أحمد حسين
حوادث تلو الأخرى، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك الخصوصية التي يتمتع بها اليهود المغاربة، وسط غيرهم من أبناء ديانتهم في الوطن العربي في أعقاب الإعلان عن قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي.
فمنهم من هاجر طواعية إلى الوطن الجديد، ومنهم من طُرد من بعض البلدان كمصر التي خاضت حروبا متواصلة قبل توقيع اتفاقية السلام.
ورغم الحديث عن خطوات محتملة من قبل السلطات المغربية للتطبيع مع الاحتلال، إلا أن موقف يهود المغرب يبرز في تأكيد ما يتمتعون به من خصوصية في تلك البلاد، ولو على حساب إسرائيل.
بين التطبيع وتأكيد الخصوصية
الأيام الماضية، شهدت حدثين مرتبطين للغاية في هذا السياق، آخرهما إعلان نشطاء مغاربة رفضهم لزيارة “محتملة” لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى بلادهم وشارك العشرات منهم في وقفة احتجاجية أمام مبنى البرلمان لمطالبة الحكومة بعدم استقبال نتنياهو.
(المغاربة يرفضون التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي)
ونقل المرصد المغربي لمناهضة التطبيع عن صحف عبرية أنباء بشأن زيارة مرتقبة لنتنياهو إلى الرباط في مارس أو أبريل المقبلين؛ فيما اختلفت تقديرات أسباب الزيارة بين تقديم مقترح أمريكي لحل أزمة الصحراء، أو تدشين كنيس “سلات عطية” بمدينة الصويرة بعد تجديدها.
قبلها بيومين، وجه اليهود المغاربة، صفعة لإسرائيل بعد أن أثارت مطالب تل أبيب باستخلاص أموال من المغرب بدعوى “طرد اليهود والاحتفاظ بممتلكاتهم” موجة غضب في صفوف الجالية اليهودية المغربية عبر العالم.
وحسب صحيفة “هيسبريس” المغربية، راسل “سام بنشريتي”، رئيس الاتحاد العالمي لليهود المغاربة، ما يطلق عليه بـ”وزارة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية” مطالبا إياها بـ”الكف عن الترويج للأكاذيب”، معتبرا أن “الأمر يتعلق بادعاءات لا أساس لها من الصحة”.
ودعت الرسالة المكتوبة باللغة الفرنسية إسرائيل لحذف المغرب من قائمة البلدان التي تقول تل أبيب إنها “طردت اليهود واستولت على ممتلكاتهم”، مؤكدة أن اليهود المغاربة لطالما كان مرحبا بهم في المملكة.
وقال بنشريتي في رسالته: “المغرب لم يطرد اليهود من بلادهم ولم يستولِ أبدا على ممتلكاتهم، بل إن حوالي 300 ألف يهودي غادروا البلاد عام 1960 وتركوا وراءهم آلاف الأماكن، مثل المعابد والمقابر وأرشيفا مهما، وتعمل السلطات المغربية إلى حد اليوم على حماية ذلك على حسابها”.
(احتفالات يهود مغاربة داخل كنيس بمدينة مراكش)
وأوضحت الرسالة أن: “الملك محمد السادس، أعطى أخيرا، الأمر بصيانة مقابر اليهود بالبلاد، وخصص ميزانية تبلغ عشرات آلاف الدولارات من أجل ذلك. واليوم، أي يهودي يملك عقارا أو أي ممتلكات بالبلاد من حقه التصرف فيه ببيعه وفق أحوال السوق”.
وفي الإطار نفسه، وقع مواطنون مغاربة عريضة تطالب إسرائيل بـ”الكف عن ترويج الأكاذيب بشأن مطالبها بتعويضات مالية من عدد من الدول، من بينها المغرب، جراء طرد اليهود،” معتبرين أن “مثل هذه الأكاذيب ستكون في خدمة الكراهية والتطرف”.
هذه الخصوصية التي قلما تتكرر في الوطن العربي أعادت إلى الأذهان حادثا أثار جدلا كبيرا في الأوساط المغربية والعربية والإسرائيلية على حد سواء، وكان بطله العاهل المغربي الملك محمد السادس.
في مارس الماضي نشر حاخام يهودي صورة بجانب العاهل المغربي، إلا أن السياق التاريخي والثقافي والاجتماعي المحيط بالصورة ربما لا يجعلها مستغربة إلى هذا الحد، خاصة لدى المغاربة.
