العدسة – ياسين وجدي :
انطلقت المحققة الأممية أجنيس كالامارد في مهمة صعبة للتحقيق في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ، على أن تسلم توصياتها إلى مجلس حقوق الإنسان في يونيو المقبل ، وسط تكهنات عديدة.
نرصد أبرز 3 سيناريوهات للقضية بعد انطلاق لجنة “كالامارد” ، والتي يتنافس فيها سيناريو النجاح والتصعيد مع سيناريوهي الإخفاق تحت تأثير العرقلة أو الالتفاف، ولكن يرى البعض أنها محاولة جديدة حتى لا تضيع الحقيقة في قنصليات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
لجان التحقيق تتزايد !
بحسب الموقع الرسمي لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فإن لجان التحقيق وبعثات تقصي الحقائق والتحقيقات الصادرة بها تكليفات من الأمم المتحدة بات يتزايد استخدامها للتصدي لحالات الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، سواء كانت طويلة الأمد أو ناجمة عن أحداث مفاجئة، ولتعزيز المساءلة عن هذه الانتهاكات ومكافحة الإفلات من العقاب.
وفي هذا الإطار تقدم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان الخبرة والدعم إلى اللجان والبعثات، ويتضمن هذا وضع الإرشادات، وتقديم المشورة بشأن منهجية التحقيق والقانون الدولي الواجب التطبيق، وتطوير أدوات التحقيق، وإنشاء أمانات مجهزة بموظفين متخصصين، وتقديم الدعم الإداري واللوجستي والأمني، وإجراء الاستعراضات والعمليات القائمة على الدروس المستفادة، ومنذ عام 1992، قدمت المفوضية الدعم إلى اللجان والبعثات ونشرت 50 لجنة وبعثة تقريباً.
ومن أبرز لجان التحقيق الدولي : لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا والتي أثبتت وجود جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حصار الغوطة الشرقية وعملية استعادتها بجانب العنف الجنسي والجسماني المُوجَه ضد النساء والفتيات والرجال والأولاد، ولجنة التحقيق الدولي في انتهاكات جنوب السودان والتي أثبتت وجود جرائم حرب وعنف جنسي مروع، وبعثة تقصي الحقائق بشأن ميانمار والتي حصلت على معلومات ملموسة تشير إلى جرائم دولية ، ولجنة التحقيق بشأن بوروندي والتي كشفت عن جرائم حرب ، ولجنة التحقيق في الاحتجاجات في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة في 2018 والتي اتهمت إسرائيل بارتكاب انتهاكات خطيرة.
وانضمت لجنة التحقيق بشأن اغتيال خاشقجي قبل أيام لنشاط المفوضية، بمشاركة الثلاثي أجنيس كالامارد المقررة المعنية بحالات الإعدام خارج القضاء، والمحامية البريطانية هيلينا كيندي ودوارتي نونو فييرا وهو خبير في علم الأمراض وأستاذ جامعي في قسم الطب الجنائي بجامعة كويمبرا في البرتغال.
سيناريو التصعيد
بحسب المعلن فإن لجنة التحقيق التابعة للمفوضية السامية ستقــيم الخطوات التي اتخذتها الحكومات ردًا على مقتل خاشقجي، ومدى مسؤولية الدول والأفراد عن الجريمة، وستنقل نتائج تحقيقاتها إلى مجلس حقوق الإنسان في يونيو المقبل.
السيناريو الأكثر تفاؤلا هو الاتجاه لإنشاء لجنة تحقيق دولية ، بقرار من الأمم المتحدة ، ووفق كينيث روث المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش فإن تحقيق (كالامارد) خطوة إيجابية يجب أن يليها إنشاء لجنة تحقيق دولية في قضية خاشقجي تعمل على نطاق واسع بمقدوره الاطلاع على كل المعلومات المخابراتية، موضحا أن إنشاء لجنة تحقيق دولية يحتاج إلى أمر خطي من دولة أو أكثر، موجّهٍ للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وأضاف “روث” أن النجاح الأكبر هو اتحاد جهود عدد من الدول وإرسالها طلبا خطيا للأمم المتحدة لإنشاء لجنة تحقيق، من المفترض أن يتم ذلك بواسطة الأمين العام للأمم المتحدة أو البديل له ميشيل باشيليه المفوضة العليا لحقوق الإنسان.
في هذا السياق ترى أجنيس كالامارد المقررة المعنية بحالات الإعدام خارج القانون أن خطواتها ستصب في ضمان المساءلة والشفافية في هذه القضية بحيث تفتح سبلا جديدة لمنع تكرارها وحماية الحق في الحياة في حالات أخرى تشمل الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمحاسبة عن قتلهم“.
كما يدعم نجاح هذا السيناريو رفض الأمم المتحدة إجراءات النيابة العامة السعودية وعقد أولى جلسات محاكمة مدانين في القضية، حيث اعتبرت المحاكمة غير كافية، وجددت وقتها مطالبتها بإجراء تحقيق “شفاف وشامل”.
