رغم الإعلان الإسرائيلي عن السماح بدخول 100 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة، فإن الصورة على الأرض لا تزال قاتمة، بل أكثر مأساوية من أي وقت مضى.
فالعدد المعلن عنه من الشاحنات لا يُعدّ سوى “نقطة في بحر” بالنسبة لمليون ونصف المليون نازح يعانون الجوع والمرض في ظل حصار شامل يفرضه الاحتلال منذ أكثر من سبعة أشهر، وسط تواطؤ مصري وتخاذل دولي واضح.
وكما تؤكد الأمم المتحدة، لم تصل أي من تلك المساعدات إلى مستحقيها حتى الآن، ما يؤكد أن ما يجري لا يعدو كونه محاولة إعلامية للتغطية على جرائم الإبادة الجماعية والتجويع الجماعي التي تُرتكب بحق شعب أعزل.
الاحتلال يتلاعب بالمساعدات لإطالة أمد المجاعة
قال جيش الاحتلال الإسرائيلي، إنه “سمح” بدخول 100 شاحنة مساعدات محمّلة بالطحين وأغذية الأطفال والمعدات الطبية إلى قطاع غزة، في مشهد يوحي بالكرم الزائف من الجلاد للضحية.
لكن الأمم المتحدة كشفت سريعًا زيف هذا المشهد، حين أكد المتحدث باسمها، ستيفان دوجاريك، أن المساعدات لم تُوزّع حتى الآن، بسبب عراقيل الاحتلال ومشاكل النقل والتخزين.
بل إن إحدى فرق الأمم المتحدة انتظرت لساعات عند معبر كرم أبو سالم لجمع المساعدات، دون أن يُسمح لها بنقلها إلى مستودعاتها.
ولم يتم حتى الآن إيصال أي مساعدات غذائية بشكل منتظم إلى مراكز التوزيع، مما يجعل هذا الإعلان الإسرائيلي شكليًا لا أكثر. ويبدو واضحًا أن الاحتلال يستخدم هذه الشاحنات كأداة لتخفيف الضغوط السياسية الدولية، لا كوسيلة لإغاثة المنكوبين.
ومنذ أن أغلقت إسرائيل المعابر كافة أمام المساعدات في 2 مارس/آذار الماضي، تدهور الوضع الإنساني في غزة بشكل مروّع.
وبحسب منظمات حقوقية، يواجه أكثر من مليون فلسطيني خطر المجاعة، فيما تستمر الجرائم بحق المدنيين من قصف وتجويع ونزوح قسري. إن ما يُسمى بـ”السماح” بإدخال المساعدات اليوم لا يعدو كونه رشوة دولية لتخفيف الغضب العالمي المتصاعد، خاصة بعد مجازر لا يمكن تبريرها.
تواطؤ السيسي في حصار غزة.. معبر “الموت البطيء”
في موازاة الحصار الإسرائيلي، يبرز دور النظام المصري في الإمعان في خنق غزة. فرغم أن معبر رفح الحدودي مع مصر يمثل المنفذ الوحيد غير الخاضع رسميًا لسلطة الاحتلال، إلا أنه لم يشهد أي تحرّك حقيقي لفتح المعبر بشكل مستمر أو إدخال مساعدات بشكل فعّال.
وبحسب تقارير دولية، فإن مئات الشاحنات لا تزال متوقفة في العريش، تنتظر “إذنًا” أمنيًا من القاهرة لتجاوز الطريق المحاصر إلى رفح.
ويكشف هذا الواقع عن تنسيق غير معلن بين السلطات المصرية وحكومة الاحتلال، تحت ذريعة “الاشتراطات الأمنية” أو “تنظيم المساعدات”، في حين يموت الأطفال جوعًا في شمال القطاع.
ليس من المبالغة القول إن عبد الفتاح السيسي قد تحوّل إلى “حارس المعبر لصالح الاحتلال”، فمنع المساعدات، وتأخير الشحنات، وإغلاق المعابر في وجه الجرحى، كلها تؤكد أن مصر الرسمية باتت طرفًا في الحصار، لا وسيطًا إنسانيًا.
وفي ظل كل هذا، يلوذ النظام المصري بالصمت، رغم التقارير التي تشير إلى تحلل الجثث في الشوارع، وانهيار النظام الصحي، واستهداف قوات الاحتلال لمراكز الإيواء والمستشفيات. وبينما تكتفي القاهرة بدعوات “وقف التصعيد”، تتراكم الجرائم والمآسي خلف الأسلاك الشائكة.
غضب دولي صامت.. وصمت عربي مخجل
القرار الإسرائيلي بإدخال المساعدات المحدودة جاء بعد ضغوط أمريكية وأوروبية متزايدة، خاصة بعد أن باتت صور المجاعة والقتل والتدمير حديث الإعلام العالمي.
لكن ما يجري في الكواليس يُظهر أن هذه الضغوط ليست من أجل إنقاذ الفلسطينيين، بقدر ما تهدف لوقف الانهيار الأخلاقي الذي يطارد داعمي إسرائيل في العواصم الغربية.
وفي المقابل، يغيب الضغط العربي بشكل شبه تام، وكأن ما يجري في غزة لا يخصّهم. فلا قمة عربية طارئة، ولا قرارات فعالة من جامعة الدول، بل إن بعض الأنظمة – وعلى رأسها السعودية والإمارات – تواصل التطبيع مع الاحتلال رغم كل المجازر.
أما الأمم المتحدة، فبينما تصدر التقارير وتطلق التحذيرات، لا تزال رهينة قرارات مجلس الأمن الذي يشلّه “الفيتو الأمريكي”، مما يحوّل كل نداءاتها إلى صرخات في فراغ دولي مريب.
شاحنة طحين لا تطفئ نيران مجاعة مُمنهجة
إن إدخال 100 شاحنة مساعدات إلى غزة لا يمكن أن يُنظر إليه كخطوة إنسانية، بل كمسرحية إعلامية تنفذها إسرائيل لامتصاص الغضب الدولي، بموافقة ضمنية من نظام السيسي وحلفائه الإقليميين.
فما يحتاجه قطاع غزة ليس شاحنة طحين كل أسبوع، بل وقف شامل وفوري للعدوان، وكسر كامل للحصار، وضمان تدفق المساعدات دون عراقيل أو إذلال.
وما لم يتحرك المجتمع الدولي والعربي لإنهاء هذه الجريمة المركبة، فإن أطفال غزة سيستمرون في الموت جوعًا، بينما ينشغل العالم بعدّ الشاحنات بدلًا من إنقاذ الأرواح.
اقرأ أيضًا : أهوال يوم القيامة في غزة: بيت لاهيا شاهدة على الإبادة والموت جوعًا وتحت الأنقاض
اضف تعليقا