العدسة – معتز أشرف
بالأمس القريب تتحرك المنصات الإعلامية والبحثية في مصر تطرح خط المواجهة مع من يهدِّد مصر بالخطر المائي، وحملات شرسة ضد السودان وإثيوبيا وصلت إلى اتهام الدولتين لمصر بالتدخل المباشر في الشأن الداخلي، لكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فجأة أنتج خطابًا جديدًا، وصفه مراقبون بخطاب التهدئة، مع الدولتين قبل زيارة يقوم بها رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين إلى القاهرة، تم تأجيلها من الأحد إلى الأربعاء، ما يضع علامات استفهام جديدة على الملف القاهري المتوتر بالاساس؛ بسبب خوف النظام الحاكم من تحركات محور السودان- تركيا- قطر في منطقة القرن الإفريقي وحوض النيل.
توجيهات جديدة
السيسي ضمن خطابه أمس في افتتاح مشروعات وصفت بالتنموية 3 خطوات عملية وتوجيهات واضحة في مقدمتها عدم استخدام وسائل الإعلام ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي– هكذا قال- أي عبارات غير لائقة، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالدول الشقيقة، والتعامل بشفافية ليس فقط فيما يتعلق بموضوع السودان، ولكن مع كل الموضوعات المماثلة، ومراعاة التعبير عن مصر بشعبها وحضارتها وقيم وأخلاقيات هذا الشعب”.
السيسي أشار في ذات الخطاب إلى الغضب المكتوم والألم الداخلي من جانب السودان، قائلًا: “هل رأيتمونا نسيئ في كلامنا بأي تعبيرات مهما كان حجم الغضب أو الألم بداخلنا من جانب أشقائنا في السودان ولا في أي مكان.. نحن حريصون للغاية على ألا تخرج منا ألفاظ أو تصريحات غير لائقة”، ما يشير بالضغوط الكبيرة علي القيادة المصرية، التي كشفت بصراحة بالغة أنها بلادها ستتعرض لمشكلة محتملة، لم يكشفها السيسي، ولكن آشار أليها بالإعلان عن تنقية مياه الصرف الصحي في مصر لمواجهة الخطر المائي.
السيناريو الاستراتيجي
هذا الخطاب الجديد الهادئ رأى مراقبون أنَّه يعبر عن قناعات الدولة المصرية ومؤسساتها في الظرف الحالي، وأنه يدخل في البعد الاستراتيجي، وأنَّ السيسي عبّر به عن حقيقة مأزق مصري في مواجهة التباس في نوايا السودان تجاه مصر، وعكس أيضًا واقعًا منطقيًا يستبعد استعداد مصر للمغامرة بالدخول في أي مواجهة عسكرية محتملة في منطقة القرن الإفريقي.
محمد مجاهد الزيات، الخبير في الشؤون الإقليمية، أكّد في تصريحات صحفية أنّ مصر تعي الآن أن مهمتها لتجاوز التصعيد الذي تقوم به الخرطوم صعبة؛ لأنها تدرك أنّ أنقرة والدوحة تُصرّان على أن تصل علاقاتها مع السودان إلى حد القطيعة، بما يجعل مصر تخسر عمقها الاستراتيجي في الجنوب، مضيفًا أنَّ “القاهرة تدرك إمكانية تعرضها لخسائر نتيجة التمسك بسياسة التريث والصبر والنفس الطويل التي تتبعها مع النظام السوداني، لكنها تتمسك بها لتجنب تحقيق مراد أطراف إقليمية تشعر بنشوة الانتصار كلما وصلت علاقات القاهرة والخرطوم إلى درجة القطيعة”.
الاقتصاد يحدِّد
ومن جهة ثانية مازالت مصر تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة لا تتحمل فاتورة أي مواجهة عسكرية قد تهدّد وجود النظام الحالي كليًا، خاصة مع قرب الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس المقبل التي ترهق ميزانية الدولة، وبالتالي فالتهدئة أولى، وعودة السفير السوداني لمصر عبد المحمود عبد الحليم إلى القاهرة قد تكون خلال أسابيع، بعد إعطاء رأس النظام المصري تعليمات بتدشين مرحلة إعلامية جديدة قد تفهم في سياق الأزمة الاقتصادية.
