العدسة – منصور عطية

عام الأحداث الساخنة والقرارات الجريئة الصادمة والتطورات المتلاحقة.. هكذا كان عام 2017 الذي نودّعه خلال ساعات بامتياز في المملكة العربية السعودية، خاصة في أعقاب تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد.

بين أزمة خليجية وحملة اعتقالات لأمراء وقرارات صدمت المجتمع السعودي المحافظ وسير في ركب التطبيع مع الاحتلال، وغيرها من الأحداث شكل 2017 في ذاكرة السعودية عامًا لن ينسى وربما يمتد تأثير تداعيات ومآلات ما شهده هذا العام إلى أعوام أخرى قادمة.

 

تعيين ابن سلمان

شهر يونيو شهد الحدث الأبرز الذي كان له ما بعده على نحو لم يتوقعه أحد، وهو تعيين الأمير محمد بن سلمان نجل العاهل السعودي وليًا للعهد، بعد الإطاحة بسلفه الأمير محمد بن نايف عقب سلسلة من القرارات التي قلصت سلطاته داخل المنظومة الأمنية.

“ابن سلمان” يعد هو الحاكم الفعلي للبلاد، وسط ترقب للحظة إعلانه ملكًا تحت أي ظرف وهو ما بدا أنه مسألة وقت فقط.

تعيين الشاب الثلاثيني في هذا المنصب الذي لم يسبقه إليه أحد في مثل عمره منذ تأسيس المملكة في عشرينيات القرن الماضي، صاحبه قرارات ملكية أخرى ساهمت في توطيد سيطرة الفرع السلماني داخل الأسرة الحاكمة على مقاليد الأمور.

 

التطبيع وأزمة القدس

جدل كبير خلفه الموقف السعودي من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، حيث دافع وزير خارجيتها عن ترامب بقوله إنه جاد في إحلال السلام بالمنطقة، ونقلت تقارير إعلامية عن وزير الاستخبارات الإسرائيلي “يسرائيل كاتس”، ما مفاده أن ترامب أخبر السعوية مسبقا بقراره ولم يجد اعتراضًا.

وكشف مراسل القناة العبرية أن كلاً من السعودية ومصر “أعطيتا ترامب الضوء الأخضر لتنفيذ قراره ونقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، تمهيدًا للقرار الكبير بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل”، وفق تقارير إعلامية، ومؤخرًا كان التمثيل الهزيل للمملكة في قمة اسطنبول الإسلامية الطارئة بشأن القدس.

ولم يكن لتلك الخطوات المتتالية فيما يتعلق بقضية القدس أن تتم لولا خطوات أخرى تمهيدية على مدار الأشهر الماضية، بدا منها عبر وقائع رصدها وحللها (العدسة) أن السعودية تهرول حثيثة وبخطوات متسارعة نحو التطبيع الكامل مع الاحتلال الإسرائيلي، وفي نوفمبر أكد مسؤول إسرائيلي، رفض الكشف عن اسمه، لوكالة الصحافة الفرنسية أن المسؤول السعودي الذي زار إسرائيل سرًا في شهر سبتمبر الماضي هو ولي العهد محمد بن سلمان.

 

حصار قطر

ورغم أن الأزمة الخليجية سبقت تعيين ابن سلمان بنحو أسبوعين لكنه إليه يرجع الفضل في اتخاذ قرار المملكة ضمن 4 دول عربية بفرض حصار بري وبحري جوي على قطر بعد قطع العلاقات الدبلوماسية، في أزمة متواصلة مع قدوم عام 2018، وسط غياب أي أفق سياسي للحل.

وبعد يومين من استقراره في منصبه الجديد أعلنت الرياض، قائدة حصار قطر، عن قائمة مطالب تقدمت بها إلى قطر عبر الوسيط الكويتي، وأهم ما تضمنته إغلاق القاعدة العسكرية التركية، وخفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، وإغلاق قنوات شبكة الجزيرة وكل وسائل الإعلام التي تدعمها الدوحة ووقف ما قالت إنه دعم قطر للإرهاب.

 

قيادة المرأة للسيارة

في 26 سبتمبر أصدر العاهل السعودي أمرًا بمنح المرأة حق قيادة السيارات، بعد حظر استمر لعقود، ووسط جدل محتدم حول موقف هيئة كبار العلماء التي أباحت قيادة المرأة تناقضًا مع سيل سابق من فتاوى التحريم.

ولكن يبدو أن القرار الذي لحقه ولي العهد بتصريح مثير في أكتوبر أن بلاده بدأت “تعود” إلى “الإسلام المنفتح” على العالم، كان مجرد بداية لمزيد من القرارات التي شكلت صدمة للمجتمع السعودي المحافظ.

 

سينما وحفلات وملاعب

ففي سبتمبر سُمح للنساء بالمشاركة في فعاليات الاحتفال باليوم الوطني للمملكة باستاد الملك فهد الدولي بالرياض، الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا بسبب مشاهد الاختلاط الغريبة على المجتمع السعودي.

ففي ديسمبر، وافق مجلس إدارة الهيئة العامة للمرئي والمسموع على إصدار تراخيص للراغبين في فتح دور للعرض السينمائي بالمملكة، بعد حظر قارب الثلاثين عامًا.