فلطالما عُرف المغرب بتعايش بين العرب المسلمين واليهود، ولعل هذا ما شجع الحاخام “إسرائيل جولدبرج” على نشر الصورة بحفاوة بالغة، مصحوبة بتعليق كشف خلاله حالة من الود سيطرت على اللقاء الذي جمعهما بأقدم كنيس يهودي في العاصمة الفرنسية باريس.
(الصورة التي أثارت الجدل)
وفي غير الأراضي المحتلة، فإنك لن تشاهد مجموعات يهودية تسير في أحد الشوارع العربية بزيها التقليدي (التليت)، أو يذهبون إلى معبد يتلون صلواتهم بأريحية، إلا في المغرب، التي يحضر ممثل عن ملكها الاحتفالات الرسمية لليهود بانتظام.
“يتمتع المغرب اليوم بمستوى أمان عال مقارنة بدول المنطقة. فيعيش اليهود بأمان بجانب المسلمين، يتعاملون تجاريا مع بعضهم البعض ويعايدون بعضهم البعض في الأعياد والمناسبات”، هكذا تقول “لعزيزة دليل” نائب رئيس جمعية ميمونة المغربية.
وتعددت المبادرات الحكومية في المغرب الرامية إلى إعادة الاعتبار للمكون اليهودي، منها مشاريع تابعها الملك محمد السادس، كترميم الكنائس اليهودية كـ”صلاة الفاسيين” عام 2013، كما تقود الجمعيات الناشطة في نفس المجال الكثير من المبادرات الأخرى.
(صورة من داخل أحد الكنس اليهودية بفاس المغربية)
ومن خلال تلك المبادرات الميدانية تعتقد “دليل” أن عدد يهود المغرب – بتقديرات مايو 2017 – يصل إلى 4 آلاف شخص غالبيتهم يستقرون في المدن الكبرى، كالدار البيضاء وفاس والرباط ومراكش وأكادير، بحسب تقارير إعلامية.
جمعية ميمونة، إطار غير حكومي تأسس عام 2007، وفي عام 2011 نظمت الجمعية ندوة دولية حول الهولوكوست، وصفتها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية بـ” الأولى من نوعها في العالم العربي”، وحظي اللقاء بدعم ورعاية عاهل البلاد.
لمحة تاريخية
تُجمع غالبية الدراسات التاريخية إلى أن الوجود اليهودي بالمغرب يضرب بجذوره في أعماق التاريخ، حيث ظهر مع التجار اليهود الذين وصلوا مع الفينيقيين في القرن التاسع قبل الميلاد، وفي أعقاب خراب الهيكل الأول عام 586 ق.م.، ثم القرن الثالث قبل الميلاد بشكل عام، حيث تمكنوا من الدخول إلى مناطق الأمازيغ في الجنوب من خلال التأثير المباشر بين الجماعات اليهودية والقبائل الأمازيغية.
احترف اليهود الأوائل في المغرب كل ركائز الحياة الاقتصادية من رعي وصناعة، علاوة على التجارة التي حققوا منها ثروات طائلة، خاصة تجارة الرفاهيات والرقيق.
لكن أكبر هجرة لليهود إلى المغرب الأقصى بدأت مع ظهور علامات سقوط الحكم الإسلامي في الأندلس عام 1492، والتهجير القسري الذي تعرض له المسلمون واليهود على يد الإسبان، وهروبهم من محاكم التفتيش.
(بعض المؤرخين يرجعون جذور اليهود في المغرب إلى الأمازيغ)
وتقول تقديرات إن الجالية اليهودية في المغرب حينها تجاوزت 100 ألف شخص، فيما أتى نحو 30 ألفا من إسبانيا والبرتغال، ولا يزال كثير من هؤلاء يحملون أسماء أسرية لمدن إسبانية تعود أصولهم إليها.
ينقسم المغاربة اليهود إلى قسمين: “المغوراشيم” ومعناها بالعبرية المطارد وهم يهود الأندلس، و”الطشابيم” الذين سكنوا المغرب قبل الفتح العربي الإسلامي.
“المغوراشيم” هم اليهود الذين هربوا من إسبانيا والبرتغال بعد طردهم من قبل فرديناند وإيزابيلا عام 1492، بينما ترجع أصول الكثير من “الطشابيم” إلى الأمازيغ الذين تحولوا إلى اليهودية والتصقوا بديانتهم، وفي زمن الفتح العربي الإسلامي الأول مع بداية القرن الثامن الميلادي، كانت هناك أعداد من الممالك اليهودية الصغيرة في الجزائر والمغرب.
وتحالف إدريس الأول، أول حاكم مسلم في المغرب، أولًا مع السكان اليهود ضد مؤيدي الخليفة العباسي هارون الرشيد، ولكنه تحول لاحقا ضدهم.
اضف تعليقا