بعد عقدين من التنمية الصناعية المكثفة، يعاني العملاق الصيني من نقص مقلق للغاية في أحد المواد الطبيعية قد يدفعه لتهديد جيرانه الآسيويين.

تحت هذه الكلمات نشرت مجلة “أتلانتيكو” الفرنسية مقابلة مع إيمانويل لينكوت، الأستاذ في المعهد الكاثوليكي بباريس والباحث بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (Iris) والمتخصص في الشأن الصيني.

وقالت المجلة يوجد في الصين 20٪ من سكان العالم ولكن 7٪ فقط من مياهه العذبة، ووفقًا لبعض التقديرات، فإن 80-90٪ من المياه الجوفية في الصين ونصف مياه الأنهار ملوثة جدًا بحيث لا يمكن استهلاكها. 

وطرحت على الباحث هذا الأسئلة: ماذا يمكن أن تكون عواقب هذا النقص في المياه؟ هل يمكننا أن نرى تأثيرًا على الزراعة وكذلك أيضًا على الصناعة الصينية؟

ومن جهته أوضح إيمانويل لينكوت أن الوضع مأساوي في الصين حيث يواجه 400 مليون شخص في شمال غرب البلاد مشكلة الجفاف وتقدم صحراء جوبي. 

وأضاف في عام 2008، خلال أولمبياد بكين، تعرضت العاصمة لنقص خطير في المياه، فالإجهاد المائي هو قضية جيوسياسية بين عرقيات الهان والهوي والأويغور ونادرًا ما يتم تناول حالة العلاقات بين العرقيات من هذه الزاوية.

 

مشاريع عملاقة

كما تقوم الحكومة المركزية بتنفيذ مشاريع عملاقة لتحويل مجرى أنهار جبال الهيمالايا مثل نهر براهمابوترا واستخدام موارد الأنهار الجليدية لتغذية واحات شينجيانغ، لكن هذه المشاريع تزيد، بالإضافة إلى المشكلات البيئية التي ستؤدي إلى ظهورها في حالة حدوثها، من التوترات بين الصينيين والهنود.

يتسبب كذلك النمو غير المنضبط، المستوحى من النموذج السوفيتي، في أضرار لا رجعة فيها لتلوث التربة والمياه الجوفية، وخاصة الزئبق، فلطالما أثيرت مسألة الأمن الغذائي للصين بمعناه المزدوج: الصحة وأيضًا من حيث اعتمادها على الأسواق الخارجية. 

كل ذلك يتبعه أزمة ثقة بين المستهلكين الصينيين تجاه المنتجات الغذائية المحلية، والتي أدت أكثر من مرة في التاريخ الحديث للبلاد إلى أزمات خطيرة (أنفلونزا الطيور والخنازير …).

لجنة ميكونج

وتساءلت المجلة: هل من خلال بناء سلسلة من السدود العملاقة على أنهارها الرئيسية، يمكن لبكين أن تغضب بعض جيرانها الآسيويين؟ وهل يمكن أن نشهد “حرب مياه” في السنوات القادمة؟

وأجاب الباحث، بالفعل يوجد توترات، وهذا ينطبق بشكل رئيسي على نهر الميكونج حيث هناك خلافات بالفعل بين الصين ودول جنوب شرق آسيا التي يعبرها هذا النهر. 

تحاول لجنة ميكونج – التي لا تعد الصين جزءًا منها – بطريقة منسقة تفنيد الحجج الموضوعية التي تقولها الصين، لكن دون جدوى لأنه سواء في لاوس أو كمبوديا فإن النخب الحاكمة فاسدة نتيجة الأموال التي تقدمها بكين. 

ويؤكد إيمانويل لينكوت أن الدولة الوحيدة التي تمتلك في هذه التشكيلة المزيد من الوسائل للمقاومة من خلال تعبئة الرأي هي فيتنام، غير أن هذا ليس كافيًا وسيكون التشاور العام بين الشركاء أمرًا مرغوبًا فيه، خاصة وأن المنطقة تعاني من مخاطر زلزالية، وفي الصين نفسها (مقاطعة يونان، إلخ) قد يواجه سكانها انهيارات في هذه السدود، وسيكون لذلك عواقب وخيمة.

وعن التكلفة اللوجستية والمالية التي تتكبدها الصين من أجل تحويل المياه من مناطقها الرطبة نسبيًا إلى الشمال الذي يعاني من الجفاف، قال المتخصص في الشأن الصيني: إن مشروع نقل المياه من الجنوب إلى الشمال الذي تم إطلاقه منذ ما يقرب من عقدين من الزمن يعود في أصوله لرغبة الحاكم ماو تسي تونغ في الخمسينيات تغذية النهر الأصفر بالجنوب، مع ملاحظة أن المناطق الواقعة جنوب البلاد النهر الأزرق به موارد مائية وفيرة بينما يعاني سكان الشمال من نقص. 

في المجمل يجب أن يكتمل هذا المشروع عام 2050، وسيؤدي في النهاية إلى تحويل 45 مليار متر مكعب من المياه، حيث تم بالفعل عام 2014 إنفاق 79 مليار دولار أمريكي، ومرة أخرى، فإن خطر اضطراب النظم البيئية المرتبط بالتراجع الديموغرافي يهدد بجعل هذا المشروع بلا فائدة حتى قبل أن يرى النور.

 

تحلية مياه البحر

وعما إذا كان باستطاعة الحكومة الصينية إيجاد حلول أخرى لسد هذه الفجوة؟ بيّن لينكوت أن الصين تبدي اهتمامًا كبيرًا بتقنيات تحلية مياه البحر، وتستثمر بشكل خاص في محطات الطاقة التي تعمل بتقنيات الأغشية، إذ تفضل الحكومة تنقية المياه عن طريق التناضح العكسي، فرغم أنها معقدة لا تحتاج إلى طاقة كبيرة. 

تمثل 84٪ من محطات التحلية الصينية، وإزالة الأيونات بالكهرباء 2٪ والغسيل الكهربائي 2٪، أما تقنيات التقطير الحراري متعدد التأثير والتبخر تمثل 10٪ و2٪ على التوالي، وتم إنشاء مراكز أبحاث مخصصة لدراسة هذه التقنيات في مدينتي هانغتشو وتيانجين.

وحول إمكانية تفاقم الوضع في السنوات المقبلة، أكد الباحث الفرنسي أن المياه هي المشكلة الرئيسية للصين وجيرانها. فالصين أكبر ملوث في العالم، تشهد في المتوسط ​​ما بين 75000 و180000 مظاهرة مدنية ضد التلوث كل عام، أي خارج وقت الوباء، كان لديك حوالي 500 احتجاج يوميًا يتعلق مباشرة بالقضايا البيئية.

وإذا أضفت هذه المشكلة إلى قضية سلامة الغذاء التي طرحت في الأعلى، ترى أن الوضع متفجر، خاصة أنه بعد أزمة “كوفيد-19” الوضع لن يساعد على الإطلاق فيما يتعلق بالمطالبات المستقبلية، لذا فإن جوابي هو نعم سيتدهور الوضع، بما في ذلك من جهة العلاقات بين الصين وأقرب جيرانها.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا