العدسة – باسم الشجاعي

منذ تولي الأمير “محمد بن سلمان آل سعود”، ولاية العهد في السعودية في يونيو2016، تشير الأنباء المتواترة إلى أن الرياض تسير بخطوات كبيرة نحو قطع صلة المملكة بالمشروع الديني الوهابي والاتجاه نحو “علمنة قسرية”.

ومن هذا المنطلق فإن هناك الكثير من الأشياء التي تشهدها السعودية لـ”المرة الأولى” في تاريخها، آخرها إعلان موقع “روزنامة الترفيه”، التابع للهيئة العامة للترفيه في السعودية (حكومي)، عن إقامة حفل للمطرب المصري “تامر حسني”، بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية، (غرب) في 30 مارس المقبل.

ونشر “الموقع”، “الاثنين” 26 فبراير، إعلانًا للحفل في حسابه على موقعتويتر، وجاء فيه “بدعم من الهيئة العامة للترفيه، نجم مصر والوطن العربي “تامر حسني”، بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية، موعد الحفل 30 مارس 2018”.

حفل “تامر حسني”، ليس الأخير؛ حيث تشهد المملكة العربية السعودية مؤخرًا انفتاحًا كبيرًا، تماشيًا مع استراتيجيتها الجديدة ورؤية 2030، والتي خطط ولي العهد السعودي، “محمد بن سليمان”، لكسر القيود والموروثات.

وسبق الإعلان عن حفل المطرب المصري، استضافة الرياض، لـ”أسبوع الموضة العربي”، الذي كان ينظم عادة في مدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك في الفترة من 26 إلى 31 مارس من كل عام.

قرار مجلس الأزياء العربي، بتنظيم أسبوع الموضة لهذا العام في السعودية، جاء بعد افتتاح مكتب إقليمي له في مدينة الرياض، وتعيين الأميرة “نورة بنت فيصل آل سعود” في منصب الرئيس الشرفي للمجلس.

وأسبوع الموضة العربي، ينظمه مجلس الأزياء العربي، الذي يضم ممثلين عن الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، للمرة الأولى.

لم يكن حفل “تامر حسني”، و”أسبوع الموضه العربي”، من الأمور التي تشهدها الرياض لأول مرة، فهناك الكثير من الأشياء التي تشهدها السعودية للمرة الأولى في تاريخها، موقعالعدسة، يرصدها في التقرير التالي:

“الجمعة” الماضي، 23 فبراير، شهدت السعودية انطلاق أول عرض “أوبرا” بالمملكة تحت عنوان “عنتر وعبلة”، في تظاهرة شهدت نفاد التذاكر في أوّل أيام العرض، كما توافد السعوديون على أول مهرجان لموسيقى الجاز يشهده البلد.

ويأتي عرض الأوبرا الذي ترعاه الهيئة العامة للترفيه على مدار يومين في العاصمة الرياض بعد إعلان المملكة البدء في بناء دار للأوبرا، في سابقة تعد الأولى من نوعها في تاريخ المملكة.

وبحسب رئيس “الهيئة العامة للترفيه”، أحمد الخطيب، فإن استثمار قطاع الترفيه في السنوات العشر المقبلة سيبلغ 240 مليار ريال (نحو 64 مليار دولار أمريكي)، على أن تُجمع هذه الأموال من الحكومة والقطاع الخاص.

ويأتي الإعلان عن مشروع دار الأوبرا، بعدما وافق مجلس إدارة “الهيئة العامة للمرئي والمسموع” السعودية، في ديسمبر الأول الماضي، على إصدار تراخيص لفتح دور للعرض السينمائي في المملكة العربية السعودية ابتداءً من مارس المقبل، وذلك بعد 35 عاماً من الحظر.

و”هيئة الترفيه” كانت أُنشئت في مايو عام 2016، كجهاز حكومي رئيسه بمرتبة وزير، لتوفير خدمات ترفيهية تتمثل في إحياء حفلات وأنشطة متعددة، وشكل مجلس إدارته في ديسمبر من العام ذاته.

ولأول مرة في تاريخ السعودية أيضا، سمح للنساء في يناير الماضي، حضور مباراة كرة قدم، وذلك في مباراة الأهلي أمام الباطن في إطار مباريات الدوري السعودي في الرياض.

ويسمح للنساء البالغات بدخول ملاعب كرة القدم في السعودية للتشجيع في ثلاث مدن رئيسية هي “الرياض وجدة والدمام”. وفي نوفمبر الماضي، نظمت السعودية أول بطولة إسكواش للنساء، كما استضافت مدينة جدة بطولة الجامعات لكرة السلة للنساء، بحضور أكثر من ثلاث آلاف امرأة للتشجيع في المدرجات.

أما في شهر سبتمبر من عام 2017، سمحت السلطات السعودية للمرة الأولى للنساء بحضور احتفالات العيد الوطني للبلاد مع عائلاتهم على مدرجات “إستاد الملك فهد الدولي” في الرياض.

وفي 27 سبتمبر 2017، أعلنت الهيئة العامة للرياضة بالرياض، إتاحة مشاركة النساء السعوديات في فعاليات اليوم العالمي للمشي، الذي أقيم في 29 سبتمبر، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها النساء في المهرجان.

وفي أكتوبر من العام الماضي، بدأت القناة الثقافية السعودية سهرة فنية لسيدة الغناء العربي “أم كلثوم”، كما أذاعت إحدى الحفلات الغنائية للمطرب “عبد الحليم حافظ”، وذلك بعد توقف عن إذاعة الحفلات الطربية، خصوصا النسائية، منذ نحو 3 عقود.

الأمر لم يقتصر على ذلك، بل إن الرياض تنوي إنشاء منتجع البحر الأحمر السياحي، كأحد أكبر المنتجعات السياحية على البحر الأحمر، من خلال تحويل مئات الكيلومترات من البحر إلى منتجع يخضع لقوانين خاصة توائم القوانين والمعايير العالمية ولا يخضع لقوانين السعودية، وهو المشروع الذي سيتم إنشاؤه على 50 جزيرة في مساحة قدرها 34.000 كيلومتر مربع، والمتوقع الانتهاء منه خلال عامين، ويسمح خلاله بوجود الأجنبيات دون أي قيود على ملابسهم.

المستقبل لا يبشر

المتأمل في حال السعودية يرى أن مستقبلها لا يبشر بالخير؛ حيث إن ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، تسبب خلال الأشهر القليلة الماضية في زعزعة استقرار المنطقة وتصعيد التوتر بين السعودية والدول الأخرى، فضلا عن حملات الاعتقالات التي طالت الجميع، والتي بدأت بالدعاة الرافضين لخطوات العلمنة، وسياسيات الأمير الطامح للسلطة.

لم يختلف الوضع الاقتصادي عن السياسي، ولكن على طريقته الخاصة، فقد تسبت سياسات “ابن سلمان”، في غرق الدول، إلى درجة أنه من غير الممكن أن يتمكن أحد من إنقاذها.

فأرقام العام المالي الماضي كانت دق ناقوس الخطر، إذ انخفضت إيرادات النفط السعودي من 322 مليار دولار سنة 2013، إلى 134 مليار دولار سنة 2016، كما استنزفت المملكة احتياطياتها النقدية؛ حيث سحبت منها نحو 116 مليار دولار سنة 2015 و81 مليار دولار سنة 2016.

ويبدو أن “ابن سليمان”، كرس جهوده لتعويض تراجع العائدات النفطية من فتح الباب أمام الاستثمار في الفن والترفيه لجلب مزيد من الأموال، فضلا عن حصوله على مبالغ طائلة من وراء حملة اعتقال الأمراء بزعم قضايا فساد، والتي قدرت بنحو 400مليار دولار.

هل تصمد السعودية؟

بعد قرارات “ابن سلمان”، التي تتجه نحو الليبرالية والعلمنة، يبقى السؤال الأهم، هل تستطيع السعودية البقاء وكسب الهيمنة الإقليمية، بعد تخليها عن أداة بقائها، وهي استخدام الدين كأداة لتوسيع النفوذ.

فمنذ تأسيس الدولة السعودية، ونظرا لوجود أقدس المواقع الإسلامية على أراضيها، لم يكن الدين بمثابة أداة داخلية للنخبة السياسية لفرض وإنفاذ سلطاتها فحسب، بل أيضا كأداة خارجية استخدمتها الدولة الوليدة في محاولاتها لفرض قيادتها وهيمنتها على العالم الإسلامي.