وقبلها وبعدها، أقيمت الكثير من الحفلات الغنائية لمشاهير عرب وأجانب في المملكة لأول مرة، ولعل أهمها حفلات الموسيقار العالمي “ياني”، الذي أقام 6 حفلات موسيقية في جدة والظهران، وجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بالرياض.

وفي الشهر نفسه سمحت الهيئة العامة للرياضة بدخول العائلات الملاعب السعودية بداية من مطلع عام 2018.

 

اعتقال الدعاة والعلماء

ومنذ سبتمبر تشن السلطات الأمنية حملات اعتقال واسعة طالت علماء دين ومثقفين وأكاديميين وإعلاميين ونشطاء، دون أسباب واضحة حتى الآن، وسط حديث يربط بين الاعتقالات ومواقف هؤلاء من الأزمة الخليجية، وقرارات “ابن سلمان”.

بدأت حملة الاعتقالات بالداعية الشهير سلمان العودة، ثم الشيخ عوض القرني، فالدكتور علي العمري، والخبير الاقتصادي عصام الزامل، لتتوسع الحملة وتشمل بعدها العشرات من الدعاة والنشطاء والمفكرين وأصحاب الرأي، وإعلاميين وقضاة، ووصلت حد اعتقال مسؤولين كبار بوزارة العدل.

 

مجزرة الأمراء

ويوم 4 نوفمبر أمرت لجنة مكافحة الفساد- التي تم تشكيلها في نفس اليوم برئاسة “ابن سلمان”- بتوقيف 11 أميرًا، كما أوقفت 4 وزراء حاليين، وعشرات من الوزراء السابقين بتهم تتعلق بالفساد، جرى إطلاق سراح بعضهم بعد التنازل عن مبالغ مالية ضخمة.

ومن بين المحتجزين في الحملة وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله، وشقيقه الأمير السابق للرياض تركي بن عبد الله، ومالك شركة المملكة القابضة الأمير الوليد بن طلال، ورئيس الديوان الملكي السابق خالد التويجري.

وتزامنت هذه الاعتقالات مع صدور أوامر ملكية بإقالة وزير الحرس الوطني الأمير متعب من منصبه، ووسعت السلطات حملة الملاحقات، وقامت لاحقا باعتقالات جديدة شملت نخبًا سياسية ورموزًا في عالم المال والأعمال بالمملكة، وامتدت الحملة لتشمل المزيد من أبناء عمومة ولي العهد وأبنائهم وأسرهم، كما جُمدت الحسابات البنكية لولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف وأفراد من أسرته.

وبلغ عدد الحسابات البنكية السعودية التي تم تجميدها نتيجة حملة “مكافحة الفساد” أكثر من 1700، وهو رقم مرشح للارتفاع.

 

نيوم وأرامكو

بعيدًا عن السياسة كان الاقتصاد حاضرًا بقوة في أبرز الأحداث بالسعودية خلال 2017، ففي 24 أكتوبر أعلن ولي العهد عن مشروع المدينة الذكية (نيوم) بتكلفة تبلغ 500 مليار دولار.

ويقضي المشروع ببناء منطقة اقتصادية من الصفر، و”نيوم” تعني جزيرة الأحلام السعودية، الفرق بينها وبين المدن الحالية بالمملكة “كالفرق بين الهاتف النقال في جيله الأول، والجيل الأحدث من الهواتف الذكية” وفقًا لتشبيه استخدمه “ابن سلمان”.

وفي إطار “رؤية 2030” التي طرحها “ابن سلمان” لتطوير الاقتصاد، أعلنت السلطات أنها تنوي طرح 5% من إجمالي أسهم بالشركة النفطية العملاقة “أرامكو” في البورصة السعودية وأخرى أجنبية واحدة على الأقل عام 2018.

 

زيارة ترامب وصفقة الخيال

في مايو كانت السعودية مقصدًا لأول زيارة خارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تم خلالها الاتفاق على صفقات اقتصادية وعسكرية تجاوزت قيمتها 400 مليار دولار.

شملت الزيارة عقد القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض بمشاركة العشرات من القادة، وسط الحديث عن محاولة الولايات المتحدة إعادة تشكيل تحالفاتها بمنطقة الشرق الأوسط.

 

اليمن وصاروخ الرياض

في 6 نوفمبر قرر التحالف العربي الذي تقوده السعودية للحرب في اليمن الإغلاق المؤقت لكل المنافذ اليمنية الجوية والبحرية والبرية، وذلك بعد إطلاق الحوثيين صاروخا بالستيًا على مطار الرياض.

الخطوة السعودية لاقت استهجانًا دوليًا وأمميًا واسعًا، وسط دعوات متصاعدة بك الحصار لتوصيل المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء وسط وضع صحي مترد أوقع بنحو مليون يمني فريسة للكوليرا.

 

استقالة الحريري

ومن الرياض، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري يوم 5 نوفمبر في خطاب متلفز استقالته التي فاجأت اللبنانيين والعالم أجمع، وتحدثت بعض التقارير الإخبارية عن أن الحريري- الذي تراجع لاحقًا عن الاستقالة بعد وصوله إلى لبنان-  ربما كان قيد الاحتجاز في العاصمة السعودية.

تلك الأزمة تسببت بموجة من التجاذبات الدولية والإقليمية، وقع فيها لبنان أسيرًا وساحة خلفية للصراع بين السعودية وإيران.