي”. يجيبها: “إن لم أسرقه أنا، فسيسرقه غيري”. يستمر الحوار بين المرأة ويعقوب. تحاول ثنيه عن سرقة بيتها، تقول له: “يعقوب هذا ليس بيتك”، يجيبها: “أعلم لكن حتى لو خرجت منه، أنت لن تستطيعين العودة”. 

 

ويقع المنزل في حي الشيخ جراح، حيث  تواجه ١٢ عائلة من سكان الحي خطر التهجير القسري إثر صدور قرارات من الاحتلال بإخلاء البيوت، وأطلق الفلسطينيون حملة في مواقع التواصل تضامناً مع سكان الحي الواقع شمال البلدة القديمة في القدس.

 

وبدون جهد كبير، يبدو واضحا للعيان أن يعقوب محق تماما فيما يقول، إذ بات المقدسيون اليوم دون ظهير يحمي حقوقهم أو ينتزعها لهم، في ظل البعد الجغرافي للمقاومة التي بذلت ما في وسعها لنصرتهم بالمشاركة في حرب ضروس دفع القطاع ثمنا غاليا لها بعدما كسر أنف الاحتلال وأذله أمام العالم.

 

أما السلطة الفلسطينية التي يتزعمها محمود عباس المعروف إعلاميا بأبو مازن، زعيم حركة فتح التي ارتمت في أحضان الاحتلال وارتضت أن تكون جزءا منه ومن أدواته لقمع الفلسطينين، فتبذل ما في وسعها لعرقلة مساعي المقاومة لنصرة أهالي القدس والداخل المحتل.

 

يذكر أن قضية حي الشيخ جراح بدأت منذ عام 1972 عندما حاولت جمعيات استيطانية ادعاء ملكيتها للحي، وتم إخلاء العائلات الثلاث الأولى من الحي عامي 2008 و2009، وفي حال نفذت سلطات الاحتلال الإخلاءات الجديدة فإنها تكون قد طردت 15 عائلة من أصل 28 في حي كرم الجاعوني، وهو ما تعمل تلك العائلات وأهالي الحي على مواجهته عبر حملات متتالية على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وبالفعاليات الشعبية في الحي.

 

وتقضي التسوية التي أمهلت المحكمة الإسرائيلية العائلات الفلسطينية للتوافق عليها مع المستوطنين إيجاد آلية لدفع بدل إيجار للمستوطنين بأثر رجعي، ومواصلة دفع الإيجار إلى أن يتوفى رب المنزل الفلسطيني، بحيث لا ينتقل الإيجار المحمي لأولاده. فيما عبرت العائلات الفلسطينية عن رفضها بشكل قاطع هذه التسوية، المطابقة لمطالب الشركة الاستيطانية، باعتبارها اعترافا بملكية المستوطنين للأراضي.

 

ورغم أن يعقوب المستوطن يبدو للوهلة الأولى يقول كلاما صادما وجديدا، إلا أنه بالفعل هذا هو ما قام عليه نظام الاحتلال بأكمله، نظام استيطاني متطرف وسارق ومحتل، منذ لحظته الأولى التي استولى فيها برعاية الاحتلال الإنجليزي على أرض فلسطين معلنين دولتهم المزعومة عام 1984 فيما عُرف في العالم العربي بأحداث النكبة الفلسطينية.

 

وتفاعل المغردون الفلسطينيون والعرب عن مع المقطع المستفز، وعبروا عن غضبهم لما يمارسه المستوطنون بحماية حكومة الاحتلال، حيث علق رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس على المقطع واصفًا إياه بـ”منطق الحرامية”، فيما أضاف مغردون آخرون أن المقطع يصور ما يعاني منه الفلسطينيون على مدار السنوات الماضية من تهجير وعربدة واحتلال وسلب للحقوق والمقومات الأساسية للحياة.

 

مشهد يعقوب ليس جديدا إذن، ويعرفه الفلسطينيون منذ سنوات هي عمر كيان الاحتلال، لكن هناك فارق وحيد اليوم، وهو أنه بات لدى الفلسطينيين هواتف محمولة وكاميرات لتوثيق الفاجعة ونقلها إلى العالم، لكن الجميع يلتزم الصمت بل ويتغافل عن غش الصورة التي رسمها الإعلام الإسرائيلي والأميركي عن الفلسطينيين وهي أنهم عبارة عن إرهابيين، إسلاميين، همجيين، معادين للسامية.

 

اقرأ أيضاً: كيف نجحت السردية الفلسطينية في خرق الاحتكار الإسرائيلي للرأي العام الغربي؟