التحرك الأمريكي عبر أجهزة المخابرات الأمريكية قد يكون سببا في النجاح حيث تعتقد أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أمر بتنفيذ عملية قتل خاشقجي، كما حمله السيناتور الجمهوري الأميركي، ليندسي جراهام، مسؤولية القتل ملوحا بعقوبات جديدة، قائلا في تصريحات قبل أيام :” سنصدر بيانا قاطعا بأن محمد بن سلمان علم بعملية القتل؛ وهو مسؤول عنها؛ وسنفرض سلسلة من العقوبات”.
ويعزز نجاح هذا السيناريو وفق البعض إعلان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، دعم بلاده لفتح تحقيق دولي بقرار من الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي أمر بتحويل قضية مقتل خاشقجي، إلى مستوى دولي، وهو ما يساهم في تمرير إنشاء اللجنة الدولية على الأقل.
سيناريو العرقلة !
وفي المقابل تلوح في الأفق إجراءات سعودية مبكرة تهدف لتفعيل سيناريو العرقلة بهدف عدم تفعيل إجراءات اللجنة وبالتالي تقديم تقريرها في يونيو المقبل ، حتى تتحول المعركة إلى أهداف أخرى وفق مراقبين.
التجاهل بدأ من السعودية ، وهو ما كشفته أجنيس كالامارد مقررة الأمم المتحدة المعنية بالقتل خارج نطاق القضاء والإعدام التعسفي حيث قالت إنها لم تتلق بعد رداً من السلطات السعودية على مطالب اللجنة بخصوص التحقيق ، ويبدو أنها قد لا تتلق ردا أو تحصل عليه بعد مماطلة وفق رأي البعض.
“فريق التحقيق السعودي وحده قادر على كشف التفاصيل” هذا البند الثاني في العرقلة ، وقد أقرته السعودية عبر وسائل إعلامها الرسمية ، ورأت غير ذلك هو أداة من صنع “وسائل إعلام عالمية وأخرى تابعة لتنظيم الإخوان المسلمين”، فضلا عن دعمه من قبل وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، وبالتالي فلا وجود للجان أخرى خاصة وإن كانت دولية.
الإجراء المتوقع في هذا الإطار سبق وأن استخدمته السعودية ، وهو شراء السعودية للذمم ، حيث اشترت بحسب تقارير في أواخر 2015 ، رئاسة لجنة خبراء حقوق الإنسان لعرقلة مساعي التحقيق بجرائمها في اليمن، وهو ما تم لبعض الوقت ،حيث تم إسناد رئاسة لجنة الخبراء بمجلس حقوق الإنسان إلى السعودية وتعيين سفير الرياض فيصل طراد رئيسا لها ، ولكن الخطوة أثارت انتقادات واسعة وكشفت عن معلومات خطيرة في اختراق المؤسسة الدولية.
هذا السيناريو سبق أن نجح مع الأتراك بشكل ما وفق مراقبين ، حيث كانت إحدى العواقب الرئيسة التي تعرقل التحقيقات التركية عدم الحصول على تصريحٍ بدخول القنصلية ومحل إقامة القنصل العام السعودي، وهما الموقعان اللذان يُعتَقَد أنهما يحويان مزيداً من الأدلة على جريمة القتل، وبعد مكالمة هاتفية جرت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والعاهل السعودي الملك سلمان، سُمِحَ لمحققين أتراك، يرافقهم مسؤولون سعوديون بتفتيش منزل القنصل، لكن لم يُسمَح لهم بدخول مكان البئر، التي تصل عمقها إلى 25 متراً، وهو البئر الذي تحاصره شكوكا بوجود بقايا لجثة “خاشقجي”.
سيناريو الالتفاف !
السيناريو الثالث الذي قد يسفر عن استمرار إجراء تحقيق المفوضية السامية لحقوق الإنسان، هو الالتفاف على طلبات اللجنة ومراوغتها ، وتهيئة الأجواء والأوراق والاتصالات الدولية لما بعد تقديم اللجنة لقرارها، خاصة أن معظم قرارات لجان التحقيق لا تفعل وتستطيع دول وأنظمة الإفلات منها ، وهو ما حدث في سوريا وفلسطين المحتلة وجنوب السودان بحسب البعض.
فرحات أونلو، أحد مؤلفي كتاب يتناول الجريمة تحت عنوان “وحشية دبلوماسية”يرى في هذا الإطار أن السعوديون برعوا في تنظيف مسرح الجريمة بمساعدة خبيري الكيمياء والسموم ، وبالتالي طبقا لهذا الرأي يستند البعض على تفعيل السعودية لهذا السيناريو بغرض إجهاض اللجنة والتأثير على عملها.
وبجانب ذلك ، فقد بدأت السعودية اتصالاتها الدولية لطي صفحة الجريمة ، وهو ما كشفه وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، مؤكدا أن هناك دولا عدة، لم يسمها، حاولت التغطية على جريمة القتل، وطي القضية.
وفي هذا الإطار يمكن بحسب مراقبين قراءة تصريح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه ليس بوسعه أن يفتح تحقيقا في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، إلا بتفويض من مجلس الأمن الدولي، في حال اعترف مجلس الأمن بوجود تهديد على الأمن والاستقرار، بل وعلق قدرته على فتح تحقيق بتفويض من الجمعية العامة للأمم المتحدة، بظروف أقل وضوحا لم يسميه.
اضف تعليقا