وأظهر استطلاع رأي حديث الذي شمل عشرة خبراء اقتصاديين عالميين، توقعات اقتصادية بانخفاض نمو الاقتصاد المصري في 2017-2018 ، موضحين أنَّ النمو المصري المتوقع 4.4 في المئة سيقل كثيرًا عن تقديرات الحكومة التي تتراوح بين 5 و5.25%، ويقل أيضًا عن النسبة البالغة 4.5% التي يتوقعها صندوق النقد الدولي، الذي أبرم اتفاق قرض بقيمة 12 بليون دولار مع مصر في نوفمبر من العام الماضي.
وبحسب الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي فإنَّ مصر ستظل أسيرة مشكلاتها الاقتصادية في 2018 فتوقعات الأداء الاقتصادي المصري خلال عام 2018، تؤكد أنّها ستكون مماثلة لما قبلها، موضحًا أنّه إذا كانت وعود السيسي في عامي 2015 و2016 عن خفض الأسعار قد ذهبت سدًى، فإنّ تصريحه بضبط الأسعار في مطلع 2017 كذّبه الواقع، ولا يزال معدل التضخم عند 30%. كما أن مشاركة الجيش في الحياة الاقتصادية بشكل عام أو في تجارة المواد الغذائية وتوزيعها وغيرها من الخدمات، لم تؤدّ إلى تحسن الأوضاع أو شعور الناس بتحسن المعيشة.
وكشف مصدر مسئول في وزارة المالية المصرية، عن أن مخصصات الانتخابات الرئاسية، المقبلة تصل إلى 1.2 مليار جنيه (68 مليون دولار)، مشيرًا إلى أنها ستكون أكثر كلفة من الانتخابات البرلمانية والمحلية.
وخطاب التهدئة يمكن فهمه في إطار اقتصادي، خاصة وأن وكالة بلومبرج قد نشرت مؤخرًا تقريرًا عن إمكانية مواجهة بعض الدول خطر التعثر في سداد ديونها الخارجية خلال عام 2018، ومن بينها مصر، نظرًا لوصول الدين الخارجي لنحو 79 مليار دولار في يونيو الماضي.
خيار مطروح
خيار الحرب لازال مطروحًا رغم القناع الجديد للنظام المصري، ويعتقد البعض أنَّ المسألة دخلت نفقًا مظلمًا، وأنَّ التهدئة تحمي خلفها قرارات سرية ببدء جولة عسكرية سريعة تحدد أهدافًا محددة تحسم القلق المصري وتنهي الخطر المائي، خاصة وأنَّ مدرسة الخداع العسكري المصري والحديث عن عام الضباب قبل حرب أكتوبر معروفة للمراقبين، كما أنَّ هناك مراقبين لهم علاقة وثيقة بمؤسسات الدولة المصرية العميقة في العقد الأخير كالأكاديمي المصري، جهاد عودة، الأستاذ المتخصص في العلاقات الدولية والقيادي السابق بالحزب الوطني الحاكم قبل ثورة 25 يناير رفع نظرة متشائمة للمسألة كلية، وذهب في حديث لوكالة الأناضول للأخبار أنَّ عودة “العلاقات انتقلت أزمتها المعقدة من التفاعل الدبلوماسي إلى الاستراتيجي”، معربًا عن قلقه من التوتر على حدود البلدين، مؤكدًا أنَّ الأمر مرتبط بتحسين العلاقات المصرية- السودانية، وتجاوز قضايا التوتر الحالي.
البعد العسكري تحدث كذلك عنه تقرير مهم نشرته مجلة السياسة الدولية المحسوب علي جهات سيادية بالدولة المصرية عقب زيارة الرئيس الإريتري “أسياسي أفورقي” الأخيرة للقاهرة، لفت إلى ما أسماه “الوجود العسكري الاجنبي” الذي تشهده دول القرن الإفريقي، حيث افتتحت الصين قاعدة عسكرية في جيبوتي عام 2017، ومثلها فعلت تركيا التي افتتحت قاعدة عسكرية في الصومال 2017 ، وهو ما اعتبره التقرير “يمثل نوعًا من التحدي الأمني لدول المنطقة، فضلًا عن استمرار علميات القرصنة التي تهدِّد حرية الملاحة بالبحر الأحمر وقناة السويس”.
وقالت الباحثة في الشأن السياسي مني سليمان في التقرير أن الزيارة الإريترية لمصر دشنت لبدء تحالف استراتيجي بين البلدين، لاسيما في ظلّ التهديدات والتحديات الأمنية المشتركة التي تواجه القاهرة وأسمرة معًا، ولذا يتوجب على الدولتين استمرار التنسيق والتشاور لمواجهتها، بما يحقق مصالحهما القومية والأمن والسلم بالقرن الإفريقي.
اضف تعليقا